رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

ارتفاع الطلب الصيني وتوقف التدفقات الروسية.. كيف يؤثر ذلك على أسعار الغاز في أوروبا؟

نشر
الغاز الأوروبي
الغاز الأوروبي

يواجه قطاع الغاز في أوروبا مرحلة حاسمة مع انتهاء موسم التدفئة وبداية العد التنازلي لملء مرافق التخزين، التي خرجت من الشتاء فارغة تقريبًا بمقدار الثلثين. في العادة، يعتمد المتداولون على شراء الغاز بأسعار منخفضة خلال الصيف وتخزينه لإعادة بيعه بأسعار مرتفعة في الشتاء، مما يحقق أرباحًا كبيرة.

إلا أن العام الجاري يختلف عن الأعوام السابقة، إذ أدى أول شتاء بارد حقيقي منذ فقدان أوروبا الجزء الأكبر من إمداداتها عبر الأنابيب الروسية إلى استنزاف المخزونات بوتيرة أسرع من المتوقع. ومع توقف التدفقات المتبقية عبر أوكرانيا في يناير، أصبح العرض أكثر شحًا، مما تسبب في بقاء أسعار الغاز الصيفية أعلى من أسعار الشتاء المقبل، وهو ما ألغى فعليًا الحافز المالي لعمليات التخزين.

دور الحكومات في تأمين المخزون

في ظل هذه الأزمة، تثار التساؤلات حول الدور الذي ستلعبه الحكومات لضمان إعادة ملء المخزونات وبأي تكلفة. ورغم أن هناك متسعًا من الوقت قبل حلول الشتاء المقبل، فإن قرارات السوق خلال الأسابيع الأولى من أبريل ستشكل مؤشرًا حاسمًا حول مدى استعداد المتداولين للبدء في ضخ الغاز رغم الأسعار غير المشجعة.

وفي هذا السياق، أكد راسل هاردي، الرئيس التنفيذي لشركة "فيتول" (Vitol)، أن إيجاد حل قصير الأمد لتحفيز ضخ الغاز في المخزون أصبح ضرورة، حتى وإن كانت أسعار السوق غير مشجعة حاليًا، مشيرًا إلى وجود نقاشات جارية حول الجهات التي ستتحمل هذه المسؤولية.

المخاطر المحتملة في الشتاء المقبل

في حال دخول أوروبا موسم الشتاء المقبل دون أن تكون مرافق التخزين ممتلئة بشكل شبه كامل، فقد تواجه الأسواق قفزات حادة في الأسعار، خاصة إذا تعرضت المنطقة لموجة برد قارس أو أحداث غير متوقعة تؤثر على الإمدادات.

وتنص قواعد المفوضية الأوروبية على ضرورة أن تكون مواقع التخزين ممتلئة بنسبة 90% بحلول الأول من نوفمبر. إلا أن المقترحات الأخيرة بتخفيف صرامة هذه القواعد أثارت حالة من عدم اليقين، مما تسبب في تقلبات في الأسعار وترك المتداولين في حالة من الترقب.

تقلبات الأسعار وتأثير الحرب في أوكرانيا

خلال الأسابيع الماضية، تراجعت العقود المستقبلية للغاز وسط تكهنات بإمكانية تخفيف أهداف إعادة التعبئة، إلى جانب التفاؤل بإمكانية التوصل إلى هدنة في أوكرانيا. وإذا انتهت الحرب وأدى ذلك إلى استئناف بعض التدفقات الروسية، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض الأسعار، لكن هذا السيناريو لا يزال غير مؤكد.

حاليًا، تتداول أسعار الغاز عند مستويات تزيد بنحو 50% عن العام الماضي، حيث تتجاوز 40 يورو لكل ميغاواط في الساعة. ويتوقع الخبراء أن تبقى الأسعار مرتفعة نسبيًا خلال الصيف لضمان استمرار تدفق شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.

الطلب الصيني وتأثيره على سوق الغاز الأوروبي

عامل آخر قد يؤثر على قدرة أوروبا على تأمين الغاز هو مستوى الطلب الصيني. فإذا ظل الطلب الصيني ضعيفًا خلال الأشهر المقبلة، فقد تتمكن أوروبا من جذب مزيد من شحنات الغاز الطبيعي المسال. وتشير توقعات "بلومبرغ إن إي إف" إلى أن مشتريات الصين قد تنخفض هذا العام للمرة الأولى منذ 2022، مما قد يمنح أوروبا فرصة أكبر لتعزيز مخزونها.

لكن رغم ذلك، ستظل أوروبا بحاجة إلى دفع أسعار أعلى لتأمين الإمدادات. ووفقًا لرؤية هاردي، إذا انخفضت الأسعار إلى 12 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، فقد تتجه شحنات الغاز إلى آسيا بدلًا من أوروبا، حيث يُظهر المشترون في تلك المنطقة حساسية أكبر تجاه الأسعار.

احتياجات أوكرانيا من الغاز تضيف مزيدًا من الضغوط

إلى جانب التحديات التي تواجهها أوروبا، فإن أوكرانيا بدورها تحتاج إلى استيراد ما يصل إلى خمسة أضعاف كمية الغاز التي كانت تستوردها في المواسم السابقة، بعد أن تسببت الحرب في تدمير جزء كبير من بنيتها التحتية. هذا الطلب المتزايد قد يزيد من حدة المنافسة على الإمدادات المتاحة في السوق.

مخاطر التدخلات الحكومية على السوق

إذا لم يتم ضخ الغاز في المخزونات بالوتيرة المطلوبة، فقد تجد الحكومات الأوروبية نفسها أمام خيار صعب بين تحمل تكاليف باهظة لتأمين الإمدادات أو مواجهة أزمة نقص خلال الشتاء المقبل، كما حدث في ألمانيا عام 2022.

لكن التدخلات الحكومية قد تؤدي أيضًا إلى زعزعة استقرار السوق. ففي يناير الماضي، طرحت الهيئة المسؤولة عن إدارة سوق الغاز في ألمانيا مقترحًا لدعم عمليات التخزين غير المربحة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز الصيفي بشكل كبير. ومع ذلك، لا يزال مستقبل هذا المقترح غير واضح حتى الآن، مما يبقي الأسواق في حالة من الترقب.

توقعات تخزين الغاز في أوروبا قبل الشتاء

وفقًا لـ"بلومبرغ إنتليجنس"، من المتوقع أن تصل مستويات تخزين الغاز في أوروبا إلى حوالي 87% بحلول الأول من نوفمبر، بافتراض عدم عودة التدفقات الروسية عبر أوكرانيا وارتفاع واردات الغاز الطبيعي المسال بنسبة 40% خلال الصيف.

ومع توقعات بربيع دافئ، قد يتم تسريع عمليات ضخ الغاز في المخزونات، خاصة إذا صدرت إشارات من بروكسل حول اتباع نهج أكثر مرونة في تطبيق قواعد التخزين، وهو ما تطالب به بعض دول الاتحاد الأوروبي.

وفي هذا الإطار، يرى ماركو زالفرانك، رئيس قسم التداول التجاري في أوروبا لدى شركة "أكسبو هولدينغ" السويسرية، أن التعديلات المحتملة على القوانين ستكون عاملاً حاسمًا، مضيفًا: "إذا لم يتم الإعلان عن أي تغيير حتى منتصف العام، فلن يتبقى سوى بضعة أشهر للضخ، مما قد يؤثر على الأسعار بشكل كبير".

ويدخل قطاع الغاز في أوروبا مرحلة حساسة، حيث تواجه الأسواق تحديات في تأمين المخزون قبل الشتاء المقبل في ظل شح الإمدادات وارتفاع الطلب. وبينما تظل قرارات الحكومات والمتداولين عاملًا رئيسيًا في تحديد الاتجاهات المستقبلية، فإن تقلبات الأسعار والمخاطر الجيوسياسية تظل متغيرات لا يمكن التنبؤ بها بسهولة، مما يجعل الفترة المقبلة حاسمة في تحديد مستقبل سوق الغاز الأوروبي.

عاجل