تذبذبات السوق السعودية تحت ضغط التوترات الإقليمية وانخفاض أسعار النفط
تشهد سوق الأسهم السعودية تذبذباً منذ مطلع الشهر الحالي بعد ارتفاعها الصيفي، حيث عانت بورصة الرياض من أسوأ بداية لها في الربع الرابع منذ سنوات مع تصاعد التوترات الإقليمية. مؤشر "تداول" لجميع الأسهم انخفض بنسبة 2.2% في أول ثلاثة أيام تداول من أكتوبر، وسط تكثيف إسرائيل لحملتها ضد حزب الله المدعوم من إيران والتخطيط للانتقام من طهران على هجماتها الصاروخية الأخيرة. وبينما تمكّن المؤشر من تجاهل التوترات المتصاعدة وأسعار النفط الضعيفة لأشهر، فإن النكسة الأخيرة محت كل مكاسبه منذ بداية العام.
تأثير التوترات الجيوسياسية
تُطرح التساؤلات حول قدرة السوق على تحمل المزيد من التصعيد في الصراع، بالتزامن مع أسعار نفطٍ أقل بكثير من المستويات المطلوبة لتمويل مشاريع التنويع الاقتصادي لدى المملكة. بالنسبة للعديد من المستثمرين، فإن الإجابة هي "لا"، على الأقل للمدى المنظور. إذ يشير ريان ليماند، الرئيس التنفيذي لشركة "نيوفيجن لإدارة الثروات"، إلى أن "المستثمرين يشعرون بالهلع إزاء الحروب والصراعات الجيوسياسية". ارتفعت تكاليف شحن النفط وأسهم شركات الناقلات بشكل كبير، ما يشير إلى أن تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران قد يدفع بعض التجار إلى تأمين حاجتهم من الخام بشكل عاجل.
ويتوقع جاسم الجبران، رئيس قسم أبحاث البيع في "الجزيرة كابيتال"، أن تظل السوق تحت الضغط في الأمد القريب، مرجّحاً أن ينخفض مؤشر "تداول" إلى 11380 نقطة، أي بنحو 5% عن الإغلاق الأخير. لكنه أضاف أنه قد يرتفع بنفس القدر إذا تحسنت الظروف في المنطقة. الجبران اعتبر أن "المخاوف تتزايد بشأن احتمال وقوع صدام عسكري مباشر بين الأطراف الإقليمية. وفي حين أن توجه السعودية هو البقاء على الحياد، فإن أي تصعيد قرب مضيق هرمز الحيوي من شأنه أن يؤدي إلى أزمة دولية بسبب أهميته لسلسلة إمداد النفط العالمية".
النفط لاعب رئيسي
تظل حركة أسعار النفط جزءاً لا يتجزأ من نشاط البورصة السعودية. ففي حين تنفق المملكة بكثافة لتحقيق "رؤية 2030"، التي تمثل أجندة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتنويع الاقتصاد، إلا أنها ما زالت تعتمد على عائدات النفط. أدّى ضعف أسعار الخام إلى إعادة النظر و"المعايرة" لخطط الاستثمار، كما أوردت بلومبرغ في تقرير سابق. ونتيجة لذلك، خفّض استراتيجيو "إتش إس بي سي هولدنجز" تصنيف الأسهم السعودية إلى "محايدة" من "زيادة الوزن" في المحفظة، منبّهين إلى المخاطر القريبة الأجل الناجمة عن تفاقم الاضطرابات الجيوسياسية وانخفاض أسعار النفط.
تخفيض تقديرات النمو الاقتصادي
خفضت السعودية تقديرات نمو اقتصادها خلال العام الجاري على نحو كبير بعد تراجع الناتج المحلي في النصف الأول نتيجة انكماش الأنشطة النفطية. ومع أن العقود الآجلة لخام برنت ارتفعت بسبب المخاوف من انقطاع إمدادات النفط، إلا أنها تبقى أقل من 80 دولاراً للبرميل، وهذا السعر بعيد بشكل كبير عن مستوى 96 دولاراً الذي تحتاجه المملكة لتحقيق التعادل في موازنتها بين المصروفات والإيرادات، وفقاً لصندوق النقد الدولي. بينما ترى "بلومبرغ إنتليجنس" ما يُسمى "نقطة التعادل" عند 112 دولاراً عند الأخذ في الاعتبار ضمن الموازنة إنفاق صندوق الاستثمارات العامة.
مخاطر انخفاض سعر النفط
عبد الوهاب عابد، الرئيس التنفيذي بالإنابة لـ"سيدكو كابيتال"، وهي شركة لإدارة الأصول بحجم 8.5 مليار دولار، يرى أن بقاء سعر النفط لفترة غير قصيرة دون 69 دولاراً للبرميل كفيلٌ بتعريض سوق الأسهم السعودية لمخاطر. بينما ينظر بعض المستثمرين مثل محمد السويد، الرئيس التنفيذي لشركة "رازين كابيتال"، إلى عمليات البيع المكثفة باعتبارها "فرصة"، منوّهاً بأن "التوترات الإقليمية تفرض دائماً ضغوطاً مؤقتة على السوق، وتوفر لنا خصومات سعرية جيدة".
تأثير الصراعات الإقليمية
مع تصاعد التوترات في المنطقة، تظل بورصة الرياض تحت ضغط شديد، خاصةً مع توقعات بتراجع أسعار النفط واستمرار النزاعات. يواجه المستثمرون حالة من القلق والترقب، مما يزيد من تذبذب السوق ويضعف من أداء المؤشر العام. ورغم جهود الحكومة لتنويع مصادر الدخل وتعزيز الاستثمارات غير النفطية، تبقى السوق السعودية رهينة لعائدات النفط وتقلباته.
ويتخذ المستثمرون استراتيجيات مختلفة لمواجهة هذه التحديات، فبعضهم يفضل الخروج من السوق لتجنب المخاطر، في حين يرى آخرون في هذه التذبذبات فرصاً لشراء الأسهم بأسعار منخفضة. هذه الاستراتيجيات المتباينة تعكس التفاوت في تقديرات المستثمرين حول مستقبل السوق في ظل الظروف الحالية. تتزايد الضغوط على البورصة مع استمرار التوترات الجيوسياسية، مما يتطلب من المستثمرين اتخاذ قرارات حكيمة ومدروسة.
دور الحكومة في دعم السوق
تسعى الحكومة السعودية جاهدة لدعم السوق المالي وتحقيق الاستقرار في ظل التحديات الاقتصادية والجيوسياسية. تتضمن هذه الجهود تقديم حوافز للمستثمرين وتطبيق سياسات مالية واقتصادية تهدف إلى تعزيز الثقة في السوق وجذب الاستثمارات الأجنبية. ومع ذلك، تبقى هذه الجهود محدودة التأثير في ظل الاعتماد الكبير على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات.
ورغم التحديات الراهنة، هناك آمال بتحسن الأوضاع في المستقبل مع استقرار الأوضاع الجيوسياسية وارتفاع أسعار النفط. قد يؤدي ذلك إلى انتعاش سوق الأسهم السعودية واستعادة مستوياتها السابقة. يظل التفاؤل حاضراً بين بعض المستثمرين الذين يؤمنون بقدرة السوق على التعافي والنمو في الأمد البعيد، رغم التقلبات الحالية.