إحياء ذكرى سليمان العطار.. ندوة ثقافية حول إرثه الفكري والإنساني بمعرض الكتاب
في إطار الفعاليات الثقافية المقامة في الدورة الـ56 لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، نظمت "قاعة الصالون الثقافي" ندوة بعنوان "سليمان العطار.. الفكر الإنساني والأدب"، وذلك ضمن "المحور الثاني" للفعاليات. شهدت الندوة مشاركة عدد من الأكاديميين والمفكرين، من بينهم الدكتور خيري دومة، والدكتور قحطان الفرج الله، والدكتور محمود الضبع، وأدار الجلسة الدكتور محمود عبد الغفار.
في بداية الندوة، أعرب الدكتور محمود عبد الغفار عن سعادته بالمشاركة في هذا اللقاء الذي يحتفي بشخصية عظيمة مثل الدكتور سليمان العطار. وأكد عبد الغفار أن العطار جمع بين الإنسانية والأكاديمية طوال حياته، مما كان له تأثير إيجابي على كل من تعامل معه. وأشار إلى أن العطار كان معروفًا بمواقفه الإنسانية النادرة، حيث كان لا يهتم بالمال، وكان يعامل الآخرين بحس عالٍ من الكرم والمبادرة الطيبة، مثل دفع أجور مرتفعة للسائقين ليرى السعادة على وجوههم.
العطار: الفيلسوف والمترجم وصديق الملك
من جانبه، تحدث الدكتور محمود الضبع عن تجربته الشخصية مع الدكتور سليمان العطار، معبرًا عن شعوره بالحظ لأنه عاشر شخصًا بهذه القيمة الفكرية. وأوضح الضبع أن العطار كان إنسانًا مسالمًا لم يخض أي صراعات، وهو ما جعله يترك إرثًا علميًا وإنسانيًا عظيماً. وتطرق الضبع إلى جوانب غير معروفة عن العطار، مثل صداقته مع الملك "خوان كارلوس"، والتي أدت إلى إهدائه مكتبته الخاصة. كما أشار إلى حرص العطار على جمع المفردات والتعبيرات في قرى البرتغال، ما مكنه من تقديم ترجمات دقيقة تُعبّر عن المعنى الحقيقي للنصوص وليس مجرد ترجمة حرفية.
وتحدث الضبع عن أبرز كتب العطار، مثل "مقدمة في تاريخ الأدب العربي"، الذي يتناول مفهوم "الشعرية الصحراوية". وأوضح أن العطار، رغم كونه خريجًا من كلية الزراعة، التحق فيما بعد بكلية الآداب وتخصص في اللغة العربية، مما مكّنه من الجمع بين البحث العلمي والإنسانيات، وبالتالي ترك بصمة واضحة في العديد من المجالات.
فلسفة سليمان العطار وتأثره بالإمام الغزالي
كما تطرق الضبع إلى الفلسفة الفكرية للعطار، مشيرًا إلى تأثره العميق بالفكر الغزالي، الذي انعكس في رؤيته للعالم والإنسان. كان العطار يؤمن بأن "جحيم الإنسان الحقيقي يكمن في عقله"، وأن "عالم الموت يسكن داخل الفكر البشري". كما تحدث الضبع عن تأثير العطار الإنساني، حيث كان الشخص الوحيد الذي تمكن من إخراجه من عزلة فكرية طويلة.
أما الدكتور خيري دومة، فقد أشار إلى صعوبة الحديث عن شخصية مثل الدكتور سليمان العطار نظرًا لتعدد جوانبها الموسوعية. وتحدث دومة عن تجربته كأحد طلاب العطار، مشيدًا بقدرة العطار على التدريس بأسلوب فريد، خاصة في مادة "مقدمة ابن خلدون". وذكر دومة أن العطار كان يفتح آفاقًا واسعة لتأملات طلابه، بل كان عابرًا للتخصصات، مما جعله واحدًا من أهم أساتذة قسم اللغة العربية. كما أضاف أنه، رغم التزام العطار بالأصول الأكاديمية، كان يتجاوز الحدود التقليدية في الدراسة، ما انعكس على أسلوبه الفريد في تقديم رؤاه الفكرية.
الحزن على فقدان العطار: ذكريات من حياة موسوعية
من جهته، عبر الدكتور قحطان الفرج الله عن مشاعر متناقضة بين الحزن والسعادة أثناء حديثه عن أستاذه سليمان العطار. وأشار إلى الخسارة الكبيرة التي يمثلها رحيله، مؤكدًا أن العطار كان نموذجًا نادرًا للإنسان الموسوعي الذي فرق بين الفكر ومصادره. وذكر العديد من المواقف الإنسانية التي جمعته بالعطار، مثل حرصه الدائم على شراء الصحف، حيث كان يقول: "يجب أن نشتري الصحف حتى لا تنقرض هذه المهنة".
وفي ختام حديثه، أضاف الدكتور الفرج الله أنه قام بجمع جميع كتابات الدكتور سليمان العطار على وسائل التواصل الاجتماعي نظرًا للقيمة الفكرية والإنسانية العميقة التي تتمتع بها. وأكد الفرج الله على فخره الكبير بأنه كان أحد طلاب العطار، مشيدًا بإسهاماته الفكرية التي ستظل تضيء الطريق للأجيال القادمة.