«ذنب يوجب الاستغفار».. حكم إلقاء بقايا الطعام في القمامة
حكم إلقاء بقايا الطعام في القمامة سأل عنه كثيرون، خاصة أن البعض لا يعرف أن حكم إلقاء بقايا الطعام في القمامة من الأمور المنهي عنها، في ظل وجود فقراء في أمس الحاجة إلى ما يأكلونه.
ونستعرض في سياق التقرير التالي حكم إلقاء بقايا الطعام في القمامة من خلال دار الإفتاء التي أجابت على سؤال حول حكم إلقاء بقايا الطعام في القامة، ورأي الدين في من يقوم بهذا الأمر.
حكم إلقاء بقايا الطعام في القمامة
في سؤال وجهه أحدهم إلى دار الإفتاء قال فيه: أقوم بإلقاء ما يتبقى من طعامي في القمامة، فهل في ذلك إثم شرعًا؟
أجابت دار الإفتاء قائلة حول حكم إلقاء بقايا الطعام في القمامة: هذا العمل فيه إثمٌ كبيرٌ وحرمةٌ بالغةٌ؛ لأنَّ الطعام من نعم الله على الإنسان فيجب صونه واحترامه، وكان يجب على السائل أن يعطيه لمَن هم في أمس الحاجة إليه، ولا ينصاع إلى شيطانه ونفسه الأمارة بالسوء الميالة إلى الشر، وعليه أن يستغفر الله من ذنبه ويتوب إلى ربه ولا يعود لمثل هذا العمل؛ لعل الله يقبل توبته ويغفر ذنبه.
حكم النفخ في الطعام
وفي ردها على سؤال يتعلق بحكم النفخ في الطعام قالت دار الإفتاء على موقعها الرسمي إن "لشريعة الإسلامية شريعة متكاملة جاءت لسعادة الدارين، وشرع الله تعاليم الإسلام وأحكامه وآدابه لينظم للإنسان كل شئون حياته -من العبادة، والمأكل والمشرب والملبس، ومواكبة الحضارة، والتعلم والتعليم-، ويرتقي بسلوك الفرد والمجتمع في ذلك كله؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللهَ بَعَثَنِي بِتَمَامِ مكارمِ الْأَخْلَاقِ، وكَمَالِ مَحَاسِنِ الْأَفْعَالِ» أخرجه الطبراني في "الأوسط".
وأضافت دار الإفتاء: من السلوكيات التي نهت الشريعة عنها النفخ في الطعام والشراب؛ فقد جاء في "مسند أحمد" عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ".
والمقصود من هذا النهي: الإرشاد إلى ترك النفخ في الطعام والشراب مخافة أن يقع فيه شيء من ريقه فيتقذر الآكل منه، وقد تقرر في الإسلام أنه "لا ضرر ولا ضرار"، وليس علة النهي نجاسة لعاب الآدمي؛ إذ من المقرر شرعًا أن لعاب الآدمي طاهر.
جاء في "شرح صحيح البخاري" لابن بطال (1/ 291): [قال المهلب: ففي أحاديث هذا الباب دليل على أن لعاب أحد من البشر ليس بنجس ولا بقية شربه، وذلك يدل أن نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن النفخ في الطعام والشراب ليس على سبيل أن ما تطاير فيه من اللعاب ينجسه، وإنما هو خشية أن يتقذره الآكل منه، فأمر بالتأديب في ذلك] اهـ.
وفي "فتح الباري" لابن حجر (10/ 94): [قَالَ الْمُهَلَّبُ: النَّهْيُ عَنِ التَّنَفُّسِ فِي الشُّرْبِ كَالنَّهْيِ عَنْ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ يَقَعُ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الرِّيقِ فَيَعَافُهُ الشَّارِبُ وَيَتَقَذَّرُهُ، إِذْ كَانَ التَّقَذُّرُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ عَادَةً غَالِبَةً عَلَى طِبَاعِ أَكْثَرِ النَّاسِ، وَمَحَلُّ هَذَا إِذَا أَكَلَ وَشَرِبَ مَعَ غَيْرِهِ، وَأَمَّا لَوْ أَكَلَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ أَهْلِهِ أَوْ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَتَقَذَّرُ شَيْئًا مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ فَلَا بَأْسَ] اهـ.
هذا، وقد ذهب السادة الحنفية إلى عدم كراهة النفخ في الطعام إلا إذا كان له صوت مثل "أف"، وهو تفسير النهي عندهم؛ جاء في "الفتاوى الهندية" (5/ 337): [فِي "النَّوَادِرِ" قَالَ فَضْلُ بْنُ غَانِمٍ: سَأَلْتُ أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى عَنِ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ هَلْ يُكْرَهُ؟ قَالَ: لَا إلَّا مَا لَهُ صَوْتٌ مِثْلُ " أُفٍّ "، وَهُوَ تَفْسِيرُ النَّهْي] اهـ.
وذهب المالكية إلى أنه لا بأس بالنفخ في الطعام إذا كان الآكل أو الشارب منفردًا؛ جاء في "الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني" (2/ 319): [(وَيُنْهَى) لِلْآكِلِ وَالشَّارِبِ عَلَى جِهَةِ الْكَرَاهَةِ (عَنِ النَّفْخِ فِي الطَّعَامِ، وَ) عَنِ النَّفْخِ فِي (الشَّرَابِ)؛ خَوْفَ إصَابَةِ رِيقِهِ لِلْبَاقِي، وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ النَّهْيِ؛ فَقِيلَ: لِإِهَانَةِ الطَّعَامِ، وَعَلَيْهِ: فَيُكْرَهُ النَّفْخُ فِيهِ وَإِنْ أَكَلَ وَحْدَهُ، وَقِيلَ: لِئَلَّا يُصِيبَ رِيقُهُ الْبَاقِيَ فَيُؤْذِيَ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ: فَمَحِلُّ النَّهْيِ إذَا كَانَ مَعَهُ غَيْرُهُ] اهـ.
ويرى الحنابلة عدم كراهة النفخ في الطعام إذا كان حارًّا وكانت هناك حاجة إليه قبل أن يبرد؛ جاء في "الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" للمرداوي (8/ 328): [وَقَالَ الْآمِدِيُّ: لَا يُكْرَهُ النَّفْخُ فِي الطَّعَامِ إذَا كَانَ حَارًّا. قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ إنْ كَانَ ثَمَّ حَاجَةٌ إلَى الْأَكْلِ حِينَئِذٍ، وَيُكْرَهُ أَكْلُ الطَّعَامِ الْحَارِّ؛ قُلْت: عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ] اهـ.