الشيخ محمد رفعت.. مشوار نوراني حافل بالعلم والنبوغ وعزة النفس
تمر اليوم ذكرى ميلاد الشيخ محمد رفعت قيثارة السماء، وصوت الآذان في شهر رمضان، والقارئ الذي تعلم منه كبار مشايخ التلاوة في مصر والعالمين العربي والإسلامي.
ويحتفظ الشيخ محمد رفعت بسيرة عطرة، ومشوار حافل بالعلم والنبوغ وعزة النفس نستعرض القليل منه في السطور التالية.
في حي "المغربلين" بالدرب الأحمر ولد الشيخ محمد رفعت في مثل هذا اليوم من شهر مايو 1882 لوالده "محمود رفعت" ضابط البوليس، وكان "محمد رفعت" –اسم مركب - مبصرا حتى سن سنتين، إلا أنه أصيب بمرض كُفّ فيه بصره.
لخدمة القرآن الكريم، وهب والده "محمود بك" ابنه "محمد رفعت" وألحقه بكتّاب مسجد فاضل باشا بـ "درب الجماميز"، فأتم حفظ القرآن وتجويده قبل العاشرة، في حين أدركت الوفاة والده - مأمور قسم الخليفة في تلك الفترة – الوفاة فوجد محمد رفعت نفسه عائلا لأسرته.
وفي سن الخامسة عشرة عُيِّن الشيخ محمد رفعت قارئًا للسورة يوم الجمعة، في المسجد المواجه لمكتب فاضل باشا فذاع صيته، وكانت ساحة المسجد والطرقات تضيق بالمصلين ليستمعوا إلى الصوت الملائكي، وعمق حبه للقرآن بدراسة علم القراءات وبعض التفاسير، واهتم بشراء الكتب، ودراسة الموسيقى الرقيقة والمقامات الموسيقية.
محمد رفعت وبتهوفن
درس الشيخ محمد رفعت موسيقى "بتهوفن"، و"موزارت"، و"فاجنر"، وكان يحتفظ بالعديد من الأوبريتات والسيمفونيات العالمية في مكتبته، وامتاز بأنه كان عفيف النفس زاهدًا في الحياة، وكأنه جاء من رحم الغيب لخدمة القرآن، فلم يكن طامعًا في المال لاهثًا خلفه.
ومن مقولاته الخالدة: "إن سادن القرآن لا يمكن أبدًا أن يُهان أو يُدان" وهي المقولة التي ضبطت مسار حياته، فقد عرضت عليه محطات الإذاعة الأهلية أن تذيع له بعض آيات الذكر الحكيم، فرفض وقال: "إن وقار القرآن لا يتماشى مع الأغاني الخليعة التي تذيعها إذاعتكم".
محمد رفعت والإذاعة المصرية
كان الشيخ محمد رفعت أول من افتتح بصوته العذب، الإذاعة المصرية الخميس في اليوم الأخير من شهر مايو عام 1934، قرأ الشيخ: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا"، وقد استفتى قبلها الأزهر وهيئة كبار العلماء عما إذا كانت إذاعة القرآن حلالا أم حراما؟ فجاءت فتواهم بأنها حلال، حيث كان يخشى أن يستمع الناس إلى القرآن وهم في الحانات والملاهي، فيما عرف عنه العطف والرحمة، فكان يجالس الفقراء والبسطاء، وبلغت رحمته أنه كان لا ينام حتى يطمئن على فرسه، ويطعمه ويسقيه، ويوصي أولاده برعايته.
محمد رفعت ومحمد عبدالوهاب
تحول منزل الشيخ رفعت إلى منتدى ثقافي وأدبيّ وفني؛ حيث ربطته صداقة قوية بمحمد عبدالوهاب، الذي كان يحرص على قضاء أغلب سهراته في منزل الشيخ بالسيدة زينب، وكثيرًا ما كانت تضم هذه الجلسات أعلام الموسيقى والفن، وكان الشيخ يُغني لهم بصوته الرخيم الجميل قصائد كثيرة، منها: "أراك عصيّ الدمع"، أما عبدالوهاب فكان يجلس بالقرب منه في خشوع وتبتل، وتدور بينهما حوارات ومناقشات حول أعلام الموسيقى العالمية.
وأصيب الشيخ محمد رفعت بعدة أمراض لاحقته جعلته يلزم الفراش، وعندما يُشفى يعاود القراءة، حتى أصيب بمرض الفُواق (الزغطة) الذي منعه من تلاوة القرآن، بل ومن الكلام أيضًا.
-تعرَّض في السنوات الثمانية الأخيرة من عمره لورم في الأحبال الصوتية، منع الصوت الملائكي النقي من الخروج، وحاول بعض أصدقائه ومحبيه أن يجمعوا له بعض الأموال لتكاليف العلاج، فلم يقبل التبرعات التي جُمعت له، والتي بلغت نحو 20 ألف جنيه.
فضَّل بيع بيته الذي كان يسكن فيه في حي "البغالة" بالسيدة زينب، وقطعة أرض أخرى؛ لينفق على مرضه، عندئذ توسط الشيخ "أبو العنين شعيشع" لدى "الدسوقي أباظة" وزير الأوقاف آنذاك، فقرَّر له معاشًا شهريًّا.
توفي الشيخ محمد رفعت يوم الاثنين 9 مايو 1950، نفس التاريخ الذي وُلد فيه، عن ثمانية وستين عامًا قضاها في رحاب القرآن الكريم.