العلاقات بين دول الخليج وإيلون ماسك.. فرصة لتعزيز الاستثمار في التكنولوجيا
شهدت الأسابيع السابقة على الانتخابات الرئاسية الأمريكية لقاءً بين أحد أبرز أفراد الأسرة الحاكمة في دولة الإمارات، الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، وإيلون ماسك. وبعد ظهور نتائج الانتخابات، شوهد محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ياسر الرميان، في صورة بجانب دونالد ترامب ورئيس شركة "تسلا". هذا الحضور يعكس أهمية العلاقات الاقتصادية والسياسية المتنامية بين دول الخليج وأقطاب التكنولوجيا الأمريكيين.
ويعتبر قادة المال البارزين في الشرق الأوسط، مثل الشيخ طحنون بن زايد وياسر الرميان، وجود ماسك ضمن دائرة ترامب المقربة فرصةً واعدة لتعزيز الاستثمارات. هؤلاء القادة يرون في هذه العلاقة فرصة لزيادة الصفقات في الولايات المتحدة، خاصة في المجالات الحساسة مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، التي تواجه قيودًا شديدة من إدارة جو بايدن.
استثمارات خليجية متزايدة
خلال ولاية ترامب الأولى، شهدت العلاقات الأميركية مع دول الخليج الغنية بالنفط تطورًا كبيرًا. هذا التطور تزامن مع تفاؤل صناديق الثروة الخليجية بإمكانية تحقيق مزيد من الصفقات في الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، استحوذت مؤسسات خليجية، منها صندوق الاستثمارات العامة السعودي وجهاز أبوظبي للاستثمار، على 54% من إجمالي 96 مليار دولار تستثمرها الصناديق الحكومية في المجالات الحيوية.
ومن بين الأسباب الرئيسية لتفاؤل صناديق الثروة السيادية الخليجية هو الروابط الوثيقة مع ماسك، الذي يُتوقع أن يلعب دورًا رئيسيًا في إدارة ترامب القادمة. يرأس الرميان صندوق الاستثمارات العامة، الذي يبلغ حجمه 925 مليار دولار، والذي دعم شركة "إكس إيه آي" التابعة لماسك خلال جولة تمويل سابقة. كما تفيد تقارير بأن صندوق الثروة القطري التزم أيضًا بتقديم الأموال لجولة تمويل جديدة لشركة "إكس إيه آي".
دعم مستمر لشركات ماسك
يملك صندوق الاستثمارات العامة حصة في شركة "المملكة القابضة" التي يديرها الأمير الوليد بن طلال، وكانت من بين أكبر داعمي ماسك عندما استحوذ على شركة "تويتر". بالإضافة إلى ذلك، استثمر جهاز قطر للاستثمار في صفقة "تويتر". أما المجموعة التابعة للشيخ طحنون، فقد اشترت في عام 2020 حصة مسيطرة في صندوق دعم شركة "سبيس إكس" المملوكة لماسك.
شراكات مع جاريد كوشنر
عملت العديد من الكيانات الاستثمارية الخليجية مع جاريد كوشنر، صهر ترامب، حيث جمعت شركته "أفينيتي بارتنرز" ملياري دولار من صندوق الاستثمارات العامة، بالإضافة إلى استثمارات من صناديق سيادية في قطر والإمارات، مما يعكس مدى عمق هذه العلاقات الاقتصادية.
سمعة ترامب ومناخ الأعمال
يرى روبرت موجيلنيكي، الباحث في "معهد دول الخليج العربي" في واشنطن، أن "سمعة ترامب كرجل أعمال يعشق إبرام الصفقات تجعل من السهل تحفيز صناع القرار المالي في المنطقة". موضحًا أن "علامة ترامب التجارية مألوفة في كافة أنحاء الخليج، ويتوافق ملفه التجاري بشكل جيد مع نهج التركيز على الأعمال الذي تبنته حكومات الخليج في السنوات الأخيرة".
تعزيز الخبرة في التكنولوجيا
تسعى دول الخليج، التي تمتلك صناديق ثروة سيادية يبلغ حجمها حوالي 4 تريليونات دولار، لتعزيز خبرتها في التكنولوجيا لتصبح مراكز عالمية للذكاء الاصطناعي. هذا التوجه يهدف إلى تقليص الاعتماد على إيرادات النفط، وتحقيق نقلة نوعية في اقتصاداتها.
ورغم هذه الطموحات الكبيرة، تواجه بعض الدول الخليجية تحديات تنظيمية من إدارة بايدن التي قلقت من أن تصل التكنولوجيا الأميركية الحساسة إلى الصين، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع دول الشرق الأوسط. هذه التحديات تجعل من الصعب تحقيق الأهداف الطموحة لدول الخليج في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
مخاوف الأمن القومي في عهد بايدن
أجرت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة مراجعة لعدة صفقات بمليارات الدولارات من الخليج بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي، وفقاً لتقرير "بلومبرج نيوز" في العام الماضي. في هذا السياق، قلّصت شركة "جي 42" للذكاء الاصطناعي في أبوظبي وجودها في الصين، ودخلت الأسواق الغربية الرئيسية. الشركة التي يرأسها الشيخ طحنون في طليعة جهود تقدم الإمارات نحو مجال الذكاء الاصطناعي، ولديها أعمال تمتد من الحوسبة السحابية إلى السيارات ذاتية القيادة. واستثمرت "مايكروسوفت" 1.5 مليار دولار في "جي 42" في أبريل الماضي.
بحسب مسؤول إماراتي، فإن استثمارات بلاده في الولايات المتحدة تتجاوز تريليون دولار، وأن كلا البلدين ملتزمان بتعميق التعاون في مجالات مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
في أكتوبر الماضي، أضافت وزارة التجارة الأمريكية معظم دول الشرق الأوسط إلى قيود تصدير الرقائق التي كانت تركز في الأصل على الصين وعدد قليل من الخصوم الأجانب الآخرين. هذا يعني أن شركات مثل "إنفيديا" تحتاج إلى ترخيص خاص من الحكومة الأميركية لشحن أشباه الموصلات المتقدمة إلى دول مثل السعودية والإمارات.
تصدر صندوق الاستثمارات العامة السعودي، قائمة الصناديق السيادية في العالم خلال 2023، من حيث النشاط إذ ضخ استثمارات قيمتها 31.5 مليار دولار.
من المؤكد أن ترامب لم يعيّن بعد العديد من المستشارين الرئيسيين، وستتضح سياساته بمرور الوقت. وهو صعب التوقُّع عند اتخاذ القرارات، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، قالوا أيضاً إن دول الخليج تحرص على تجنب تأثير الصراع بين إيران وإسرائيل على علاقتها بالرئيس المنتخب.
ربما يكون ترامب متردداً أيضاً في السماح بتخفيف القيود على المجالات الأكثر حساسية مثل الرقائق، نظراً لموقفه الحاد تجاه الصين. في الوقت نفسه، أشار بعض التنفيذيين والمصرفيين إلى أن بيئة إبرام الصفقات لصناديق الشرق الأوسط في الولايات المتحدة كانت تتحسن حتى قبل الانتخابات.
ورغم عملهم مع ماسك، فإن بعض الأشخاص في المنطقة كانت لديهم علاقات متوترة معه، غير أن العلاقات أخذت في التحسن منذ ذلك الحين.
مزيد من الالتزام بالاستثمار في أمريكا
مع فوز ترامب، تدرك صناديق الثروة الخليجية أنه يتعين عليها إظهار المزيد من الالتزام بالاستثمارات في الولايات المتحدة، بما في ذلك تقديم التمويل لمبادرات يتطلّع الرئيس المنتخب لدعمها، وفقاً لأشخاص مطلعين؛ "كما أنهم يدركون جيداً الحاجة إلى تقليص صفقاتهم مع الصين لتجنب استفزاز ترامب"، وفقاً لأحد الأشخاص.
تتجه معظم صناديق الثروة في المنطقة بالفعل نحو الاستثمارات في الولايات المتحدة. وبينما كانت تسعى لإعادة توازن المحافظ نحو آسيا، فقد تتباطأ هذه العملية مع سعي الصناديق للاستثمار في أكبر اقتصاد في العالم.
أصدر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، اليوم الثلاثاء، قراراً بتعيين رئيس تنفيذي جديد لجهاز قطر للاستثمار الذي يُعد تاسع أكبر صندوق سيادي في العالم
يتولى زمام الأمور في بعضها أيضاً مديرون تنفيذيون لديهم فهم عميق بالسوق الأمريكية، مثل محمد السويدي، الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار، الذي ساعد في تأسيس مكتب الصندوق هناك. وأفصح سالار جهرماني، خبير صناديق الثروة السيادية في جامعة ولاية بنسلفانيا ومؤسس "غلوبال بوليسي أدفايزرز" (Global Policy Advisors)، أنه "ربما توقع المسؤولون في قطر ديناميكيات رئاسة ترامب".