رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

تكاليف الزلزال تفاقم مخاطر التضخم وفجوة التمويل في تركيا

نشر
مستقبل وطن نيوز

توقع خبراء تفاقم المشهد الاقتصادي في تركيا من الكارثة الإنسانية التي لحقت بالبلاد جراء تعرضها لمجموعة زلازل، إذ تشير تقديرات مبكرة للأضرار الناجمة عنها إلى تصاعد مخاطر التضخم والميزانية.

بينما من المبكر للغاية قياس تأثير الهزات الأرضية بالضبط التي وقعت الإثنين الماضي على اقتصاد البلاد الذي تبلغ قيمته 819 مليار دولار، فإن تراجع أسعار الأسهم والقفزة التي شهدتها عوائد السندات تدل على وجود مخاوف من تعرض الناتج المحلي الإجمالي لخسائر جسيمة، علاوة على إضعاف الموقف المالي للبلاد.

قرن المسؤولون سياسات اقتصادية غير تقليدية تستهدف كبح معدلات التضخم وتقليص تكاليف الاقتراض مع تدابير تستهدف تعزيز سعر صرف الليرة التركية ما وفر الحماية لها حتى الآن.

وقال نيك ستادميلر، رئيس وحدة المنتجات المالية بشركة "ميدلي غلوبال أدفايزرز" (Medley Global Advisors) في نيويورك: "يتلقى الاقتصاد التركي خسارة جراء تكاليف الكارثة الحالية في وقت يعاني فيه من ضعف الثقة فعلاً، ما يفاقم مخاطر وقوع انهيار آخر بالسوق مع الأخذ في الاعتبار مظاهر الضعف القائمة بالعملة والحساب الخارجي".

وتجاوز عدد القتلى على مستوى تركيا وجارتها سوريا 11600 حتى مساء أمس الأربعاء، بجانب آلاف آخرين من الاشخاص العالقين تحت أنقاض المباني المهدمة جراء الزلازل الذي وقع قبل يومين.

وبينما ينصب التركيز في الوقت الحالي على على إنقاذ الأرواح، إلا أن الحاجة لوضع خطط إعادة البناء قبيل إجراء الانتخابات المزمعة بمايو المقبل تضع على الأرجح حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان تحت ضغوط أكبر للإعلان عن خطط إنفاق معززة.

وبرزت فعلاً يوم الأربعاء مع زيارة أردوغان المناطق المنكوبة مؤشرات لتعديلات ستطرأ على السياسة الاقتصادية وهو ما يرجح إقرار زيادة ضخمة بطريقة واضحة في عمليات الإنفاق.

وكتبت خبيرة الاقتصاد في بلومبرغ سيلفا بهار بازيكي: "وضعنا تقديراً تقريبياً مبدئياً بأن الإنفاق الحكومي على زلازل يوم الإثنين قد يمثل 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد تزيد خطة ائتمان محتملة بدعم حكومي هذه النسبة "، ما يمثل خرقاً لأهداف الميزانية.

وتتسم مهمة وضع تقدير دقيق لتأثير الزلازل بالتعقيد نظراً لدور المنطقة المحدود بالاقتصاد التركي. ظاهرياً، تشكل الـ10 مقاطعات الأشد تضرراً من الزلازل مجتمعة جزءاً صغيراً نوعاً ما من الناتج المحلي الإجمالي.

ورغم ذلك، تعد بعض هذه المقاطعات أيضاً ظهيراً صناعياً وزراعياً يسهم بدور مهم في رخاء اسطنبول والمدن الكبرى الأخرى. أشارت شركة "أكسفورد إيكونوميكس" (Oxford Economics) إلى أن اضطرابات النشاط في الأجل قريب بالـ10 مقاطعات ستقلص مجتمعة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تترواح من 0.3% إلى 0.4%.

وأوضح حسنين مالك، وهو خبير استراتيجي بشركة "تيليمر" (Tellimer) في دبي: "ربما تكون فيضانات باكستان سابقة وثيقة الصلة بالكوارث الطبيعية الأخيرة، والتي ربما قوضت نسبة تترواح من 5% -10% من الناتج المحلي الإجمالي، كان تأثيرها السلبي على ضعف الحساب الخارجي جلياً، لكن التأثير سيكون أقل كثيراً على الأرجح بتركيا على صعيد الناتج المحلي الإجمالي، لكنه سيفاقم الضغوطات الحالية الواقعة على حسابها الخارجي وسعر صرف عملتها".

وقد يحد ذلك من توافر الغذاء ويزيد معدل التضخم في بلد يُحلق لديه مؤشر أسعار المستهلكين قرب 60%، وهو من بين أعلى المعدلات على مستوى العالم. قد تفاقم المأساة الإنسانية من سوء هذا الوضع، خصوصاً مع الأخذ بالاعتبار تأييد أردوغان لسياسة نقدية أكثر مرونة.

وكان تأثير الزلازل على الليرة خافتاً إذ ما زال سعر صرف العملة يتحرك بنطاق محدوداً حيث تتبنى السلطات تدابير داعمة لاحتواء أثر السياسة النقدية التي يعتبرها مستثمرون كثيرون تيسيرية بدرجة هائلة.

وذكر بيوتر ماتيس، كبير محللين شركة "إن تاتش كابيتال ماركتس" (In Touch Capital Markets): "لا تعد الليرة المقياس الأكثر دقة لثقة السوق نحو تركيا، نظراً لأنها ما زالت مدعومة بتدخلات خفية، وسيتعرض البنك المركزي التركي على الأرجح لضغوطات أشد من قبل إدارة أردوغان لتخفيض أسعار الفائدة لتمويل جهود التعافي من الأزمة".

وعلى صعيد مستثمري أسواق الأسهم، يسلب تراجع مؤشر "بورصة اسطنبول 100" تحوط أساسي ضد التضخم. كان المشترون المحليون يحولون أموالهم لسوق الأسهم لتخطي نمو الأسعار الجامح الذي فاق 85% على أساس سنوي بأكتوبر الماضي. توقف الانتعاش الأسعار على مدى 3 أعوام المدفوع بهذا الطلب المُلح في 2023، ما دفع المقياس لتسجيل أسوأ أداء على مستوى العالم.

وقال نيناد دينيك، محلل أسواق الأسهم بمصرف "بنك جيوليوس بير": "يضخم الزلزال من النغمة الهبوطية الكلية للأسهم التركية".

وأضاف أن التوقعات طويلة الأمد لسوق الأسهم بالبلاد ستعتمد على معدل التضخم و"سياسات أردوغان غير التقليدية" والانتخابات المقررة مايو المقبل.

وشدد سيمون كويجانو إيفانز كبير خبراء الاقتصاد بشركة "جيمكورب كابيتال مانجمنت" (Gemcorp Capital Management): "سيتطلب الأمر عدة شهور للتعرف على مدي تأثر الاقتصاد، نظراً للخسائر المباشرة وغير المباشرة غير المعلومة جراء الزلزال، وفي الأجل القريب، ستكون البلاد بحاجة لتدابير طارئة على صعيد السياسة المالية والنقدية، بدعم دولي ضروري لتوفير الاستقرار بالمنطقة عموماً".

عاجل