ماذا عرفنا بعد 3 أيام من تطبيق سقف أسعار النفط الروسي؟
قليل من الاقتصادات الكبرى يحقق نمواً بالسرعة التي ينمو بها اقتصاد الهند. لكن الحقيقة القاتمة، وبعيداً عن الأرقام القوية نسبياً، تكمن في ارتفاع معدلات البطالة. فالدولة التي يبلغ تعداد سكانها 1.4 مليار نسمة لا توفر وظائف كافية تتناسب مع الزيادة السكانية، وهي الأزمة التي وعد رئيس الوزراء ناريندرا مودي بإعطائها الأولوية. لكن ثبت صعوبة هذا الأمر خاصة وأن القطاع الخاص أحجم عن الدخول في استثمارات كبيرة جديدة بسبب الظروف الاقتصادية السيئة. وتفاقمت التوترات في يونيو الماضي على إثر إقدام الشباب الغاضب من تردي سوق العمل على تعطيل حركة السكك الحديدية والطرق السريعة في الكثير من الولايات لأيام عديدة، حتى أنهم أضرموا النار في بعض القطارات.
1- إلى أي مدى تدهورت سوق العمل؟
يتراوح معدل البطالة بين 7% و8%، مرتفعاً من نحو 5% قبل خمس سنوات، وفقاً لمركز مراقبة الاقتصاد الهندي، وهي شركة أبحاث خاصة تنتج بيانات محدثة أكثر من الإحصاءات الرسمية. (يرجع سبب انخفاض المعدل في سبتمبر إلى 6.4% إلى الوظائف الإضافية في موسم العطلات في الهند، وهي ظاهرة سنوية، وكانت النسبة قد عادت في أكتوبر إلى 7.8%).
"تويتر" تفصل نحو 95% من موظفيها في الهند
ظل المعدل مرتفعاً على الرغم من تقلص إجمالي القوى العاملة، إذ انسحب ملايين الأشخاص المحبطين من سوق العمل، وهو الاتجاه الذي تفاقم بسبب الوباء. وبحسب مركز مراقبة الاقتصاد الهندي (CMIE) انخفض معدل المشاركة في القوى العاملة، وهو مقياس يحسب عدد الأشخاص الذين يعملون أو يبحثون عن عمل، إلى أقل من 40% بعدما كان 46% منذ 6 سنوات. ذلك بالمقارنة مع نفس المعدل في الولايات المتحدة الذي بلغ حوالي 62% من إجمالي السكان في سن العمل.
2- من أكثر المتضررين؟
النساء والشباب. حيث انخفضت نسبة النساء العاملات إلى 19% في 2020، بعد أن كانت 26% في 2010، وفقاً للبنك الدولي. وتحوّل الوضع السييء إلى أسوأ مع انتشار كوفيد، حيث قدّر مركز (CMIE) أن مشاركة النساء كقوى عاملة انخفضت إلى 9% بحلول 2022 مما يضع الهند في نفس المرتبة مع اليمن الذي مزقته الحرب.
روزا إبراهام، أستاذة الاقتصاد في جامعة أزيم برمجي في بنغالورو، تتبعت أكثر من 20 ألف شخص قبل وبعد الإغلاق الأول في الهند بسبب الوباء، ووجدت أن النساء كن أكثر عرضة لفقدان وظائفهن من الرجال، وأن حظوظهن أقل في العودة إليها بعد رفع القيود. في هذه الأثناء، ووفقاً لتقديرات المركز بلغ معدل البطالة في المناطق الحضرية وسط الفئة العمرية ما بين 20-24 سنة لكلا الجنسين 42% في أكتوبر. وبالمقارنة كانت النسبة 18% وسط الفئة العمرية ما بين 16-24 في الصين.
3- ما أسباب هذا التدهور؟
يتمثل جزءٌ كبيرٌ من المشكلة في ضعف نظام التعليم والتدريب الوظيفي في الهند، ما يعني أن الدرجات التعليمية والشهادات المحلية تعتبر غالباً عديمة القيمة عند أصحاب العمل.
الملياردير الهندي أداني يتواصل مع صناديق سيادية خليجية لجمع 5 مليارات دولار
في استطلاعات واسعة النطاق، قال أرباب العمل إن أقل من نصف خريجي الجامعات في الهند ممن يدخلون سوق العمل لديهم المهارات الضرورية أو الكفاءة لقبول طلبات توظيفهم. كثير من الباحثين عن العمل المحبطين يقررون بعد الفشل في توظيفهم مواصلة الدراسة، أو ينضمون إلى أفراد الأسرة في مزاولة الزراعة، أو ببساطة يبقون في المنزل ويعيشون على الدخول الريعية للأسرة أو المعاشات التقاعدية التي يتلقاها ذووهم المسنون، أو على التحويلات الحكومية. ينتهي الأمر بالعديد من النساء بممارسة أعمال غير مدفوعة مثل التدبير المنزلي والطهي ورعاية الأقارب المسنين والأطفال.
4- لماذا يدعو الأمر للقلق؟
الهند حالياً تتمتع بميزة الشباب، إذ لا تتجاوز أعمار نصف سكانها 30 عاماً، لكنها ستبدأ ببلوغ الشيخوخة في العقود المقبلة. وبحلول 2040، سيكون عدد السكان ممن هم فوق 59 سنة أكبر من عدد من هم في سن العمل، والخطر هو أن يشيخ السكان قبل أن تتطور البلاد وتصبح غنية بما يكفي لدعم الجميع.
ثمة أيضاً احتمال حدوث اضطرابات اجتماعية، كما بدا واضحاً من احتجاجات السكك الحديدية التي اندلعت في 2022، على خلفية نظام التجنيد العسكري الجديد الذي قصّر مدة التجنيد من 15 سنة إلى 4 سنوات، وقلل المزايا الممنوحة للمتقاعدين من الخدمة. (وعلى الرغم من ردود الأفعال العنيفة، قالت القوات الجوية وحدها إنها تلقت قرابة 750 ألف طلب التحاق بها، وهو أكبر عدد شهدته حتى الآن مقارنة بأي دورة تجنيد سابقة).
بعد بيعها لـ"تاتا".. "طيران الهند" تنظم مظهر طواقم طائراتها
جزء كبير من النمو الاقتصادي الأخير كان مدفوعاً بالإنفاق الحكومي المرتبط بالوباء، والذي تضاءل بالتزامن مع ارتفاع التضخم وخطر الركود العالمي اللذين يهددان بتحديات جديدة.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الوطنية في مايو 2024، بدأ معارضو مودي الحديث عن أزمة سوق العمل، بل وانضم بعض حلفائه أيضاً إلى هذه الأصوات.
5- ماذا تفعل الحكومة؟
أعلنت الحكومة الهندية في يونيو عن خطط لتوظيف مليون شخض بنهاية 2023 من أجل ملء الشواغر في الدوائر الحكومية، وبدأت في تسليم قرارات التوظيف في أكتوبر. إلا أن هذا بمثابة نقطة في بحر.
يقدر معهد ماكنزي العالمي أن هناك حاجة إلى خلق 90 مليون وظيفة جديدة غير زراعية بحلول 2030. شركات القطاع الخاص بما فيها شركات التكنولوجيا، والتعهيد، والشركات الناشئة التي توظف عمالة مؤقتة مثل خدمة توصيل الطعام "زوماتو" (Zomato) جميعها شاركت في إضافة وظائف جديدة، لكن بوتيرة لم تكن سريعة بما يكفي.
تقف العديد من الشركات العالمية عند أبواب الهند، حيث تمتنع عن دخولها بسبب مشكلات مزمنة مثل البنية التحتية المتهالكة والبيروقراطية، بالإضافة إلى ضعف كفاءة العمالة. ولمعالجة مسألة المهارات، سعت الهند إلى جذب مزيد من الناس إلى برامج التدريب المهني والتلمذة الصناعية، ويجري ذلك جزئياً من خلال إنشاء مسارات مهنية تبدأ بالوظائف الصغيرة وتنتهي بالتعليم العالي.
رهانات الأجانب على الأسهم الهندية تقودها لمستويات تاريخية
جرى تسويق تخفيض مدة التجنيد العسكري كوسيلة لإعادة الناس إلى سوق العمل بشكل سريع وأفضل انضباطاً. كما سعت الهند إلى جذب الشركات الصناعية للاستثمار فيها، جزئياً عن طريق الترويج لنفسها كبديل لا يعاني من التوترات السياسية كما هو الحال في الصين.
أعلنت الدولة في 2020 عن خطة بقيمة 500 مليار روبية (6.1 مليار دولار) لجذب الشركات المصنعة للهواتف المحمولة والمكونات المرتبطة بها، وخصصت حوافز مالية وعدداً من المرافق الجاهزة للاستخدام من أجل هذا الغرض. وكانت شركة "أبل" من بين الشركات المستفيدة، ومن المتوقع أن تصل صادرات أجهزة أيفون هندية الصنع إلى الضعف تقريباً في السنة المالية 2022-2033 لتصل إلى 2.5 مليار دولار. وهو ما يشكل نسبة ضئيلة مقارنة بالهواتف المصنعة في الصين.
أيضاً ثمة ضغط عائلي للحصول على وظيفة وكسب المال، فنظام التجنيد العسكري الذي أشعل احتجاجات عنيفة الشهر الماضي يسلط الضوء على أزمة البطالة التي أصابت الاقتصاد الهندي البالغ قيمته 3.2 تريليون دولار.
6- لماذا لم تستخدم البيانات الحكومية؟
استشهدت الحكومة في أبريل بما أسمته "بيانات أصلية" من وزارة الإحصاء، والتي تظهر تعافي سوق العمل. لكن الاقتصاديين وصفوا هذه الأرقام بالقديمة وغير الكافية، إذ تأتي متأخرة لعام كامل، حيث إن البيانات الرسمية للسنة التي انتهت في 30 يونيو 2021، تم إصدارها في يونيو 2022، وأظهرت أن معدل البطالة انخفض إلى 4.2% في ذلك العام من 4.8% وفق الإحصاء الرسمي، على الرغم من الإغلاق بسبب كوفيد والتباطؤ الاقتصادي.
الأسواق والباحثون الأكاديميون يفضلون الاعتماد على بيانات البطالة االقائمة على استطلاعات مركز مراقبة الاقتصاد الهندي لأنها أحدث من ناحية التوقيت وترتبط بالواقع على الأرض على نحو أفضل.
بدأت الحكومة بجهود جديدة للحصول على البيانات مباشرة من الشركات، وهي تعمل على المزيد من الدراسات الاستقصائية التي تستهدف ما يعرف بالقطاع غير الرسمي، مثل العمال المهاجرين وعمال المنازل، والذي يغطي 75% من القوى العاملة.