من حي الشعراء والمشاهير لجنازة عسكرية مهيبة.. حكاية المرأة الحديدية جيهان السادات
في حي الروضة الهادئ بمنطقة المنيل، المطل على نيل القاهرة، حي الشعراء والمشاهير، والطبقة الوسطى العليا من أهل القاهرة، ولدت فتاة تجمع ما بين جمال الشكل الإنجليزي، والروح المصرية خفيفة الظل، المُحبة لللحياة يوم 29 أغسطس 1933.
الفتاة - الذي تمر اليوم الأحد ذكرى ميلادها - لأب مصري وأم إنجليزية، أسمها جيهان صفوت رؤوف، كما عرفت في شارع الروضة، لم يخطر في بال أهل الحي أو أسرة جيهان نفسها، أن ابنتهم التي يأتي ترتيبها الثالث بين إخوتها سيتغير اسمها يوماً ما، ويلقبها المصريين بـ"جيهان السادات".
السيدة الأولى، هذا اللقب لم يكن من أحلام الفتاة بنت الـ11 عاماً، والتي تدرس بمدرسة الجيزة الثانوية، حتى عندما تزوجت ضابط الجيش المفصول من القوات المسلحة المصرية بأمر الإنجليز لعمله الوطني محمد أنور السادات، كان أقصى أحلامها أن تسكن في عقار به أسانسير، ويحصل زوجها على عمل مستقر.
الأقدار كان لها رأي آخر في حياة جيهان السادات، بداية من تحولها من سيدة عادية لزوجة رجل أصبح ما بين يوم وليلة، أحد كبار الضباط الأحرار، وقادة ثورة يوليو 1952.
أنور السادات يتولى يوماً بعد يوم مسؤولية جديدة في هذا الوطن، حتى يصبح نائباً لرئيس الجمهورية، الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حتى يقول القدر كلمته الجديدة، فيصبح أنور السادات رئيساً للجمهورية، خلفاً للرئيس عبد الناصر، الذي وافته المنية عام 1970.
جيهان السادات تصبح السيدة الأولى لمصر، طبقاً لقواعد البروتوكول المتبعة بأن زوجة رئيس الجمهورية هي السيدة الأولى للبلاد، لكن جيهان السادات لم تستحق هذا اللقب، لكونها زوجة رئيس الجمهورية فقط.
أول سيدة في تاريخ الجمهورية المصرية، تخرج دائرة العمل العام كانت جيهان السادات، بإطلاقها وتبنيها عددا من المبادرات الاجتماعية، ومشاريع إنمائية، فقد أسست جمعية الوفاء والأمل، وكانت من مشجعات تعليم المرأة وحصولها على حقوقها في المجتمع المصري.
"المرأة الحديدية" كان لقب جديد أضافه المصريين لجيهان السادات، بعدما شاهدوها تشارك زوجها الرئيس الراحل معظم الأيام والأحداث الهامة التي شهدتها مصر، بدءاً من 23 يوليو عام 1952، رافقت السادات في زيارته المثيرة للجدل التي قام بها إلى الولايات المتحدة الأمريكية حينما كان رئيساً لمجلس الشعب المصري عام 1966.
بدأت نشاطها العام بداية منذ الستينيات، حيث اصطحبت السيدات المتطوعات للخدمة بالمستشفيات في سن 41، وسجلت نفسها طالبة بجامعة القاهرة، وحصلت على الليسانس عام 1973، ثم حصلت علي الماجستير في الأدب العربي، وشاهدها الملايين وهي تناقش الرسالة عبر شاشة التليفزيون.
شاركت في المؤتمر الأول للمرأة العربية والإفريقية والذي حضرته بالقاهرة 200 سيدة من 30 دولة.
بدأ اهتمامها بالمرأة الريفية، من خلال مشروع جمعية تلا التعاونية لتعليم القرويات الحياكة والتريكو فكانت بداية لسيدات الأعمال الريفيات، مع إقامة معارض لتسويق الإنتاج.
وانغمست بعد حرب أكتوبر في مجال الخدمات الاجتماعية رأست جيهان السادات خلال فترة حكم زوجها 30 منظمة وجمعية خيرية أبرزهم (الهلال الأحمر، جمعية بنك الدم، رئيس شرف لتنظيم الأسرة، الجمعية المصرية لمرضي السرطان، جمعية الخدمات الجامعية).
وأنشأت مركزا للعناية بالمعوقين 1972، ومركز تدريب لتأهيل المحاربين القدماء أطلقت عليه اسم مدينة الوفاء والأمل، رشحت نفسها مستقلة عام 1974 للحصول علي مقعد في مجلس الشعب في المنوفية وذلك بهدف إظهار دور المرأة السياسي وإفساح الفرصة للنساء الريفيات للمساهمة في السياسة.
وأعيد انتخابها عام 1978 وخدمت 3 سنوات كأول سيدة رئيس لمجلس شعبي في مصر، وقادت الدعوة لتنظيم الأسرة، وسعت لتعديل قانون الأحوال الشخصية لصالح المرأة، وإن كان قد حكم بعدم دستوريته.
وحصلت على الدكتوراه بعد وفاة الرئيس 1981، وكرست جهودها للتدريس وإلقاء المحاضرات في الجامعات العالمية، أصدرت كتابها عن ذكرياتها بعنوان "سيدة من مصر".
وأصدرت بعد ذلك كتاب “أملي في السلام”، ورحلت بعد صراع مع المرض في 9 يوليو 2021، وأقيمت لها جنازة عسكرية مهيبة، وكانت أول جنازة عسكرية لسيدة مصرية، وكرّمها الرئيس عبدالفتاح السيسي، بإطلاق اسمها على أحد المحاور المرورية (محور الفردوس).