نقاد: الساحة الغنائية تعاني التكرار وأغاني المهرجانات أحدثت هزة وسمحت بالتنوع
أكد عدد من النقاد والباحثين والمهتمين بالموسيقى والغناء، أن ما يتم تقديمه في مجال الموسيقى والغناء يرتبط بشكل كبير بالواقع ومتطلبات السوق من أجل الاستمرار، وأن الساحة الغنائية تعاني التكرار، مشيرين إلى أن عددا كبيرا من الفرق الغنائية التي كانت تشتبك مع الواقع وأن الأغنية الشعبية تختلف كل فترة زمنية تأثرا بالمجتمع، وأن ما يعرف بـ "أغاني المهرجانات" سمحت بالتنوع.
وقال الناقد الموسيقي محمد شميس -خلال الندوة التي أقيمت مساء اليوم الأحد، بقاعة الصالون الثقافي، ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الرابعة والخمسين- :"إنه لا يهتم بالتحليل النغمي، بقدر ما يحاول ربط الأغاني بالواقع الاجتماعي ".
وأضاف شميس:"أن 99 في المائة من الأغاني المنتشرة على الساحة تتناول موضوعات الهجر والفراق وعلاقة الحبيب بالحبيبة، وهذه الموضوعات على أهميتها لا يجب أن تستحوذ على المشهد الغنائي"، لافتا إلى أن ظهور ما يعرف بـ "أغاني المهرجانات"، وتصدرها للمشهد الغنائي على المنصات الإلكترونية، أحدث هزة كبيرة، وبالتالي أصبح هناك توجه لدى صناع الموسيقى في تجديد روح الأغنية لتكون موضوعاتها أقرب إلى الشارع.
وأشار إلى أن العديد من الفرق الغنائية التي كانت تشتبك مع الواقع مثل فرقة "كايروكي" التي كانت تناقش الوضع الاجتماعي والسياسي عبر أغانيها، نلمس في ألبومها الأخير غياب هذا التوجه، واتجاه الفرقة إلى الغناء عن الأحلام.
ومن جانبه، أوضح الباحث في تاريخ الأغنية شريف حسن، أن الأغنية الشعبية تختلف كل فترة زمنية تأثرا بالمجتمع، وبالبيئة الخارجية، وخاصة الفترة التالية للفنان أحمد عدوية، نلمس فيها تغيرات واضحة بحسب المكان والزمن.
وعقد شريف حسن، مقارنة بين الأغنية العاطفية والشعبية قائلا:"إن هناك فجوة بين هذين النوعين من الأغاني، وتلك الفجوة ظهرت بعدما قدم عبد الحليم حافظ الأغنية بشكل قوي عاطفيا، وكأنه أسس لاتجاه عاطفي جديد، وفي المقابل للعندليب، نجد ظهور الفنان محمد رشدي بالتعاون مع الأبنودي لتقديم اللون الشعبي".
وأكد شريف حسن أن أداء الفنان يحدد نوع الأغنية، فمثلا غناء عبدالحليم حافظ لأغنية ما فإن أداؤه يتميز بأنه عاطفي ومختلف عما إذا غناها أحمد عدوية، لأن الأخير يصبغها بالطابع الشعبي، قائلا: "كل فنان شعبي له بصمة مختلفة ومميزة في الأداء، على العكس من المطرب العاطفي الذي قد يتشابه أدائه مع غيره من الفنانين"، مشيرًا إلى ندرة الصوت النسائي في الأغنية الشعبية.
وتحدثت الباحثة الموسيقية مي عامر، عن بحث رسالة الدكتوراه الذي قدمته حول ظاهرة أغاني المهرجانات منذ بدايتها، وكيف تحولت من مهاجمتها إلى التصالح معها، وقالت:"تناولت الظاهرة من بدايتها، وأسباب حدوثها، لكننا لا نستطيع تحديد متى ظهر أول مهرجان تحديدا".
ورأت مي عامر، أن المهرجانات ما هي إلا محاولات لمزج الراب الأمريكي بالموسيقى الشرقية المقسومة، مضيفة: "قبل ظهور المهرجانات كانت هناك تجارب مصرية في غناء الراب على يد الفنان أحمد مكي، وإحدى الفرق، لكنها محاولات لم تستمر لأنها أولا وأخيرا لا تشبه المجتمع المصري، ومن هنا يمكننا رصد أسباب نجاح أغاني المهرجانات في كونها لم تقلد الأمريكان، بل قامت على دمج المقسوم مع الراب في تجربة جديدة تعبر عن موضوعات تهم المجتمع المصري.
وأشارت مي عامر إلى ظهور هذه التجارب في ظل سوق غنائي يعاني حالة من التكرار بداية من الفنان عمرو دياب الذي لا يجدد نفسه على مستوى الأغنية واللحن، على حد قولها، ولهذا وجد المجتمع في المهرجانات نوع من التجديد، وموضوعات تعبر عنهم".
ولفتت إلى أن هناك تحولا حدث مؤخرا في أغاني المهرجانات التي صارت تخسر الكثير من سماتها الأصلية في سبيل مزيد من الانتشار.
ومن جهته، قال المؤلف الموسيقي أحمد يونس، إن العديد من الفنانين استهلوا مشوارهم الفني بشكل حر في تقديم اللون الموسيقي الخاص بهم، لكن معايير السوق تفرض عليهم التكرار.
وأرجع يونس، أسباب ذلك إلى عدم وجود مساحات كافية تسمح بالتنوع، بداية من عدد المسارح، أو مزاج الجمهور ومتطلبات السوق، مضيفا:" في النهاية يضطر الفنان الذي ليس لديه أي مصادر أخرى للرزق غير الموسيقى، إلى تقديم تنازلات للتماشي مع متطلبات السوق، من أجل الاستمرار"، مشيرا إلى أنه لا ينبغي إلقاء اللوم على من يسلك هذا الاتجاه.
وأشار إلى سفره إلى فرنسا، وصدمته باتساع السوق الغنائي الذي يسمح بالتعدد:"ما صدمني أثناء زيارتي إلى فرنسا هو وجود مساحات مختلفة تسمح بتعدد الأنواع الموسيقية، ونأمل أن يكون في مصر شكل للصناعة يسمح بالتنوع، ويعطي الفنان المساحة للتحرك بحرية حسب توجهاته وليس بحسب متطلبات السوق".