أساطين التلاوة | الشيخ محمد الطنطاوي.. القارئ العالم
يتمتع الشيخ محمد الطنطاوي، بجمال الصوت وقوة الأداء وشدة الالتزام بأحكام التلاوة والتجويد المتقن إضافة إلى التواضع وحسن المظهر والاعتزاز بالنفس والتخلق بخلق القرآن.
ولد القارئ الشيخ محمد عبدالوهّاب الطنطاوي في الثالث من شهر أكتوبر عام 1947م بقرية النسيمية مركز المنصورة بمحافظة الدقهلية، حفظ القرآن الكريم قبل بلوغه العاشرة من العمر، وبعد حصوله على الابتدائية عام 1959م التحق بالمعهد الديني بمدينة المنصورة ليتلقى العلوم الدينية ليكون من رجال الأزهر الشريف.
ولأنه من حفظة القرآن استطاع أن يستوعب المنهج الدراسي بسهولة واقتدار فاهتم به شيوخه والمدرسون اهتماماً ملحوظاً, دون زملائه, لأنه يتمتع بمواهب متعددة ظهرت من خلال رغبته القوية في تلاوة القرآن بصوت عذب جميل, وتقديم الابتهالات والمدائح النبوية والقصائد الدينية.
لعبت الصدفة دوراً مهما في تحديد مستقبل الشيخ محمد الطنطاوي عندما علم أحد الشيوخ بالمعهد بكل هذه القدرات والإمكانات لدى الطالب الموهوب فنصحه بأن يستغل هذا كله في شيء واحد وهو تلاوة القرآن الكريم حتى يستثمر المواهب المتعددة والتي من المتوقع أن تؤهله ليكون قارئاً مشهوراً ونجماً ساطعاً في عالم القراء.
جمع الشيخ الشيخ محمد الطنطاوي بين الحسنيين جمال الصوت والتمكن من حفظ القرآن, فذاع صيته وتملك القلوب وسيطر على مشاعر الآلاف من عشاق الاستماع إلى صوته العذب الجميل.. لم يكن الطريق إلى الشهرة ممهداً ومفروشاً بالورود ولكن لكل نجاح ضريبة فقد بحث الشيخ محمد عن كل وسيلة توصله إلى طريق النجاح فلم يترك أي فرصة أتيحت له إلا وأخذ منها ما يفيده وما يثقل موهبته وينمي قدراته ويرضي طموحه ويشبع رغبته التي ألقت به بين أمواج لا يستطيع مقاومتها إلا الموهوب الواثق بنفسه بعد ثقته في قدرة الله ومشيئته، وكان الشيخ محمد سعيد الحظ لأنه نشأ في منطقة تحب سماع القرآن ويتنافس كبار العائلات فيها في استقدام مشاهير القراء في المآتم والمناسبات المختلفة وخاصة الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ البنا والشيخ محمد صديق المنشاوي والشيخ البهتيمي وغيرهم من قراء الرعيل الأول بالإذاعة.
ولم يترك الشيخ الشيخ محمد الطنطاوي مناسبة إلا وحضرها كمستمع ومتلق ويسجل كل حركة وكل نغمة ليستفيد منها أثناء القراءة، وبعد انتهاء المرحلة الثانوية انتقل الشيخ محمد عبدالوهاب إلى القاهرة ليكمل دراسته بجامعة الأزهر الشريف.
التحق الشيخ محمد الطنطاوي بكلية أصول الدين ليكون داعية تحقيقا لرغبة والده رحمه الله واختار قسم الفلسفة والعقيدة وكان ذلك سبباً قوياً في فلسفة تعامله مع الآخرين بأدب رفيع يحسد عليه، يقول الشيخ الطنطاوي: ".. وكنت حريصاً على التنقل بين مجالس العلم بالمساجد الشهيرة بالقاهرة حتى أتمكن من تحصيل العلوم من خلال الدروس والمحاضرات التي كان يلقيها كبار العلماء كالدكتور عبدالحليم محمود والشيخ الباقوري والشيخ ابن فتح الله بدران والشيخ عبدالعزيز عيسى وغيرهم من علماء الأمة الإسلامية, وذات يوم وأنا ذاهب لحضور حديث العصر بمسجد السيدة زينب تقابلت مع المرحوم الشيخ سيد النقشبندي بشارع بورسعيد فسلمت عليه وقبلت يده وقلت له أدعو الله لي يا عم الشيخ سيد فقال: "غفر الله لي ولك " وبعد عام تقابلت معه بالجامع الأزهر فسلمت عليه وذكرته بنفسي وقلت له أدعو الله لي فقال نفس العبارة غفر الله لي ولك".
وبعد أدائه للخدمة العسكرية جاءه خطاب التعيين للعمل واعظاً بمديرية أوقاف الدقهلية فتسلم العمل إلى جانب تلاوة القرآن الكريم. ونظراً لتفوقه العلمي والقرآني والأخلاقي ارتقى إلى واعظ أول بمحافظة الدقهلية. ظل يعمل بالدعوة عشر سنوات من عام 1975م إلى عام 1985م. في تلك الفترة كان الشيخ الطنطاوي أحد القراء الموهوبين المرغوب في استدعائهم إلى أكبر السهرات والمآتم بالوجه البحري وخاصة بعد رحيل المرحوم الشيخ حمدي الزامل. لم يجد مفراً من تقديم استقالته من الوعظ ليتفرغ لتلاوة القرآن الكريم وإشباع رغبة الآلاف من محبيه وعشاق صوته وفن تلاوته بقرى ومدن محافظات مصر، وكان لبدايته القوية وشهرته السريعة الأثر الأكبر في تعلق القلوب به والرغبة القوية في دعوته لإحياء المآتم الكبيرة في منطقة وسط الدلتا التي قليلاً ما تستعين بأكثر من قارئ لإحياء ليلة المأتم إلا في حدود ضيقة جداً وربما ترجع لسبب فسره بعض الناس بعدم الاستغناء عن وجود الشيخ محمد عبد الوهاب الطنطاوي مع من وجهت إليه الدعوة من كبار القراء ومشاهيرهم بالإذاعة أمثال الشيخ محمد بدر حسين والشيخ غلوش والشيخ حصان والشيخ الطبلاوي والشيخ الزريقي والشيخ الصياد وغيرهم من المشاهير الذين كانوا يفكرون فيما سيفعلونه أمام قوة قارئ غير إذاعي يؤدي بقوة وكفاءة بإمكانات تحتاج إلى حسابات خاصة لمن يتلقى معه في سهرة واحدة. لأن أداءه لا يعرف الوسطية ولا استهلاك الوقت ولكنه جاد واثق بنفسه وقدراته ومواهبه المتعددة وأحكامه الملتزمة وحب الناس له.
وفي الفترة من 1975 إلى 1985 قبل التحاق الشيخ محمد الطنطاوي بالإذاعة لقب بعدة ألقاب من جمهوره المتيم به منها: "القارء العالم" و "كروان الدقهلية" في فترة وجيزة لا تزيد على العشر سنوات أصبح اسم الشيخ محمد عبدالوهاب على كل لسان ودخلت تسجيلاته كل بيت وكل السيارات ومعظم المحال التجارية فكان ذلك سبباً في تثبيت اسمه في ذاكرة الملايين من الناس.
لم يتوان الشيخ محمد الطنطاوي في التقدم لإذاعة وسط الدلتا ليلتحق بها كقارئ عام 1985م وبعد اعتماده بإذاعة وسط الدلتا بعام واحد تم اعتماده كقارئ بإذاعات جمهورية مصر العربية.. بدأ قارئاً إذاعات قصيرة لمدة لا تتعدى ستة اشهر بعدها اعتمد قارئاً للإذاعات الطويلة والخارجية نظراً لكفاءته وجماهيريته وإمكاناته التي أشاد بها كل من استمع إليه من المتخصصين وغير المتخصصين، فلم يستمع أحد إلى الشيخ الطنطاوي عبر الإذاعة إلا وسأل عنه باستفاضة وشوق ولهفة إلى رؤياه لما لصوته من جاذبية ووقار وما عليه من حلاوة وما به من دفء وعذوبة.
وكانت الإذاعة سبباً قوياً في انتشاره محلياً وعالمياً مما جعل الكثير من الدول ترسل إليه الدعوات لإحياء شهر رمضان بها.. يعد الشيخ الطنطاوي من القراء القلائل الذين امتازوا بخاصية لم ولن تتوفر لكثير من القراء وهي شهادة أكثر من 95% من قراء مصر الإذاعيين وغير الإذاعيين له بشدة التزامه في التلاوة من حيث الأحكام والتجويد بالإضافة إلى الأداء المميز الفريد الذي يؤهله لأن يكون ضمن أجود عشرة قراء على الساحة خلال هذه الفترة بشهادة كثير من المستمعين.
سافر إلى كثير من الدول العربية والإسلامية والأجنبية على مدى عشر سنوات متتالية لم يدخر جهداً في الذهاب إلى المسلمين أينما كانوا فقرأ القرآن بمعظم المراكز الإسلامية في كثير من دول العالم.. سافر إلى هولندا أكثر من مرة وقرأ بالمركز الإسلامي هناك بين حشود وجماهير غفيرة من أبناء الجاليات الإسلامية من شتى بقاع الدنيا.. قرأ القرآن بالمركز الإسلامي بواشنطن ولوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية, وسافر إلى كندا والبرازيل والأرجنتين النمسا وألمانيا واليابان، ودول الخليج العربي.