إسرائيل تدرس الاعتماد على حقول «الألغام الذكية» لتأمين حدود الأراضي المحتلة
طالب خبراء وعسكريون إسرائيليون سابقون بإعادة النظر في خطط إزالة الألغام في إسرائيل على المناطق الحدودية التي تراها إسرائيل "معادية"، وكذلك طالبوا بإعادة الاستثمار في زراعة الألغام الأرضية الذكية؛ كبديل من سياسات سابقة، عملت خلالها إسرائيل على نحو يتسم بالبطء في تطهير مساحات من الأراضي التي تسيطر عليها من الألغام الأرضية لكن الخبراء يقولون إن اللجوء إلى هذا الخيار؛ سيتطلب إزالة مساحات شاسعة من البساتين والأراضي، المزروعة في تخوم الكيوبيتزات الإسرائيلية.
ويقول الخبراء إن إسرائيل تحتاج 100 عام لتطهير الأراضي، التي تسيطر عليها من الألغام الأرضية إنه إذا سارت الأمور وفق معدل بطىء العمل؛ إذ تصل مساحة الأراضي، التي تسيطر عليها إسرائيل المزروعة بالألغام 250 ألف دونم، أي ما يعادل 250 مليون متر مربع، وقد حدد الجيش الإسرائيلي 100 الف دونم، كمناطق غير أساسية لمقتضيات الدفاع والأمن الإسرائيلي، لكن أصواتا أخرى في إسرائيل باتت تطالب بإعادة الحياة إلى حقول الألغام القديمة واستزراعها بنوعيات جديدة من الالغام الذكية .
ويقول الكولونيل الإسرائيلي المتقاعد وخبير أمن الحدود داني تيرازا تلغيم الحدود الإسرائيلية بحقول ممتدة من الألغام الذكية قد يكون أجدى أمنيا لإسرائيل من الاعتماد على الجدران العازلة والسياجات الحديدية في المرحلة القادمة.
وقال تيرازا - في مقابلة أجرتها صحيفة "جلوبز" الإسرائيلية حول آفاق الأمن الإسرائيلي المستقبلية، واستطلعت فيه آراء خبراء وضباط سابقين في الجيش الإسرائيلي - إن خبرة القتال في غزة تبرهن على أن الألغام الذكية هي العلاج الناجع لتأمين الحدود والتجمعات السكنية الإسرائيلية.
وأوضح عسكري إسرائيلي آخر هو الجنرال المتقاعد اسحق بريك (وهو جنرال سابق في الجيش الإسرائيلي) أن أحياء حقول الألغام وإنشاء حقول ألغام جديدة، قد يكون الخيار الأفضل لمنع توغل الأفراد والمركبات إلى داخل الكتل السكنية الإسرائيلية، وذلك جنبا إلى جنب مع تكثيف تسيير دوريات المراقبة الحدودية.
وقالت الصحيفة الإسرائيلية إن تلك الآراء تخالف كل ما قام به الجيش الإسرائيلي - خلال السنوات الأخيرة - من عمليات تطهير لحقول الألغام؛ تمهيدا لإقامة مشروعات زراعية وعمرانية في مناطق تلك الحقول، وأنه بالفعل تم وقف تلك العمليات التطهيرية، والشروع في عميات زرع ألغام جديدة بعد أن تضع الحرب في غزة أوزارها.
ونقلت الصحيفة عن الجنرال ايتان ليدور القائد السابق لسلاح الهندسة في الجيش الإسرائيلي قوله إنه يدرس بوصفه - الآن مديرا لشركة "ماين فرى" لتطهير الألغام التابعة التي تعمل كمقاول مع جيش إسرائيلي - جدوى إعادة حقول الألغام الحدودية إلى سابق ما كانت عليه وتدعيمها بنوعيات من الألغام الذكية.
وأشار إلى أن فكرة زرع الألغام في مساحات شاسعة قد تكون الأنفع لإسرائيل في المناطق التي يصعب سد خروقات التسلل فيها بالوسائل التقليدية أو تشكل خطرا على تواجد حراس الحدود الاسرائيليين عليها أو تلك المناطق، التي تمتلك تربة متحركة يصعب مع حركتها تدقيق خرائط حقول الالغام مستقبلا.
وفي السياق، قال الجنرال وكبير مهندسي الجيش الإسرائيلي السابق موشيه شيلي إن زرع حقول الألغام لا يغني عن عناصر المراقبة بالنظر من القوات الإسرائيلية؛ لكي لا يقدم المتسللون على تعطيل عمل تلك الألغام وفتح ثغرات آمنة فيها، وفي الوقت ذاته يتعين على القوات الإسرائيلية دقة تلقين أفراد جيش الدفاع بتفاصيل خرائط حقول الألغام؛ لكي لا تصبح الدوريات الإسرائيلية "ضحية لها".
وبرغم المعاهدات الدولية التي تحظر اللجوء إلى الألغام الأرضية، زعمت الصحيفة الاسرائيلية أن الحرب الروسية الاوكرانية أعادت "الألغام الأرضية" إلى صدارة الاستخدام القتالي؛ كوسيلة لتأمين الحدود؛ وهو ما ظهر منذ أزمة شبه جزيرة كريميا عام 2014 وما تلاها من تطورات في عام 2021، بلغت ذروتها خلال فبراير 2022 ونشوب الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وعلى هذا النحو باتت الألغام الأرضية المضادة للأفراد والمركبات واقعا في 10 ملايين متر مربع من أراضي مسارح العمليات العسكرية في أوكرانيا كوسيلة دفاعية، وبات الأوكرانيون يتعمدون علي حقوق الالغام كخط دفاع اول لنحو 11 مقاطعة فى اوكرانيا من اجمالى المقاطعات الاوكرانية السبع و العشرين .
ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، تستطيع الأجيال الجديدة من الألغام الأرضية "الألغام الذكية" التمييز بين المشاة الأفراد وبين المشاة المميكنة سواء كانت مركباتها تعمل بالعجلات أو بالجنزير أو بالاثنين معا (نصف مجنزة)، ومن هنا يكمن ذكاء تلك الألغام في تقليل ضحاياها من الأفراد، كما أن منها طرازات لا تنفجر إلا في وجه من يحاول إبطال مفعولها فقط، وذلك بحسب ما ذكره مائير كوهين مدير عام مؤسسة (فور ام ديفنس) لخدمات التطهير من الألغام و الهندسة و مقرها نيويورك .
وتمتلك إسرائيل، هيئة خاصة لتطهير الألغام الارضية واتسم عملها في هذا المجال بالبطىء الشديد، نظرا لضعف الإمكانات المادية المتاحة لها إذ لا تتعدى موازنتها السنوية 27 مليون شيكل، وبحسب بيانات الهيئة تصل كلفة تطهير الدونم الواحد من الألغام الأرضية ما بين 45 إلى 55 ألف شيكل (الدونم يعادل 1000 متر مربع ) كما قد ترتفع كفلة التطهير فى بعض المناطق و لبعض نوعيات الالغام الى 70 الف شيكل للدونم الواحد .
وعليه، لا يتعدى المعدل المتوسط لتطهير الألغام الأرضية في إسرائيل من 300 إلى 600 دونم في العام الواحد، وذلك بفارق كبير عن المستهدف تحقيقه وهو 100 الف دونم سنويا؛ أخذا بعين الاعتبار أن هيئة تطهير الألغام الإسرائيلية بدأت عملها على الأرض في عام 2019، بإزالة حقول الألغام المضادة للدبابات في مرتفعات الجولان، التي تسيطر عليها إسرائيل منذ عام 1976 وكذلك استهدف الهيئة أصحاب المشاريع الزراعية و العمرانية على الاستثمار في مجال تطهير الأراضي من الألغام الحربية في بادىء الأمر الا أن نشاط الهيئة فى هذا الصدد قد تراجع بنسبة 64 % ما بين عامي 2019 و 2022 نتيجة ارتفاع كلفة التشغيل بحسب ما تدعيه الشركة الاسرائيلية وأكده حاييم راكوش عمدة المجلس الإسرائيلي البلدي لإدارة مرتفعات الجولان.
وتؤكد التقارير الصادرة عن وزارة الدفاع الإسرائيلية أنه تم تطهير 9000 دونم من الألغام الأرضية؛ برغم الاعتمادات الضعيفة التي يرصدها الكنيست سنويا؛ لهذا الغرض، والتي لا تتعدى 10 ملايين شيكل .