تقلبات سوق النفط.. كيف أثرت الحرب التجارية وقرارات ترامب على الأسعار؟

في الأسابيع الأخيرة، واجه متداولو عقود النفط تحديات كبيرة في سوق خام النفط، التي كانت محصورة في نطاق ضيق وصعبة من حيث تحقيق الأرباح. ولكن، جاءت أحداث الأسبوعين والنصف الماضيين لتغير مجريات الأمور بشكل غير متوقع، حيث انتقلت السوق من حالة ركود إلى تحركات سعرية كبيرة أثارت الكثير من القلق والفرص في نفس الوقت.
شرارة التحولات: الحرب التجارية وقرارات "أوبك+"
في بداية أبريل 2025، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عن فرض تعريفات جمركية شاملة على الصين، مما أدى إلى تصعيد الحرب التجارية بشكل كبير. وبعد أقل من 24 ساعة من ذلك الإعلان، فاجأت "أوبك+" الأسواق بخطط لزيادة الإنتاج بوتيرة أسرع من المتوقع. هذه الصدمات المزدوجة تسببت في تراجع العقود الآجلة للنفط الأمريكي بنسبة 7%، وهو أكبر تراجع منذ غزو روسيا لأوكرانيا. في المقابل، شهد مقياس التقلبات الرئيس في أسواق النفط ارتفاعًا إلى أعلى مستوى له منذ ستة أشهر.
صعوبة التنبؤ: تقلبات الأسعار تهدد استراتيجيات المتداولين
رغم أن العديد من المتداولين كانوا يتوقعون تحركات سوقية كبيرة بعد فترة الركود، إلا أن التقلبات الحادة التي حدثت منذ إعلان ترامب فاجأت السوق بشكل كبير. ويشير جورج كولتارّو، الرئيس العالمي لوحدة السلع في "بنك أوف أميركا"، إلى أن "التقلبات اليومية تجعل من الصعب بناء رؤية متوسطة المدى، لأن السوق يتغير بسرعة شديدة". هذه الظروف جعلت من الصعب على المتداولين تحديد استراتيجيات تسعير دقيقة لإدارة المخاطر.
الاضطراب يؤدي إلى خسائر لبعض المستثمرين
كان برنت بيلوت، الرئيس التنفيذي للاستثمار في "كايلر كابيتال"، من بين المتداولين الذين تمنوا عودة التقلبات إلى السوق في وقت سابق من هذا العام. إلا أن التقلبات المفاجئة تسببت له بخسائر كبيرة في بعض رهاناته. وأوضح بيلوت في مذكرة للعملاء: "لم تكن زلة صغيرة، بل كأنني اصطدمت بحائط خرساني بأقصى سرعة".
تأثير التقلبات على سيولة السوق
بينما ساهمت عودة التقلبات في زيادة أحجام التداول بشكل مؤقت، إلا أن هذه التقلبات تهدد سيولة السوق على المدى البعيد. تشير المحللة تريسي ألين من "جيه بي مورغان تشيس" إلى أن المستثمرين بدأوا في الانسحاب من أسواق النفط والوقود، ما أدى إلى صافي تدفقات خارجة بقيمة ملياري دولار في الأسبوع المنتهي في 11 أبريل. هذه التقلبات أسفرت عن تراجع في أحجام التداول، خاصة في عقود النفط الخام.
استراتيجيات صناديق التحوط: التحولات السريعة في الرهانات
أجبرت الأحداث الاقتصادية الأخيرة المتداولين وصناديق التحوط على تغيير استراتيجياتهم بسرعة. فقد أظهرت بيانات "آي سي إي فيوتشرز يوروب" أن صناديق التحوط غيرت اتجاه تداولها في خام برنت بأسرع وتيرة مسجلة في الأسبوع المنتهي في 8 أبريل. وفي نفس الوقت، تراجعت رهانات الشراء الصافية على خام غرب تكساس إلى أدنى مستوى لها منذ عام 2009، مما يعكس التوترات المتزايدة في الأسواق.
تحول نحو استراتيجيات الفرق السعري
في محاولة لتقليل المخاطر في ظل هذه التقلبات العنيفة، لجأ المتداولون إلى استراتيجيات الفرق السعري التي تنطوي على مخاطر أقل. وقد أدى ذلك إلى إضافة أكبر عدد من رهانات الفرق السعري في خام غرب تكساس منذ عام 2007، في حين شهد خام برنت صعودًا في المراكز المكافئة بأعلى وتيرة منذ عام 2020.
مخاوف من تأثيرات تقلبات السوق على مستهلكي النفط
من جهة أخرى، بدأ بعض مستهلكي النفط في التحوط من التقلبات الكبيرة في الأسعار عن طريق تثبيت تكاليف الشراء الخاصة بهم. وقد أضاف متداولو المبادلات المالية أكبر عدد من مراكز الشراء في خام برنت وزيت الغاز على الإطلاق الأسبوع الماضي، مما يعكس سعيهم لتجنب مخاطر ارتفاع الأسعار مستقبلاً.
كيف تستفيد الأسواق من هذه التقلبات؟
رغم التحديات الكبيرة التي يواجهها المتداولون، توفر التقلبات المفاجئة فرصًا لتحقيق الأرباح لمستثمري النفط. بعد الانخفاض الكبير في الأسعار الذي بلغ نحو 20%، ارتدت الأسعار بسرعة لتقفز بنسبة 40% إلى أعلى مستوياتها لهذا العام، مما يعكس الفرص التي توفرها الأسواق في ظل هذه الظروف المتغيرة.
وتسببت التقلبات الأخيرة في سوق النفط في تعقيد الأمور بالنسبة للمتداولين والمستثمرين، مع تأثيرات واسعة على السيولة واستراتيجيات التداول. ومع استمرار تقلبات الأسعار، من المرجح أن يشهد السوق المزيد من التحولات السريعة في استراتيجيات المتداولين وصناديق التحوط. وعلى الرغم من هذه الصعوبات، تبقى هناك فرص لجني الأرباح، حيث يمكن للمتداولين الذين يعرفون كيفية التعامل مع هذه التقلبات الاستفادة من هذه الموجة.