في عيد ميلاد شادية.. تعرف على سبب اعتزال دلوعة السينما المصرية
ما تزال شادية دلوعة السينما المصرية، ولم تصل مطربة بعد إلى إحساسها العالي، وروحها الحلوة، وخفة ظلها، ما جعل من شادية أيقونة للفن، تزداد شعبيتها كلما مر الزمن.
وفي عيد ميلاد شادية يستعرض “مستقبل وطن نيوز” جانب من مذكرات شادية التي تحدثت فيها عن لحظات اعتزالها، والتي نشرتها الكاتبة إيريس نظمي في مجلة "آخر ساعة":
تقول شادية في مذكراتها: إنه أصعب وأخطر قرار في حياة الفنان.. وهو لذلك يحتاج إلي شجاعة.. فالشجاع هو الذي ينسحب في الوقت المناسب.. يختفي وهو في قمة القوة والنجاح والمجد.. وقبل أن تنحسر من حوله الأضواء.. وقبل أن يبتعد عنه الجمهور.. وحتي لا يضطر هذا الجمهور أن يحيه ويصفق له بدافع الشفقة وليس بدافع الإعجاب.. والنجاح متعة يعرفها الناجحون.. والأضواء لها سحرها الذي يعرفه النجوم.
وتضيف شادية: لكن كل شيء لابد أن تكون له نهاية.. هذه هي إرادة الحياة.. نجوم تنطفئ.. ونجوم أخري تأخذ مكانها وتضيء الكون والحياة بنور الفن.. وجوه معروفة تختفي ووجوه أخري تبدأ نفس الرحلة.. والناس لن يظلوا طول العمر يصفقون لشخص واحد.. وعندما يعتزل الفنان فنه وجمهوره.. أو عندما يختفي من عالم الأحياء نسمع الذين يقولون لقد كان عظيما.. كان رائعا وإنسانا.. وأنه لن يتكرر.. وأن مكانه لن يملأه أحد.. وأنه.. وأنه.. وأنه..
وتستطرد شادية: نكتشف بعد أيام أو شهور قليلة أن هذا كله ليس إلا كلمات عاطفية وأن نجوما وأسماء أخري بدأت تظهر وتأخذ مكان الذين رحلوا.. بل ويبادلهم الجمهور حبه وإعجابه كما كان يفعل مع الراحلين.. هذه هي الحياة.. والإنسان ضيف عابر مهما طال بقاؤه فلابد أن يرحل في النهاية.
النجوم والخيول
وتوضح: أنا لا أحب أن يعامل النجوم مثل الخيول، عندما يكبرون نطلق عليهم الرصاص من شدة حبنا لهم وإشفاقنا عليهم، إنه الحب القاتل.. ولا أحب أن يعامل الفنانون مثل الموظفين الذين يجب أن يحالوا إلي المعاش في سن معينة حتي لو كانت طاقتهم لا تزال شابة متجددة.
وأحيانا يظل الفنان يفرز رحيق الفن حتي سن السبعين والثمانين، سبنسر تراسي مثلا أو شارلي شابلن أو يوسف وهبي أو عبد الوارث عسر لكن هذه حالات نادرة.
وتابعت شادية في مذكراتها: الذين يقدرون علي الاستمرار في تقديم فنهم ليسوا كثيرين.. ولابد أن يفاجئوا بذلك اليوم الذي يكتشفون فيه أن طاقتهم الفنية لم تعد كما كانت أيام الصبا والشباب وأن أنفاسهم تتلاحق بعد أقل مجهود وأن التجاعيد بدأت تغطي وجوههم وأن الإرهاق أصبح يطل من عيونهم.. وأن الجمهور نفسه لم يعد متحمسا لأدوارهم كما كان يحدث في الماضي.. والماضي يذهب ولا يعود، يتحول إلي ذكريات، نتذكرها لننسي بها الحاضر.. أو لنهرب بها من الحاضر.
والشجاع هو الذي يستطيع أن يتخذ القرار.. قرار الانسحاب من الشاشة أو من فوق خشبة المسرح.. ومن تحت الأضواء في الوقت المناسب وقبل أن يدخل مرحلة الوقت الضائع.. واللعب في الوقت الضائع.. بل والحياة في الوقت الضائع.. معناه الخطر والمفاجآت التي لا تكون سارة دائما.
وتعترف شادية: لا أستطيع أن أدعي هذه الشجاعة.. فأنا نفسي ما زلت حائرة أمام ذلك السؤال الذي وجهته إلي نفسي لأول مرة منذ أربع سنوات.. هل حان الوقت للاعتزال؟
هل جاءت الساعة التي سأقول فيها لكل شيء وداعا.. للشاشة.. والبلاتوهات.. والكاميرات.. وللجمهور أيضاً؟
هل أختفي بإرادتي قبل أن أضطر للتواري وسط كلمات الإشفاق والعطف؟.. أسئلة صعبة وأجوبتها أكثر صعوبة.
لا جديد.. لا جديد.. لا جديد..
من عدة سنوات اكتشفت أنني أكرر نفسي.. كل حفلة جديدة هي تكرار للحفلات السابقة.. وكلمات الأغاني متشابهة.. حتي الميكروفون الذي أغني أمامه لا يتغير.. ونفس الفرقة الموسيقية لا يحدث لها أي تجديد.. بل إن أعضاءها لا يغيرون حتي ترتيب جلوسهم.. حتي نفس الديكورات التي أقف في وسطها أثناء هذه الحفلات لا تتغير هي الأخرى أبدا.
لا جديد.. لا جديد.. وأعصابي لم تعد تتحمل ذلك كله.. والصبر كما يقولون له حدود.. ونفذت قراري الذي اتخذته.. لا عودة.. لا عودة.. فما الجديد الذي سأضيفه؟.
ومرت سنوات من العذاب فابتعاد الفنان عن فنه هو أقصي عقوبة لنفسه إنه.. إنه.. كمن يحكم علي نفسه فجأة بالإعدام.
إنني أشعر بالفزع كلما تخيلت بأني لم أقدم للناس شيئا.. لكن هذا الحب الذي أراه في أعينهم يعيد السكينة إلي قلبي.. إذن فقد استطعت أن أفعل شيئاً الآن.. الآن أستطيع أن أنام مستريحة الضمير.. راضية النفس.. فسعادتي في سعادة الآخرين.. وسأكون تعيسة يوم أن أعرف أني لم أنجح في إسعاد الناس.