دبي تشدّد قبضتها التنظيمية على قطاع التشفير
تشدّد دبي الرقابة على طالبي التراخيص في قطاع التشفير، في أعقاب إفلاس بورصة العملات المشفرة "إف تي إكس" (FTX) العام الماضي، حيث تطلب السلطات معلومات إضافية من مقدمي الطلبات مثل "بينانس" (Binance)، وفق ما قاله أشخاص مطلعون على الأمر.
قال هؤلاء الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم لمناقشة معلومات خاصة، إن المسؤولين في سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية، طلبوا في الأسابيع الأخيرة من "بينانس" تقديم مزيد من المعلومات حول هيكل الملكية وإجراءات الحوكمة والتدقيق.
وأضاف ثلاثة أشخاص أن سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية تطلب معلومات مماثلة من كل الشركات الدولية التي تسعى إلى الحصول على تصاريح للعمل في الإمارة.
هذا النهج الأكثر تشدداً الذي تعتمده دبي، قد يشكّل مصدر قلق للرئيس التنفيذي لـ"بينانس"، جاو تشانجبينغ، المقيم في دبي، والذي جعل الإمارة محوراً لتوسعة نشاط شركته في الشرق الأوسط، حيث يتزامن هذا التشدد مع الضغوط التي تواجه جاو من قبل الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة، وقال الأشخاص المطلعون إن الإمارة تحاول الموازنة بين تعزيز الابتكار، والحاجة إلى الإشراف المناسب على قطاع غارق في فضائح رفيعة المستوى منذ العام الماضي.
قال سام بلاتيس الرئيس التنفيذي لشركة "مينا كاتاليستس" (MENA Catalysts) التي تقدم المشورة بشأن العلاقات الحكومية لشركات التكنولوجيا المالية متعددة الجنسيات التي تتوسع في منطقة الخليج: "تريد سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية تحويل الإمارة إلى عاصمة لاقتصاد الأصول الرقمية، مع حماية علاقاتها التجارية مع الولايات القضائية الغربية مثل أوروبا، التي تتبنى المزيد من اللوائح المشددة في قطاع التشفير".
في أواخر مارس المنصرم، رفعت لجنة تداول السلع الآجلة الأمريكية دعوى قضائية ضد "بينانس" ورئيسها التنفيذي جاو، بزعم انتهاكهما للوائح تداول المشتقات، كما اتهمت الشركة بتطبيق إجراءات امتثال "زائفة"، ووصفت "بينانس" الدعوى القضائية بأنها "غير متوقعة، ومخيبة للآمال".
وقالت "بينانس" في رد عبر البريد الإلكتروني على أسئلة من "بلومبرج نيوز": "قدّمنا كل الإجابات الضرورية لسلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية، وبشكل استباقي، وبما يتماشى مع مسؤولياتنا التنظيمية والائتمانية"، وأضافت الشركة أيضاً أنها قدمت معلومات عن هيكل ملكية الكيان المحلي، والمُراجِع الخارجي.
لم يرد المتحدثون الرسميون في سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية على مكالمات ورسائل بريد إلكتروني متعددة، تطلب التعليق.
قال الأشخاص المطلعون، إن مسؤولي سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية يسعون أيضاً إلى الحصول على معلومات حول الملكية والتدقيق وإجراءات مجلس الإدارة على مستوى المجموعة العالمية في "بينانس"، ونظراً لحجم "بينانس" وهيكلها المعقّد، فإن معالجة طلبات البحث هذه تستغرق وقتاً أطول، وفقاً لاثنين من هؤلاء الأشخاص، مع الإشارة إلى أن "بينانس" لا تمتلك مقراً رئيسياً عالمياً، وبدلاً من مجلس إدارة عادي، لديها مجلس استشاري عالمي.
وتتمتع "بينانس" أيضاً بهيكل مؤسسي معقّد، مع العديد من الشركات القابضة، بما في ذلك ثلاث شركات تضمنتها الدعوى المرفوعة من لجنة تداول السلع الآجلة الأمريكية، إضافة إلى مجموعة من الكيانات المحلية.
في أوائل فبراير، قال مسؤول تنفيذي كبير إن "بينانس" كانت تعمل على تعيين مدقق حسابات لميزانيتها العمومية بالكامل، لكن كانت هناك صعوبة في إيجاد شركة قادرة على تولي العمل.
قال بعض الأشخاص إن الإمارات العربية المتحدة، اتخذت إجراءات صارمة ضد العشرات من بورصات العملات المشفرة التي تم إنشاؤها في البلاد من دون تراخيص، أشار الأشخاص إلى أن هذه الجهود تعتبر جزءاً من حملة أوسع لإخراج البلاد من "القائمة الرمادية" لمجموعة العمل المالي للسلطات القضائية التي لا تفعل ما يكفي للكشف عن الأموال غير المشروعة.
لم ترد وزارة الخارجية الإماراتية على الفور على الرسائل التي تطلب التعليق.
يُظهر سجل مزود خدمة الأصول الافتراضية العام للجهة التنظيمية، أربع شركات أخرى لديها تراخيص إضافة إلى "بينانس"، وهي: "كومينو" (Komainu)، و"هيكس تراست" (Hex Trust) و"جي سي إكستشينج" (GC Exchange) و"كريبتو دوت كوم" (Crypto.com)، وتمتلك كل من "بينانس" و"كومينو" و"جي سي إكستشينج" و"كريبتو دوت كوم"، الحد الأدنى من التصاريح الأولية للمنتجات القابلة للتطبيق، ما يعني أنها لا تستطيع حتى الآن تقديم خدمات الأصول الرقمية المنظمة محلياً في دبي.
أكدت "هيكس تراست" التي لديها ترخيص تشغيلي للحد الأدنى من المنتجات القابلة للتطبيق، أنها تلقت طلبات للحصول على معلومات إضافية حول الملكية وعمليات التدقيق وإجراءات مجلس الإدارة من سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية، وقال فيليبو بوزي، العضو المنتدب لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الشركة، في رسالة بالبريد الإلكتروني، إن ذلك لم يعرقل أو يؤخر إجراءات الحصول على تصريح، وأضاف أن سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية طلبت مثل هذه التفاصيل في المراحل الأولى من عملية التقديم للحصول على ترخيص.
بدوره، قال لوران جيروي، رئيس مكتب "كومينو" الإقليمي في دبي، في رسالة بالبريد الإلكتروني: "منذ البداية، كانت المتطلبات التنظيمية على قدم المساواة إن لم تكن أكثر صرامة مما واجهناه في ولايات قضائية أخرى في أوروبا أو آسيا"، وأضاف أن الطلب الإضافي الوحيد للمعلومات التي تلقاها، يتعلق بأي تعرض محتمل لإفلاس "إف تي إكس"، وهو ما نفته الشركة على حد قوله.
لم تعلّق كل من "كريبتو دوت كوم" و"جي سي إكستشينج" على تعاملهما مع الجهة التنظيمية.
تخطط "بينانس" لتقديم خدمة تداول العملات المشفرة في دبي من خلال كيانها "بينانس المنطقة الحرة" (Binance FZE)، والذي قالت إنه يضم مجلس إدارة ويتم تدقيقه من قبل شركة "مازارس" (Mazars). وقالت "بينانس" إن إطلاق "بينانس المنطقة الحرة" أرجئ "لأسباب تشغيلية".
يذكر أن بيانات ملكية "بينانس المنطقة الحرة" غير متاحة للجمهور في السجل الاتحادي للشركات العاملة في الإمارات العربية المتحدة.
تعمل بورصة "بينانس" على ترقية عملياتها من خلال الحصول على ترخيص تشغيلي للحد الأدنى من المنتجات القابلة للتطبيق، والذي سيسمح لها بتلبية احتياجات المؤسسات والمستثمرين المؤهلين، ومن ثم الحصول على تصريح منتج كامل للسوق، قالت سلطة دبي لتنظيم الأصول الافتراضية إن إصدار تصاريح المنتج الكامل للسوق سيبدأ اعتباراً من نهاية يونيو، وسيُسمح للشركات الحاصلة على هذا النوع من التصاريح بتقديم تداول العملات المشفرة لجميع مستثمري التجزئة.