فائض سعة مصافي التكرير ينقذ روسيا من وطأة الهجمات الأوكرانية
شنت طائرات بدون طيار أوكرانية غارات جوية على منشآت تُشكل ما يفوق عُشر سعة تكرير النفط في روسيا، لكن الانخفاض الفعلي في معالجة النفط الخام قد يكون نصف هذا الحجم فقط، نظراً لأن قطاع التكرير والتسويق بالبلاد يمكن أن يستفيد من القدرة غير المستغلة حالياً في المنظومة.
تشير التوقعات إلى انخفاض أحجام المعالجة الأساسية للخام في روسيا بما يتراوح ما بين 300 إلى 400 ألف برميل يومياً نتيجة للموجة الأخيرة من هجمات الطائرات بدون طيار الأوكرانية، لتسجل متوسط إنتاج من 5 ملايين إلى 5.2 مليون برميل يومياً، بحسب محللين شملهم استطلاع رأي "بلومبرج".
ينتظر إن يصل هذا الحجم من التخفيض بمعدل تكرير النفط في البلاد إلى مستويات لم تُشاهد منذ ربيع 2022، عندما تجنب العديد من المشترين المنتجات البترولية الروسية في أعقاب غزو أوكرانيا.
مع العام الثالث من الغزو الروسي لأوكرانيا، تستخدم كييف طائرات بدون طيار لاستهداف القطاع الرئيسي لعدوها، بهدف كبح إمدادات الوقود إلى خطوط القتال الأمامية ووقف دخول عائدات البترول الدولارية لخزائن الكرملين.
استهدفت الهجمات هذا العام 13 من مصافي تكرير كبرى ومحطتين أصغر حجماً، ما أخرج ما بين 480 ألفاً و900 ألف برميل يومياً من سعة المعالجة من الخدمة في الوقت الراهن، وفق استطلاع الرأي.
قال سيرغي كوندراتييف، رئيس القسم الاقتصادي في معهد الطاقة والتمويل، الذي يقع مقره في موسكو: "ربما لا يتضح حجم التأثير على تشغيل المصفاة جراء الاستخدام الإضافي للوحدات الرئيسية العاملة حالياً".
في الشهور الأخيرة، كانت وحدات معالجة النفط الخام الروسية تعمل بنحو 75% إلى 80% من سعتها الأسمية، بحسب تقديرات "كوندراتييف"، الذي أضاف أن الغارات الجوية لم تلحق الضرر على ما يبدو بأي وحدات تكرير ثانوية أو منشآت تتسلم مواد وسيطة من وحدات الخام وتعالجها بصورة أكبر.
كان يتوقع أن تعالج روسيا 275 مليون طن من الخام العام الحالي، أي أقل كثيراً من إجمالي سعة المعالجة السنوية المقدرة بـ312 مليون طن مع نهاية السنة الماضية، بحسب صوفيا مانغيليفا، محللة شركة "ياكوف أند بارتنرز" للخدمات الاستشارية ويقع مقرها موسكو. يعني هذا أن البلاد يمكنها تعويض الخسائر الناجمة عن الهجمات وضمان صادرات بما يكفي من المنتجات البترولية.
تراجع الإنتاج
عالجت مصافي التكرير الروسية 5.03 مليون برميل يومياً من الخام خلال المدة من 14 إلى 20 مارس الجاري بعد موجة هجمات، بحسب شخص على دراية ببيانات القطاع. يقل هذا بـ400 ألف برميل يومياً مقارنة بأول 13 يوماً من الشهر الجاري. لكن يرجع ربع الانخفاض تقريباً لأعمال الصيانة المزمعة في مصفاة في موسكو بدأت في وقت سابق من الأسبوع الماضي.
عانت سوق النفط العالمية من نقص الإمدادات مع تقييد المنظمة المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها للمعروض، ومن بينها روسيا. شكلت أيضاً اضطرابات أعمال الشحن في البحر الأحمر والبيانات الاقتصادية الأفضل من المتوقع من الصين عوامل تسهم في صعود الأسعار.
زادت أسعار النفطالعالمية بحوالي 11% خلال 2024، في حين تجاوزت أسعار البنزين والديزل في أوروبا الزيادة في سعر النفط الخام إلى حد الآن من السنة الحالية.
الأولوية للسوق المحلية
يدقق مراقبو سوق النفط في تشغيل المصافي في روسيا -واحدة من أكبر 3 بلدان منتجة للنفط حول العالم- لفهم مدى التأثير المحتمل للهجمات الأخيرة بالطائرات بدون طيار على شحنات التصدير للخارج من المعتاد أن تجعل الحكومة في موسكو الأولوية لإمدادات الوقود المحلية على حساب الصادرات لتفادي شح المعروض، خشية حدوث احتجاجات وزيادة معدل التضخم. حظرت موسكو صادرات البنزين بداية من الأول من مارس لمدة 6 شهور.
قال وزير الطاقة الروسي نيكولاي شولغينوف في وقت سابق من الأسبوع الماضي، إنه لتفادي أي نقص في الإمدادات، تناقش وزارة الطاقة تغييرات محتملة بجدول صيانة فصل الربيع لمصافي التكرير بالبلاد، علاوة على إمكانية زيادة إنتاج الوقود في المنشآت التي تعمل في الوقت الحالي.
ناقش نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك الموقف مع شركات إنتاج النفط أمس، وأصدر تعليماته بالتعاون مع السكك الحديدية الروسية لضمان إمدادات المنتجات النفطية "دون انقطاع"، وكذلك تدفقات الخام إلى المصافي بحسب الخطة الموضوع وارتفاع الطلب الموسمي.
انخفاض الصادرات
قبل وقوع الهجمات الأخيرة، خططت روسيا لتصدير 644 ألف برميل يومياً من الديزل الشهر الحالي عبر موانئ البلطيق والبحر الأسود الرئيسية، بحسب بيانات القطاع التي اطلعت عليها "بلومبرغ". ويتوقع ميخائيل توروكالوف، وهو محلل نفط مستقل يقيم في الولايات المتحدة الأميركية، أن تهبط شحنات التصدير بنسبة تتراوح من 20% إلى 30% تقريباً في أبريل المقبل.
تابع "توروكالوف": "لا يعود السبب في ذلك فقط للهجمات على المصافي ولكن أيضاً لبدء أعمال صيانة فصل الربيع ورغبة السلطات التنظيمية لإشباع السوق المحلية بما تحتاجه من الديزل".
خلال النصف الأول من مارس الجاري، استقرت إمدادات الديزل المحلية في روسيا عند 1.1 مليون برميل يومياً تقريباً، بحسب بيانات القطاع التي اطلعت عليها "بلومبرغ". وكشفت البيانات أن الصادرات انخفضت إلى ما يفوق بقليل 600 ألف برميل يومياً بالمقارنة بـ675 ألف برميل يومياً فبراير الماضي.
أشار سيرغي فاكولينكو، الباحث بمؤسسة كارينغي للسلام الدولي في برلين، والذي قضى 10 سنوات مديراً تنفيذياً في شركة روسية منتجة للنفط، إلى أن التقديرات المبدئية تشير إلى أن هجمات الطائرات بدون طيار ربما تقلص إنتاج الديزل الروسي من 6% إلى 8%، مع تأثير ذلك على حجم تدفقات الصادرات للخارج. وقدر أن شحنات تصدير الديزل وزيت الوقود للخارج يمكن أن تهبط بما يتراوح من 120 ألف برميل إلى 150 ألف برميل يومياً لكل منهما على حدة. يتوقع "كوندراتييف" من معهد الطاقة والتمويل تراجع صادرات الديزل بما يتراوح من 70 ألفاً إلى 100 ألف برميل يومياً.
تصدير النفط الخام
صرح النائب الأول لوزير الطاقة بافيل سوروكين لوسائل إعلام روسية في وقت سابق من الشهر الجاري بأن تراجع معدلات التكرير في روسيا ربما يسفر عن توجيه المزيد من النفط الخام للتصدير.
تتوقع شركة "كبلر" (Kpler) أن تعزز البلاد تدفقات الخام اليومية المنقولة بحراً بمقدار يتراوح من 200 ألف إلى 250 ألف برميل لتبلغ من 3.7 مليون إلى 3.8 مليون برميل. وتشير تقديرات فاكولينكو و"ياكوف أند بارترنز"، وشركة "فاكتس غلوبال إنرجي" للاستشارات إلى أن هذه الزيادة تقترب من 600 ألف برميل يومياً، في حال قررت روسيا توجيه كافة النفط الخام الذي لا تستطيع معالجته للأسواق بالخارج.
ذكرت "فاكتس غلوبال إنرجي" في تقرير بوقت سابق من الأسبوع الماضي أن بيع هذه الكميات خلال مدة وجيزة "لن يكون أمراً سهلاً، وسيتطلب على الأرجح خصماً كبيراً"، لا سيما وأن جهود تشديد إنفاذ العقوبات على روسيا ربما تحد بالفعل من جاذبية النفط الروسي في الأسواق الدولية.