«الداخلية» تحيي ذكرى معركة الإسماعيلية بأغنية «أبطال وأسود» في عيد الشرطة الـ73
بثت وزارة الداخلية أغنية جديدة بعنوان "أبطال وأسود" احتفالًا بعيد الشرطة الـ73، الذي يُخلد بطولات رجال الشرطة في معركة الإسماعيلية. هذه المعركة تعد واحدة من أبرز المحطات في تاريخ النضال ضد الاحتلال البريطاني، حيث سطر رجال الشرطة المصرية أروع ملاحم البطولة والصمود.
بداية المعركة وأسبابها
بدأت قصة معركة الشرطة في صباح يوم الجمعة، الموافق 25 يناير 1952، عندما قام القائد البريطاني في منطقة القناة، "البريجادير أكسهام"، باستدعاء ضابط الاتصال المصري وسلمه إنذارًا لتسليم قوات الشرطة المصرية في الإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، مع ضرورة الانسحاب إلى القاهرة. وكان رد محافظة الإسماعيلية رافضًا لهذا الإنذار، حيث أبلغت وزارة الداخلية به، وكان وزير الداخلية آنذاك، فؤاد سراج الدين، قد طلب من قوات الشرطة الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام.
وكان هذا الإنذار البريطاني بمثابة الشرارة التي أدت إلى تصاعد العصيان بين قوات الشرطة، والتي كانت تعرف حينها باسم "بلوكة النظام". لهذا السبب، قام "إكسهام" وقواته بمحاصرة المدينة، مُقسمين إياها إلى منطقتين: "حي العرب" و"حي الإفرنج"، مع وضع سلك شائك بين المنطقتين لضمان عدم وصول أحد من أبناء المحافظة إلى الحي الذي يسكن فيه الأجانب.
كما أن هذه الحادثة لم تكن السبب الوحيد لاندلاع المعركة، حيث كانت هناك أسباب سياسية أخرى تمثلت في إلغاء معاهدة 1936 في 8 أكتوبر 1951، ما أغضب بريطانيا بشكل كبير واعتبرته بداية لمرحلة جديدة من الصراع مع المصريين. وكان هذا الإلغاء بداية لتصاعد التوترات مع الاستعمار البريطاني، خاصة في مدن القناة التي كانت مركزًا للمعسكرات البريطانية. وظهرت أولى مظاهر المقاومة في 16 أكتوبر 1951، عندما قامت المظاهرات بإحراق مستودع "النافي"، الذي كان يحتوي على تموينات غذائية للجيش البريطاني.
أحداث المعركة وتفاصيلها
في صباح 25 يناير 1952، بدأت المجزرة الوحشية عند الساعة السابعة صباحًا، حيث أطلق البريطانيون مدافع الميدان من عيار 25 رطلاً ومدافع الدبابات "السنتوريون" الضخمة من عيار 100 ملليمتر، والتي استهدفت مبنى المحافظة وثكنة "بلوكة النظام". استمر القصف دون رحمة أو شفقة، وانهارت الجدران وامتلأت الشوارع بالدماء.
بعد أن تقوضت البنية التحتية، أصدر الجنرال "إكسهام" أمرًا بوقف القصف مؤقتًا لإعلان إنذاره الأخير للشرطة: تسليم أسلحتهم والخروج رافعي الأيدي، وإلا ستستأنف قواته القصف بأقصى شدة. وكانت المفاجأة عندما رد النقيب مصطفى رفعت، ضابط صغير الرتبة لكنه ذو حماسة وطنية، قائلاً: "لن تتسلمونا إلا جثثًا هامدة".
استأنف البريطانيون قصفهم الوحشي، حيث استمرت المدافع في إطلاق قذائفها، بينما كانت الدبابات تدمّر كل شيء في طريقها، وأصبحت المباني أنقاضًا والأرض مغطاة بالدماء الطاهرة. ورغم ذلك، ظل رجال الشرطة المصريون صامدين في مواقعهم، يقاومون ببنادقهم القديمة "لي إنفيلد"، مستمرين في المعركة رغم تفوق الأسلحة البريطانية. وبعد نفاد الذخيرة، سقط 56 شهيدًا و80 جريحًا من رجال الشرطة، بينما سقط 13 قتيلاً و12 جريحًا من الضباط البريطانيين.
وفي نهاية المعركة، أسر البريطانيون من تبقى على قيد الحياة من ضباط وجنود الشرطة المصرية، وعلى رأسهم قائدهم اللواء أحمد رائف، ولم يتم الإفراج عنهم إلا في فبراير 1952. وعلى الرغم من المجزرة الوحشية، أعرب الجنرال "إكسهام" عن إعجابه بشجاعة رجال الشرطة، حيث قال للمقدم شريف العبد: "لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف، واستسلموا بشرف، ولذا فإن من واجبنا احترامهم جميعًا، ضباطًا وجنودًا".
وقد أمر "إكسهام" جنود فصيلته البريطانية بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة، تعبيرًا عن تقديره لشجاعتهم وصمودهم في المعركة.
إرث المعركة في ذاكرة المصريين
تظل معركة الإسماعيلية رمزًا للصمود والتضحية في تاريخ مصر الحديث، حيث يخلدها المصريون في أذهانهم كأحد أبرز الأمثلة على البطولات الوطنية ضد الاحتلال. يحتفل الشعب المصري بهذا اليوم، ويتذكرون أبطالهم الذين ضحوا بأرواحهم من أجل وطنهم، ليظلوا مصدر إلهام للأجيال القادمة، ولكي تتغنى ذاكرة الأطفال المصريين بهذه البطولات التي لا تنسى.