حكم جهر الإمام ناسيا بالقراءة في الصلاة السرية
حكم جهر الإمام ناسيا بالقراءة في الصلاة السرية هو ما يجب معرفته حتى تكون الصلاة صحيحة ولا يقع الإمام في المحظور ومخالفة الشرع ما يجعل من معرفة حكم جهر الإمام ناسيا بالقراءة في الصلاة السرية أمرا مهما.
وورد إلى دار الإفتاء سؤال حول حكم جهر الإمام ناسيا بالقراءة في الصلاة السرية وأجاب عنه مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء ليعرف الجميع حكم جهر الإمام ناسيا بالقراءة في الصلاة السرية.
حكم جهر الإمام ناسيا بالقراءة في الصلاة السرية
سأل يقول: ما حكم جهر الإمام ناسيًا بالقراءة في الصلاة السرية والعكس؟ علمًا بأنني دخلت المسجد لأصلي جماعة في صلاة العصر، فإذا بالإمام قرأ في الصلاة جهرًا ولم يسجد للسهو، فهل ذلك صحيح؟
وأجاب المفتي قائلا: الجهر في الصلاةِ الجهريةِ، والإسرار في الصلاة السريةِ سنة للإمامِ والمأمومِ؛ فمَن أسر في الصلاةِ الجهريةِ، أو جهر في الصلاةِ السريةِ سهوًا أو عمدًا؛ فصلاته صحيحه، وليس عليهِ سجود للسهوِ.
وأضاف: الجهر في اللغة: الإعلان عن الشيء وكشفه، يقال جهرتُ بالكلامِ: أعلنت به، ورجلٌ جهيرُ الصوتِ، أي: عَالِيَهُ، ينظر: "مقاييس اللغة" لابن فارس (1/ 487، ط. دار الفكر)، و"تاج العروس" للزبيدي (10/ 495، وما بعدها، ط. دار الهداية).
وعند الفقهاءِ، الجهرُ هو: أن يقرأَ المُصَلِّي بصوتٍ مرتفعٍ يسمعُ غَيْرَهُ، والإسرارُ أنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ بالقراءةِ فقط دُونَ غيره، ينظر: "العناية" للإمام البابرتي (1/ 330، ط. دار الفكر)، و"شرح مختصر خليل" للإمام الخرشي (1/ 275، ط. دار الفكر)، و"أسنى المطالب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري (1/ 156، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"كشاف القناع" للعلامة البهوتي (1/ 332، ط. دار الفكر).
والحكمةُ من الجهرِ والإسرارِ في موضعيهما: أنَّه لما كان الليلُ محلُّ الخلوةِ، ويُطلَبُ فيه السهرُ، شُرَعَ الجهرُ فيهِ طلبًا للذةِ مناجاةِ العبدِ لربهِ، وخُصَّ بالركعتينِ الأُولَيَيْنِ لنشاطِ المصلي فيهما، والنهار لما كان محلُّ الشواغلِ والاختلاطِ بالناسِ طُلِبَ فيهِ الإسرارُ لعدمِ صلاحيتهِ للتفرغِ للمناجاةِ، وأُلحِقَ الصبحُ بالصلاةِ الليليةِ لأنَّ وقتهُ ليسَ محلًّا للشواغلِ عادةً؛ كما قال العلامة البجيرمي في "حاشية البجيرمي على شرح الخطيب" (2/ 63، ط. دار الفكر).
والفقهاءُ مختلفون في مدى الإلزام بالجهر في الصلاة الجهرية، والإسرار في الصلاة السرية:
فيرى المالكيةُ والحنابلةُ أنَّ الجهرَ في الصلاةِ الجهريةِ، والإسرار في الصلاة السريةِ سنةٌ للإمامِ والمأمومِ، ووافقهم على ذلكَ الشافعيةُ في الإمامِ دونَ المأمومِ، فالجهرُ عندهم سنةٌ للإمامِ، ومن الهيئاتِ للمأمومِ؛ قال العلامة الخرشي المالكي في "شرح مختصر خليل" (1/ 275): [منْ سُنَنِ الصلاةِ: الجهرُ فيما يُجْهَرُ فيه؛ كَأُولَتَيِ المغربِ والعشاءِ، والصبحِ، والسرُّ فيما يسرُ فيهِ كالظهرِ والعصرِ وأخيرتيِ العشاءِ] اهـ.
وقال العلامة الخطيب الشربيني الشافعي في "الإقناع" (1/ 142-143، ط. دار الفكر): [(وهيئاتُ الصلاةِ) جمع هيئةٍ، والمرادُ بها هنا ما عدا الأبعاضَ من السننِ التي لا تُجبر بالسجودِ، وهي كثيرةٌ، والمذكورةُ منها هنا (خمسةُ عشرَ خصلةٌ).. الخامسةُ: (الجهرُ) بالقراءةِ (في مَوْضِعِهِ)؛ فيُسَنُّ لِغَيرِ المأمومِ أنْ يَجْهَرَ بالقراءةِ في الصبحِ، وَأَوَلَتَيِّ العشاءين، والجمعةَ، والعيدين، وخسوفِ القمرِ، والاستسقاءِ، والتراويح، ووتر رمضان، وركعتي الطوافِ ليلًا أو وقتَ الصبحِ، (والإسرارُ) بها (في موضعهِ)] اهـ.
وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 25، ط. مكتبة القاهرة): [وجملةُ ذلكَ أنَّ الجهرَ والإخفاتَ في موضعهما منْ سُنَنِ الصلاةِ، لا تَبْطلُ الصلاةُ بتركهِ عمدًا] اهـ.
وذهب الحنفيةُ إلى القولِ بأنهُ يجبُ على الإمامِ مراعاةُ صفةِ القراءةِ من الجهرِ والمخافتةِ؛ قال العلامة السرخسي الحنفي في "المبسوط" (1/ 222، ط. دار المعرفة): [مراعاةُ صفةِ القراءةِ في كلِّ صلاةٍ بالجهرِ والمخافتةِ واجبٌ على الإمامِ] اهـ.
وعلى ذلك: فإذا أسرَّ الإمامُ في الصلاةِ الجهريةِ أو جَهرَ في الصلاة السريةِ سهوًا؛ فلا تبطلُ صلاتُه اتفاقًا، ولكن هل عليه سجودُ سهوٍ أو لا؟ خلافٌ بينَ الفقهاءِ.
فذهبَ الحنفيةُ، والحنابلةُ في روايةٍ إلى أنَّ الإمامَ إذا سَهَا فجهرَ في الصلاةِ السريةِ، أو أسرَّ في الصلاةِ الجهريةِ يكونُ عليهِ سجودُ السهوِ، وهو ما ذهب إليه المالكيةُ في غير اليسير من الجهر والإسرار؛ قال شمس الأئمة السرخسي في "المبسوط" (1/ 222): [(وإن جهر الإمام فيما يخافت فيه أو خافت فيما يجهر به يسجد للسهو)؛ لأن مراعاة صفة القراءة في كلِّ صلاةٍ بالجهر والمخافتة واجبٌ على الإمام] اهـ.
وقال الشيخ الدردير في "الشرح الصغير" (1/ 381-382، ط. دار المعارف، ومعه "حاشية الصاوي") في بيان سجود السهو: [(و) كـ (إبدالِ السرِ بالفرضِ) أي: فيه -لا في النفل- كأن يقرأ في الظهر أو العصر ولو في فاتحةٍ منهما أو من أخيرةِ المغربِ أو العشاءِ (بما زادَ على أدنى الجهرِ) سهوًا، فَإِنَّهُ يسجدُ بعدَ السلامِ؛ لأنَّ الجهرَ مكانَ السِّرِّ زيادةٌ، كما أنَّ السر مكان الجهر نقصٌ، وأمَّا لو أتى فيما ذُكِر بأدنى الجهر -بأنْ أَسْمَعَ نفسه ومَن يليه خاصة-؛ فلا سجودَ عليه؛ لخِفَّة ذلك، فتَحَصَّل أنَّ مَن تركَ الجهرَ فيما يُجهر فيه وأتى بدله بالسر فقد حصل منه نقص، لكن لا سجود عليه إلَّا إذا اقتصر على حركة اللسان، وأنَّ مَن ترك السر فيما يُسر فيه وأتى بدله بالجهر فقد حصل منه زيادة، لكن لا سجود عليه بعد السلام إلا إذا رفع صوته فوق سماع نفسه، ومن يليه بلصقه بأنْ كان يسمعه من بعد عنه بنحو صف فأكثر] اهـ.
وقال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (2/ 25): [الجهرُ والإخفاتُ -في موضعهما- مِن سننِ الصلاةِ، لا تبطل الصلاةُ بتركهِ عمدًا، وإنْ تَركَهُ سهوًا فهلْ يُشرع لهُ السجود منْ أجلهِ؟ فيهِ عنْ أحمد روايتان: إحْدَاهُمَا لا يُشرع] اهـ.
وقال القاضي أبو يعلى ابن الفراء في "المسائل الفقهية" (ص: 121، ط. مكتبة المعارف): [مسألة: واختلفت هل يسجد للسهو لأجل الإخفات في موضع الجهر، والجهر في موضع الإخفات؟
فنقل أبو داود: أنه يسجد، وهو اختيار الخرقي؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ»] اهـ.
وذهب الشافعيةُ والحنابلةُ في المعتمدِ إلى أنَّه ليس على ترك الجهر والإسرار في الصلاةِ سجودٌ للسهوِ، وهو ما ذهب إليه المالكية في اليسير من الجهر والإسرار؛ قال الشيخ الدردير في "الشرح الكبير" (1/ 279، ط. دار الفكر): [(و) لا سجودَ في (يسيرِ جهرٍ) في سريةٍ بأن أَسْمَعَ نفسه ومَن يليه فقط (أو) يسير (سِرٍّ) في جهريةٍ، والمرادُ أعلى السرِّ، ولو عَبَّر به كان أَوْلى؛ بأن أسمع نفسه فيها فقط] اهـ.
قال العلامة الدسوقي محشِّيًا عليه: [(قوله: ويسير جهرٍ أو سِرٍّ) معناه: لا سجودَ على من جَهَرَ خفيفًا في السريةِ بأنْ أَسْمَعَ نفسه ومَن يليه، ولا على مَن أَسَرَّ خفيفًا في الجهرِ بأن أَسْمَعَ نفسه فقط] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (4/ 128، ط. دار الفكر): [مذهبنا: أنَّهُ لا يُسْجَدُ لتركِ الجهرِ والإسرارِ] اهـ.
وقال العلامة البهوتي الحنبلي في "الروض المربع" (ص: 105، ط. دار المؤيد) عند كلامه على سنن الصلاة: [ومنهُ: الجهرُ والإخفاتُ والترتيلُ والإطالةُ والتقصيرُ في مَواضِعِهَا، (ولا يُشرعُ)؛ أي: لا يجبُ، ولا يُسَنُّ (السجودُ لتركهِ) لعدمِ إمكانِ التحرزِ منْ تَرْكِهِ] اهـ.
وقال القاضي أبو يعلى ابن الفراء في "المسائل الفقهية" (ص: 122): [مسألة: واختلفت هل يسجد للسهو لأجل الإخفات في موضع الجهر، والجهر في موضع الإخفات؟.. ونقل صالح وابن منصور والأثرم والمشكاتي: ليس عليه سجود، ونقل المشكاتي: إن سجد لم يضره.. فظاهر هذا أن السجود غير مسنون، وإنما هو جائز؛ لأن هذا ترك هيئة فلم يجبر كبقية الهيئات] اهـ.
والدليل على أنَّ ترك الجهر والإسرار في موضعهما ممَّا لا يُسجد لهُ للسهوِ أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فَعَل ذلكَ؛ فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم كانوا يسمعون منه النغمة في الظهر بـ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾، و﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾» رواه ابن خزيمة في "صحيحه"، والمقدسي في "المختارة".
وقد روي هذا الفعل -الجهر في الصلاة السرية- عن عددٍ من الصحابة، منهم: عمر، وعبد الله بن مسعود، وخباب بن الأرت، وسعيد بن العاص رضي الله عنهم، كما روى ابن أبي شيبة في "مصنفه"، والبيهقي في "السنن الكبرى".
وبناءً على ما سبق: فما فعلهَ الإمام في الصلاة صحيحٌ شرعًا؛ إذ إنَّ إسرار الإمام في الصلاةِ الجهريةِ، أو جهرَه في الصلاةِ السريةِ سهوًا لا تَبْطُل به الصلاة، وليس عليهِ سجود للسهوِ. والذي ننصح به أن لا تكون مِثْل هذه المسائل مثار نزاعٍ وخلافٍ بين المصلين، لا سيما وأنَّ الخلاف في مِثْل هذه المسائل سائغ، ويَسَعنا فيها الأخذ برأي أحد الفقهاء، فلا تحجير فيها ولا تضييق.