محاكمة مؤسس «نيكولا» في نيويورك لتقديمه بيانات مضللة للمستثمرين
روّج تريفور ميلتون بين أوساط المستثمرين فكرة مفادها أن شركته تمكّنت من تصنيع شاحنة المستقبل، والآن سيتعين عليه إقناع هيئة محلّفين بأن اتهامه بالأكاذيب لا سند مادياً له.
بعد عامين من استقالته المفاجئة من مجلس إدارة الشركة التي أنشأها "نيكولا" (.Nikola Corp)، من المقرر أن يُحاكَم ميلتون في نيويورك بتهم الاحتيال في الأوراق المالية وعبر الإنترنت، إذ يواجه عقوبة بالسجن تصل إلى 25 عاماً في الحد الأقصى حال إدانته بارتكاب أخطر جريمة.
ميلتون، البالغ من العمر 40 عاماً، الذي أسس نيكولا في عام 2014، بنى الشركة الناشئة بقيمة 34 مليار دولار في يونيو عام 2020، أي ما يتجاوز قيمة شركة "فورد" في وقت ما.
جاء هذا الصعود الفلكي، على الرغم من عدم تحقيق إيرادات في ذلك الوقت، مدعوماً من قِبل المستثمرين في ذروة الهوس بشركات الشيك على بياض التي كانت ترى في الشركة أنها "تسلا" المقبلة.
قال إدوارد إمبيراتور، المحامي في "موريسون فويريستر" (Morrison Foerster) والمدعي العام السابق في مجال الاحتيال بالأوراق المالية الفيدرالية في نيويورك: "تتضمن محاكمة ميلتون إضافة نظرية تقليدية للأوراق المالية والاحتيال الإلكتروني، تفيد بأن المدعى عليه قدم بيانات مضللة للمستثمرين تهدف إلى حثهم على الاستثمار، إلى خلفية واقعية جديدة، تتمثل في صفقة "دي-سبك".
هوس الشيك على بياض
إلى جانب أسهم الميم والعملات المشفرة، كانت شركات الشيك على بياض سمة مميزة للسوق المدعومة بالتحفيز خلال فترة الوباء، التي بدأت في عام 2020، إذ شدّد "الاحتياطي الفيدرالي" السياسة النقدية بسرعة لتهدئة التضخم المرتفع. كما أدى التدقيق المتزايد من جانب الجهات التنظيمية الأميركية إلى انحسار الهوس بشركات الشيك على بياض.
يخطط المدّعون العموم في أميركا للقول بأن الرجل من ولاية يوتاه حثّ مستثمري التجزئة على شراء أسهم "نيكولا"، معتمداً في ذلك على تقديم بيانات مُضلّلة حول منتجات الشركة وقدراتها. من المحتمل أن يركّز محامو ميلتون في دفاعهم على النصيحة التي اعتمد عليها من محامي الشركة ومديريها التنفيذيين، قائلين إنّ هذا هو الإطار الذي حدد ما قاله للمساهمين ولم يكن لديه نية للاحتيال على أي شخص.
قال كينيث كاروزو، محامي ميلتون، خلال مؤتمر قبل المحاكمة الأسبوع الماضي: "لقد تقاسموا المسؤولية مع ميلتون في ما يتعلق بدقة التواصل مع المستثمرين".
استشارة المحاكمة
رفض قاضي المحكمة الجزئية الأميركية إدغاردو راموس الأسبوع الماضي طلب ميلتون لاستخدامه في استشارة المحاكمة التي قدمها برايتون وورتن، بصفته المستشار العام لـ"نيكولا"، للموظفين الآخرين، والتي كانت تهدف إلى تعزيز الدفاع عنه. لكنه سيكون قادراً على الاستعانة بالاتصالات بينه وبين وورتن لدحض مزاعم المدعين بأنه أدلى بتصريحات علنية اتضح أنها مضللة وكاذبة.
أشار محامو ميلتون إلى أدلة تدعم هذه الحجة، بما في ذلك سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني بين المديرين التنفيذيين في "نيكولا" ومؤسس الشركة بشأن تسجيل صوتي "بودكاست" وصفه المدّعون بأنه ضلّل المستثمرين، ويقولون إنه يُظهِر أن تصريحاته قد جرت الموافقة عليها من قِبل الفريق القانوني للشركة.
كانت الأسبقية لشركة "نيكولا"، ومقرها في "فينيكس"، من حيث إطلاق نمط الشيك على بياض بين صانعي السيارات الكهربائية في يونيو 2020، أي قبل ثلاثة أشهُر من تنحي ميلتون عن منصب رئيس مجلس الإدارة، من خلال الدمج مع شركة "فيكتول كيو" (VectoIQ) للاستحواذ على بياض.
جاءت استقالة ميلتون في أعقاب تقرير من شركة أبحاث البيع على المكشوف "هيندنبرغ ريسيرش" (Hindenburg Research) ادعى أن شركة "نيكولا" خدعت المستثمرين بجعل المنتجات غير النشطة تبدو كأنها تعمل بكامل طاقتها، وعرض التقرير مقاطع فيديو مضلّلة.
تراجعت أسهم "نيكولا" بعد صدور التقرير، الأمر الذي حفز أيضاً تحقيقات وزارة العدل الأميركية ولجنة الأوراق المالية والبورصات. أغلقت أسهم "نيكولا" عند 5.42 دولار يوم الجمعة الماضي، ما جعل تقدير قيمة الشركة بـ2.3 مليار دولار.
جريمة متعمدة
وصف ميلتون التقرير بأنه "جريمة متعمّدة"، ودفعت "نيكولا" مزاعم تقرير "هيندنبورغ" بالقول إنه بالغ في قدرات بعض شاحناتها التجريبية الأولى، وإنه قلّل من قدرتها على إنتاج الهيدروجين لشاحناتها التي تعمل بخلايا الوقود. وقد استقال ميلتون، قائلاً: "يجب أن يكون التركيز على الشركة".
حتى لو تمكن المدّعون من إقناع المحلفين بأن ميلتون كذب على المساهمين، لإثبات أنه ارتكب عملية احتيال في الأوراق المالية، فسيتعين عليهم أيضاً إثبات أن الأكاذيب كانت جوهرية لمستثمر واعٍ، أو ذات أهمية أساسية لمساعدته في قرار الاستثمار.
قال إمبيراتور: "ليس من الكافي أن يظهر الادعاء أن تصريحات ميلتون كاذبة. وبدلاً من ذلك، يتحمل الادعاء مسؤولية إثبات أن سلوك ميلتون كان متعمداً، وبعبارة أخرى أن ميلتون كان على دراية بعدم المشروعية العامة لسلوكه. يجب أن يثبت الادعاء أيضاً أن تصريحات ميلتون كانت مهمة لمستثمر واعٍ في اتخاذ قرارات الاستثمار ".
دون التوقعات
تعتبر شركة "نيكولا" نفسها رائدة في مجال المركبات الثقيلة ذات الطاقة النظيفة وإمكانيات عالية لشاحنات خالية من الانبعاثات، وهو القطاع الذي يشمل شركة طموحة أخرى، مثل "تسلا"، وشركات ذات باع طويل مثل "فولفو".
تمكّنت الشركة من تصنيع 50 بطارية من أشباه الموصلات تعمل بالكهرباء خلال الربع الثاني، وسلّمت 48 بطارية إلى التجار، لكنها لم تحقق توقعاتها الخاصة.
بدأت المحاكمة أمام القاضي راموس يوم الاثنين بقضاء يوم كامل تقريباً في اختيار هيئة المحلفين. وبدأت المرافعات يوم الثلاثاء، ومن المتوقع أن تستمر المحاكمة بين 4 إلى 5 أسابيع، وستتضمن شهادة من خبراء من كلا الجانبين بالإضافة إلى موظفي "نيكولا"، بما في ذلك المهندسون الذين عملوا على نماذج أولية، ومساهمو الشركة.
جرى إعفاء اثنين من المحلّفين على الأقل من الحضور يوم الاثنين بعد أن قالا إنهما يمتلكان أسهماً في "نيكولا".
توتر العلاقة مع الشركة
توترت علاقة ميلتون مع الشركة التي أسسها منذ تنحيه عن منصبه. وجرى نزاع بشأن ما إذا كانت المستندات ذات أفضلية، وعارض ميلتون، وهو أكبر مساهم في الشركة بحصة تزيد على 12% من الأسهم، إجراء الشركة هذا العام لإصدار أسهم جديدة، إذ كانت قد جرت الموافقة على الإجراء من قِبل المساهمين.
بدأت "نيكولا" سداد مدفوعات تسوية مدنية بقيمة 125 مليون دولار مع لجنة الأوراق المالية والبورصات في فبراير الماضي. وقالت الشركة إنها ستسعى للحصول على تعويض من ميلتون عن تلك التكاليف، على الرغم من استمرارها في تغطية أتعاب المحاماة الخاصة به.
القضية مسجّلة في المحكمة الجزئية بالولايات المتحدة، دائرة المحكمة الجزئية الجنوبية في نيويورك (مانهاتن)، تحت الاسم "أميركا أمام ميلتون" بالرقم 21cr-478.