ما حكم لبس الكمامة الطبية للمحرم توقيًا من الأمراض؟.. «الإفتاء» تجيب
حكم لبس الكمامة الطبية للمحرم توقيًا من الأمراض هو ما يريد معرفته كل من يذهب للعمرة أو الحج، حتى لا يقع في المحظور، ما يجعل من معرفة حكم لبس الكمامة الطبية للمحرم توقيا من الأمراض أمرا مهما.
وورد إلى دار الإفتاء سؤال حول حكم لبس الكمامة الطبية للمحرم توقيا من الأمراض، وأجاب عنه دار الإفتاء باستفاضة عبر الموقع الرسمي لدار الإفتاء ليتعرف الجميع على حكم لبس الكمامة الطبية للمحرم توقيا من الأمراض
حكم لبس الكمامة الطبية للمحرم توقيا من الأمراض
سأل سائل يقول: ما حكم لبس الكمامة الطبية للمحرم توقيا من الأمراض؟
وأجاب المفتي قائلا: المحرم: هو من أهَّل بالحج أو العمرة، وعلى المحرم محظورات ينبغي أن لا يفعلها، ومن هذه المحظورات في الملبس، أنه لا يحل للرجل المحرم أن يستر جسمه -كله أو بعضه أو عضوًا منه- بشيء من اللباس المخيط أو المحيط، ويستر جسمه بما سوى ذلك، فيلبس رداءً يلفه على نصفه العلوي، وإزارًا يلفه على باقي جسمه.
والمخيط: هو كل ما يخاط على قدر الملبوس عليه، كالقميص والسراويل والبرنس. ينظر: "كشاف القناع" (2/ 407، ط. دار الكتب العلمية).
والدليل على ذلك: ما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: «لَا تَلْبَسُوا الْقُمُصَ، وَلَا الْعَمَائِمَ، وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ، وَلَا الْبَرَانِسَ، وَلَا الْخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعْلَيْنِ، فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ، وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ وَلَا الْوَرْسُ».
وأما تغطية الوجه فيحرم عند الحنفية والمالكية، وفيه الفدية؛ قال الشيخ الدردير في "الشرح الكبير على مختصر خليل" (1/ 55، ط. دار الفكر): [وحرم على الرجل ستر وجه كلًا أو بعضًا، أو رأس كذلك، بما يعد ساترًا كطين، فأولى غيره، كقلنسوة، فالوجه والرأس يخالفان سائر البدن؛ إذ يحرم سترهما بكل ما يعد ساترًا مطلقًا] اهـ.
وقال العلامة المرغيناني الحنفي في "الهداية" (2/ 142، ط. الأميرية): [ولا يغطي وجهه ولا رأسه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «لَا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ وَلَا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا»، قاله في محرم توفي، ولأن المرأة لا تغطي وجهها مع أن في الكشف فتنة فالرجل بالطريق الأولى] اهـ.
ويجوز تغطية الوجه عند الشافعية والحنابلة ولا فدية عليه؛ قال العلامة الشيرازي في "المهذب" (7/ 269، ط. دار الفكر): [ولا يحرم على المحرم ستر الوجه؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الذي خر من بعيره: «ولا تُخَمِّرُوا رأسَهُ»، فخص الرأس بالنهي] اهـ.
وقال الإمام النووي في "المجموع" (7/ 269، ط. دار الفكر): [مذهبنا أنه يجوز للرجل المحرم ستر وجهه، ولا فدية عليه وبه قال جمهور العلماء.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز كرأسه، واحتج لهما بحديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في المحرم الذي خَرَّ من بعيره: «وَلا تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ، وَلا رَأْسَهُ» رواه مسلم، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: "ما فوق الذقن من الرأس فلا يخمره المحرم" رواه مالك والبيهقي، وهو صحيح عنه.
واحتج أصحابنا برواية الشافعي عن سفيان بن عيينة عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت ومروان بن الحكم رضي الله عنهم كانوا يخمرون وجوههم وهم حرم، وهذا إسناد صحيح، وكذلك رواه البيهقي، ولكن القاسم لم يدرك عثمان رضي الله عنه، وأدرك مروان، واختلفوا في إمكان إدراكه زيدًا رضي الله عنه.
وروى مالك والبيهقي بالإسناد الصحيح عن عبد الله بن أبي بكر عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: رأيت عثمان رضي الله عنه بالعرج وهو محرم في يوم صائف قد غطى وجهه بقطيفة أرجوان.
والجواب عن حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنه إنما نهى عن تغطية وجهه؛ لصيانة رأسه، لا لقصد كشف وجهه، فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطوا رأسه، ولا بد من تأويله؛ لأن مالكًا وأبا حنيفة يقولان: لا يمتنع من ستر رأس الميت وجهه، والشافعي وموافقوه يقولون: يباح ستر الوجه دون الرأس فتعين تأويل الحديث، وأما قول ابن عمر رضي الله عنهما فمعارض بفعل عثمان رضي الله عنه وموافقيه. والله أعلم] اهـ.
وقال العلامة الرحيباني الحنبلي في "مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" (2/ 327، ط. بيروت): [وإن غطى محرم ذكر وجهَه بلا مخيط، فلا إثم ولا فدية؛ لأنه لم يتعلق به سنة التقصير من الرجل، فلم يتعلق سنة التخمير كباقي بدنه، أو وضع يده على رأسه، أو لبده بعسل وصمغ ونحوه خوف نحو غبار أو شعث، فلا شيء عليه؛ لحديث ابن عمر: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يُهِلُّ مُلَبِّدًا"] اهـ.
وحاجة المحرمين للكمامات الطبية التي تقيهم من الأمراض المعدية عن طريق النفس والهواء، ضرورة طبية لا استغناء عنها لبعضهم، فيجوز لهم أن يقلدوا القول بالجواز؛ نظرًا للحاجة الطبية، ولأن الحفاظ على النفس مقصد من مقاصد الشريعة.
كما أن لبس الكمامة للمرأة المحرمة -في العمرة أو الحج خشية العدوى من الأمراض- جائزٌ، ولا فدية عليها؛ إذ الكمامة لا تُعَدُّ لستر الوجه؛ فقد قال الإمام ابن قدامة في "المغني" (3/ 302): [وإنما مُنِعَت المرأةُ من البرقع والنقاب ونحوهما مما يُعَدُّ لستر الوجه] اهـ.
وعليه: فيجوز للمحرم لبس الكمامة الطبية، ولا فدية عليه.