حكم كرة قدم وتعمل «طيار دليفري».. قصة فتاة إسكندرانية اقتحمت عالم الرجال
بإصرار وعناد وقوة شديدة لا تتناسب مع أنوثتها تجوب بدراجتها النارية أحياء وشوارع عروس البحر الأبيض المتوسط من "أبو قير" إلى "رأس التين"، لمدة 12 ساعة يوميًا، تتحدى إسراء محمد، ابنة منطقة شوتس قسوة طقس الإسكندرية، وبرد وأمطار مدينتها الرعدية، ورياحها الشتوية من أجل تحقيق ذاتها، وتوفير لقمة العيش بكل شرف ونزاهة.
إسراء محمد ابنة الـ27 عامًا، نموذج للفتاة المثابرة المكافحة، التي تحاول خلق مكانة مميزة لها بسوق العمل، غير مهتمة بطبيعته طالما كان شريفًا، فهي أول فتاة إسكندرانية تعمل بمهنة طيار دليفري.
إسراء محمد أول "طيار دليفري" في الإسكندرية
تقول إسراء محمد في حديثها إلى "مستقبل وطن نيوز": " قبل عام 2019 شكل الحياة معي كان مختلف تمامًا على جميع الأصعدة والمستويات"، فلم تكن مهنة "الطيار دليفري" هي وظيفتي، والبقاء في شوارع الإسكندرية لأكثر من 12 ساعة يوميًا هو حالي.
قبل تفشي "فيروس كورونا" عالميًا، وظهوره في مصر مع نهاية شهر فبراير2019، كانت إسراء محمد تعمل كمساعد "شيف" على حد قولها، مشيرة إلى أن تلك المهنة كانت تحبها، وتتناسب مع طبيعتها كفتاة، والأمور تسير بشكل طبيعي، وتزداد يومًا بعد يوم شهرتها هي و "الشيف" الذي تعمل معه، حتى أن هناك بعض الأيام كانوا يرفضون بعض الطلبات من كثرة الحجوزات الأسبوعية التي كانت لديهما.
"كورونا" السبب الرئيسي في امتهان إسراء لعمل "الطيار الدليفري"
وأضافت أول "طيار دليفري" في الإسكندرية، أن الحال انقلب من النقيض للنقيض بعد انتشار "فيروس كورونا" في مصر، فالناس بدأت تخشى شراء أي أطعمة من الخارج، أو استقبال أي شخص غريب بمنازلهم، وبالتالي انخفض الطلب على الوجبات الجاهزة التي كانوا يعدونها، لدرجة أنها انعدمت تمامًا، ويفسد الطعام الموجود في الثلاجة، مما كان يعرضهم لخسارة مادية.
تدهور الوضع الاقتصادي في ظل انتشار فيروس كورونا، كان دافع أساسي ورئيسي للفتاة السكندرية للبحث عن فرصة عمل جديدة، ومختلفة تتناسب مع الأوضاع الصحية والاقتصادية التي يمر بها العالم في ذلك التوقيت.
لم تجد إسراء كما أوضحت غير مهنة "طيار دليفري"، همزة الوصل الرئيسية بين المستهلك والتاجر، خاصة وأن حجم التجارة الإلكترونية شهد حالة انتعاش عالمي ضخمة حينها.
وتابعت أول فتاة "طيار دليفري" فى الإسكندرية قائلة: "أنا من هواة قيادة الدرجات النارية، وكان عندي دراجة أستخدمها كوسيلة مواصلات، وفي بعض الأحيان كنت أعمل بها على فترات متقطعة لتوصيل الطلبات لبعض المعارف والأصدقاء"، فذات مرة استوقفت "طيار دليفري"، وسألته: ماذا أفعل حتى استطيع أن أعمل مثلك؟.
احترفت تحكيم كرة القدم النسائية بعدما لعبت في "الترام" و"سموحة"
تتذكر إسراء محمد عندما ذهبت لمكتب متعاقد مع أحد التطبيقات العالمية الكبرى المسؤول عن تقديم خدمة توصيل الوجبات الجاهزة مع أغلب مطاعم الإسكندرية، أن صاحب المكتب تعجب في البداية من طلبها للعمل، كون أن تلك المهنة شاقة، وبها الكثير من المتاعب، ولا تناسب الفتيات.
وأشارت الفتاة السكندرية، إلى أن صاحب المكتب أمام إصرارها وافق على عملها، ومن هنا بدأت إسراء رحلتها مع عالم "الدليفري"، وأصبحت أشهر وأول فتاة في المجتمع السكندري يعمل بهذه المهنة.
إسراء محمد متعددة المواهب والمهارات، بجانب عملها "طيار دليفري"، هي أيضًا حكم كرة قدم نسائية، وتحكم في مباريات الدرجة الأولى والممتاز، فتقول: "والدي رحمة الله عليه كان يعاملني في التربية على أني ولد ولست فتاة، فمنذ صغر سني وأنا اعتمد على نفسي، وأعمل، حتى الرياضة التي أحببتها كانت لعبة يعشقها الرجال أكثر من النساء، وهي كرة القدم".
لعبت ابنة منطقة شوتس بالإسكندرية، كرة القدم النسائية في ناديي الترام وسموحة، ومركز شباب القباري، واحترفت اللعبة وأحبتها، لدرجة أنها حصلت على دورات تدريبية في التحكيم، لتبدأ مسيرة مهنية رياضية أخرى في مجال تحكيم كرة القدم النسائية.
ترفض العودة للبيت مهما كانت ظروف الطقس
في بعض الأحيان، خاصة مع اشتداد نواة الإسكندرية في الشتاء، يرق قلب المشرفين على إسراء في عملها بتطبيق التوصيل التي تعمل به، ويطلبون منها أن تغلق التطبيق، وتعود لمنزلها، تحتمي بين جدرانه من برد الليل القارص، ترفض إسراء محمد طلب مشرفيها، وتقول لهم: "أنا قدها، لازال الشيفت متبقي به عددًا من الساعات".
عمل إسراء محمد في هذه الظروف القاسية، محفز لكثير من الرجال الذين يعملون في نفس مهنتها، فكثيراً منهم يقولون لها: "إحنا بليل كنا عائدين لبيوتنا، ووجدنا أنك حتى الساعة 12 ليلاً تعملين في هذا الطقس الصعب، فخجلنا من أنفسنا كرجال، وقررنا أن نكمل العمل مثلك".
أول فتاة "طيار دليفري" في الإسكندرية، لم تكن محفزة فقط للرجال، فأيضًا أصبحت ملهمة لكثير من بنات الإسكندرية، فاليوم هناك 3 فتيات أخريات يعملن بنفس الوظيفة، بعدما عرفن بقصة إسراء محمد، وشاهدوها كثيرًا على كورنيش الإسكندرية تقطعه طولاً وعرضاً حتى تصل الطلبات للزبائن في مواعدها المحددة.
والدتها تخشى عليها من حوادث "الموتوسيكل".. وإسراء ترفض العمل بمؤهلها
العقبات التي تقابل ابنة حي شوتس ليست بـ"الصعبة" على حد وصفها، فجميعها تنحصر في عدم وجود طالب "الأوردر" بعد الوصول إليه، رفض المطعم إعادة طلب العميل اعترض علي شيئًا فيه، ورفض استلامه، وهكذا.
أسرة إسراء محمد فخورة بها، وبقصة كفاحها، لكن والدتها تخشى عليها من المضايقات، أو الحوادث، خاصة وأنها تقود دراجة نارية الأكثر عرضة للحوادث مع شوارع الإسكندرية الغارقة في المياه طوال الشتاء.
الفتاة السكندرية، حلمها أن تكون في يوم من الأيام صاحبة عمل خاص، لكن حلمها القريب هو أن تترقى في وظيفتها التي تعشقها، ورفضت فرص توظيف أخرى أكثر راحة، وتناسب مؤهلها دبلوم تجارة فوق متوسط.
تحلم بزوج لا يخجل من عملها
إسراء محمد كأي فتاة تحلم بفارس الأحلام الذي يأتي ليخطف قلبها، ويكونا بيتًا مشيدا بالحب والسعادة، لكن ليس أي إنسان يمكن أن توافق عليه ابنة شوتس، فلها شروط، أولها أن يقبل بها هكذا، ولا يطلب منها تغيير مهنتها، أو على الأقل لا يجد فيما تفعله ما يخجل منه، وأن يتركها تمارس هوايتها قبل أن تكون مهنتها في تحكيم كرة القدم، عين الفتاة السكندرية كما تقول: "ليس على المال، لكن تريد رجل حقيقي، يتحمل المسؤولية، يكون عنده استعداد أن يحفر في الصخر من أجل تحقيق أحلامه".
كفاح وصبر إسراء محمد الذي تعلمته في مهنة "طيار الدليفري"، كان السبب في أن تتواصل معها إدارة تطبيق توصيل الطلبات الشهير الذي تعمل به، ليطلبوا منها أن تنضم مباشرة لهم، بدون العمل من خلال المكتب الوسيط، وهذا يعني أن الأجر سوف يزيد، بدلاً ما كانت تحصل في "الطلب" الواحد على 10 جنيهات، الآن سوف تحصل على 15 جنيها، وفي المواسم والأعياد يصل أجر الطلب إلى 25 جنيها.