«فورين بوليسي»: وجود نظام عملة بديلة للدولار أصبح أمرا بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى
ذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن العقوبات المالية التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا في أعقاب عمليتها العسكرية في أوكرانيا، أظهرت مدى النفوذ المالي لواشنطن، خاصة عندما تتعاون مع شركائها الأوروبيين، وكشفت عن أن وجود نظام عملة بديلة للدولار الأمريكي أمر بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.
وقالت المجلة - في تقرير لها -"إنه إذا كانت صادرات الدولة أكثر من وارداتها فإنها تمتلك احتياطيات ضخمة من العملات الأجنبية، مثل روسيا التي تمتلك 500 مليار دولار احتياطي نقدي، وبالتالي لا يوجد سبيل آخر للاحتفاظ بعائدات الصادرات إلا في صورة الدولار أو اليورو.. وعندما تضطر تلك الدولة إلى الدخول في صراع؛ فإنها ستقع تحت سطوة النفوذ المالي للولايات المتحدة الأمريكية وشركائها في حلف شمال الأطلسي "ناتو"، الذي كشف عن نفسه كقوة مالية".
ونوهت بأن روسيا نجحت حتى الآن في النجاة من العاصفة، لكنها للقيام بذلك، تحتم عليها إغلاق نظامها المالي في وجه العالم الخارجي؛ حيث قلصت وارداتها إلى نحو نصف مستواها قبل الأزمة مع أوكرانيا.
وأضافت: "عندما طُبقت العقوبات كانت بمثابة صدمة لروسيا، وأثارت تساؤلات حول مدى استمرارية النظام النقدي الذي يمنح الولايات المتحدة مثل هذه القوة أحادية الجانب، لاسيما وأن دولا مثل روسيا والصين والهند بات من المؤكد أنها ستتطلع إلى بناء نظام عملة بديل"، لافتة إلى أنه رغم أن مثل هذا النظام البديل من شأنه أن يضمن الاستقلال عن النفوذ المالي للولايات المتحدة؛ إلا أن الأمر قد يستغرق سنوات، إن لم يكن عقودا، حتى يكون معمولا به على نطاق واسع.
وتابعت: "بعد مضي 6 شهور على انطلاق العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وما أعقبها من تداعيات على الاقتصاد العالمي، يبدو أن وجود نظام عملة بديلة بعيدة عن نفوذ الدولار الأمريكي أمرا بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى".. كما لفتت إلى أنه مع تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، أصبحت أسعار السلع الأساسية أعلى من ذروتها، ومازال هناك طلب هائل على النفط والغاز والفحم، إلا أن سلعا أخرى مثل خام الحديد أصبحت زهيدة السعر. وبينت المجلة أن الصين خلافا لتأكيد هيمنتها، في مثل هذه الظروف، كمركز بديل للاقتصاد العالمي، تعاني نزيفا لرأس المال الأجنبي بمعدل أسرع حتى من الذي عانت منه خلال أزمة عام 2015 - 2016.
وفي ظل غياب منافس لنظام الدولار الأمريكي، فإن ما يهيمن على دورة الأخبار الاقتصادية العالمية منذ منتصف عام 2022 هو الوجه الآخر لقوة أمريكا المالية، والمتمثلة في تشديد سياسة الاحتياطي الفيدرالي لكبح جماح التضخم لديها (الأعلى منذ أكثر من 40 عاما)؛ الأمر الذي من شأنه تغيير الظروف التي يعمل في ظلها الاقتصاد العالمي بأسره، وخفض قيم العملات ورفع أسعار الفائدة (لدى الاقتصادات العالمية الأخرى).
وأشارت إلى أن نظام الدولار هو عبارة عن شبكة تجارية ومالية في الأساس، وتلعب القوة السياسية والعسكرية جزءا من ترسيخ الهيمنة العالمية للدولار؛ لذلك من الصعوبة بمكان تصور المكانة التي تحظى بها ديون الخزانة الأمريكية في الاقتصاد العالمي دون دعم من قبل القوة العسكرية الأكثر هيمنة في العالم، لكن الدافع الأكثر غرابة لاعتماد الدولار كعملة رئيسية للتجارة والتمويل، هو أن السيولة بالدولار وفيرة ورخيصة كما أن العملة مقبولة عالميا، ولذلك فإن ما يقرب من 90% من جميع تداولات العملات حول العالم تتضمن الدولار كأحد العملات التي يتم تبادلها، والذي سجل معدل تبادل يومي مقداره ستة تريليونات دولار قبل جائحة فيروس كورونا المستجد.
واستطردت "سواء كانت هناك حرب باردة جديدة مع الصين أو روسيا أم لا توجد حرب باردة من الأساس، فإن الزيادة المفاجئة غير المتوقعة في أسعار الفائدة الأمريكية، التي بدورها تشدد شروط الائتمان وتعزز الدولار، ترسل صدمة هائلة القوة عبر تلك الشبكة الكاملة من المعاملات التجارية القائمة على الدولار".
ورأت المجلة أن ارتفاع الدولار يؤدي، بطبيعة الحال، إلى وجود رابحين وخاسرين، خاصة في ظل انخفاض قيمة العملات الأخرى بشكل نسبي، لكن آثار ارتفاع الدولار لا تعوضها آثار انخفاض قيمة العملات الأخرى بسبب انتشار الدولار في كل مكان، ويرجع ذلك إلى حجم القروض المستحقة بالدولار التي تصل قيمتها إلى تريليونات في جميع أنحاء العالم، ولذلك تواجه الدول المدينة رسوم خدمة ديون مؤلمة، كما أن ارتفاع الدولار يرفع التكلفة العالمية للصادرات المسعرة بالدولار، مما يجعلها أقل قدرة على المنافسة.. وبشكل عام، يُعتقد أن ارتفاع الدولار بنسبة 1% سيقضي على حوالي 0.7% من التجارة العالمية في غضون عام.
كما لفتت إلى أنه يمكن رؤية التداعيات الفعلية لارتفاع قيمة الدولار على العملات الأخرى، فعندما بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة منذ منتصف عام 2021، ارتفع الدولار، بالتالي بنسبة 15% مقابل العديد من العملات، وانخفضت قيمة اليورو والين إلى مستويات غير مسبوقة.
واختتمت المجلة تقريرها بالقول "إنه إذا أرادت هذه البلدان تجنب انخفاض قيمة عملاتها وما يترتب على ذلك من ارتفاع في أسعار الواردات، فإن الخيار الوحيد أمامها هو مواكبة ارتفاع أسعار الفائدة الفيدرالية.. ونتيجة لذلك، شهد العام الجاري تشديدا متزامنا غير مسبوق لسياسات البنوك المركزية في عدة دول متقدمة، وكذلك ذات الأسواق الناشئة".
وأكدت أن ما كشف عنه العام الجاري، هو أن نظام الدولار يتمتع بالمرونة والقوة التي يتمتع بها، لأنه متجذر بعمق وتدعمه المصالح التجارية والجيوسياسية، كما أنه يحافظ على نفسه في المقام الأول بسبب مرونة الاقتصاد الأمريكي وأسواقه المالية الديناميكية.