في ذكرى وفاة بنت الشاطئ.. رحلة مفكرّة مصرية تركت بصمتها في التاريخ الأدبي والإسلامي
في ذكرى وفاتها، نسترجع حياة إحدى أعظم المفكرات العربيات في القرن العشرين، عائشة عبد الرحمن، التي كانت تُعرف بلقب "بنت الشاطئ". تركت بصمة لا تُمحى في مجال الأدب والفكر الإسلامي، ورسمت مسارًا مشرقًا للمرأة العربية في مجالات التعليم والكتابة. عاشت حياة مليئة بالإنجازات العلمية والأدبية، ونجحت في تحدي التقاليد لتحقق التفوق في عالم كان في معظمه مغلقًا أمام النساء. من دمياط إلى القاهرة، ومن ثم إلى مختلف الجامعات العربية، كان لها حضور فكري مميز. في هذه الذكرى، نعيد اكتشاف إرثها الذي لا يزال يُلهم الأجيال الجديدة، ويؤكد أن تأثيرها في مجالات العلوم والآداب سيظل خالدًا.
عائشة عبد الرحمن، المعروفة باسم بنت الشاطئ، كانت مفكرة وكاتبة مصرية بارزة، وأستاذة جامعية وباحثة ذات تأثير كبير في العالم العربي. ولدت في مدينة دمياط بشمال دلتا مصر في 6 نوفمبر 1913، وكانت من أوائل النساء اللاتي اقتحمن مجال الصحافة والتدريس في الأزهر الشريف. لقد أثرت بنت الشاطئ بأفكارها وأعمالها الأدبية، وحازت على العديد من الجوائز تقديرًا لإسهاماتها الكبيرة في الأدب والفكر الإسلامي.
نشأة وتكوين شخصية استثنائية
نشأت عائشة عبد الرحمن في أسرة أزهرية، حيث كان والدها مُدرسًا بالمعهد الديني بدمياط وجَدُّها لأمها شيخًا بالأزهر. بدأت تعليمها الأولي في كُتّاب القرية وحفظت القرآن الكريم كاملاً، لكنها لم تلتحق بالمدرسة بسبب تقاليد الأسرة التي كانت ترفض خروج البنات. ورغم هذا، تلقت تعليمها بالمنزل وأظهرت تفوقًا ملحوظًا عندما كانت تتقدم للامتحانات وتتفوق على زميلاتها.
رحلة دراسية مميزة
حصلت بنت الشاطئ على شهادة الكفاءة للمعلمات عام 1929 بترتيب الأولى على مستوى مصر. التحقت بعدها بجامعة القاهرة لتتخرج في كلية الآداب قسم اللغة العربية عام 1939. نالت الماجستير بمرتبة الشرف الأولى عام 1941، وأكملت رحلتها العلمية بالحصول على الدكتوراه عام 1950 تحت إشراف عميد الأدب العربي طه حسين. تزوجت من أستاذها أمين الخولي، وأثمر زواجهما عن ثلاثة أبناء، وواصلت مسيرتها العلمية والأدبية بنجاح.
مساهماتها الأكاديمية والفكرية
عملت بنت الشاطئ كأستاذة جامعية في العديد من الجامعات العربية مثل جامعة القرويين في المغرب، وجامعة عين شمس في مصر، وجامعات أخرى في السودان، الجزائر، بيروت، والإمارات. كانت أول امرأة تُحاضر بالأزهر الشريف، وساهمت في تخريج أجيال من العلماء والمفكرين في مختلف الدول العربية. كما كانت لها مواقف فكرية قوية دافعت فيها عن الإسلام والتراث الإسلامي، ورفضت التفسير العصري للقرآن الكريم.
مؤلفاتها الأدبية والعلمية
تركت بنت الشاطئ وراءها أكثر من أربعين كتاباً في مجالات الدراسات الفقهية والإسلامية والأدبية والتاريخية. من أبرز مؤلفاتها "التفسير البياني للقرآن الكريم"، و"القرآن وقضايا الإنسان"، و"تراجم سيدات بيت النبوة". كما حققت العديد من النصوص والوثائق والمخطوطات الهامة. في مجال الأدب، كتبت سيرتها الذاتية "على الجسر"، وكتاب "بطلة كربلاء" عن السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب.
الجوائز والتكريمات
حصلت بنت الشاطئ على العديد من الجوائز منها جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1978، وجائزة الملك فيصل العالمية في اللغة العربية والأدب عام 1994. كما منحتها مؤسسات إسلامية عديدة عضويات مميزة، وأطلقت اسمها على العديد من المدارس وقاعات المحاضرات في الدول العربية، اعترافًا بإسهاماتها الفكرية والأدبية.
وفاة أسطورة الفكر والأدب
توفيت عائشة عبد الرحمن في 1 ديسمبر 1998 عن عمر يناهز 85 عامًا إثر نوبة قلبية. ورحلت بنت الشاطئ تاركة وراءها إرثًا علميًا وأدبيًا كبيرًا، لا يزال يؤثر في الأجيال الجديدة من الباحثين والمفكرين. كانت مثالاً للمرأة المسلمة المثقفة التي حررت نفسها بعلمها وفكرها، وساهمت بشكل فعال في إثراء الفكر الإسلامي والأدب العربي.