حكم العطور في رمضان والأحكام المُتعلّقة بالروائح في الشهر الكريم
حكم العطور في رمضان هو ما يبحث عنه الكثيرون خوفا من إفساد الصوم، وتحري الدقة في الطاعة، ما يجعل من حكم العطور في رمضان أهمية كبيرة لدى السائلين.
ويختلف حكم العطور في رمضان وفقا لاختلاف أنواع العطور، وكذلك يختلف حكم العطور في رمضان حسب آراء الفقهاء خاصة في أنواع معينة من العطور كما يتضح في سياق التقرير التالي:
حكم العطور في رمضان
تختلف العطور من حيث تركيبها، وطبيعتها، ما جعل الآراء الفقهية تتعدد تبعاً لاختلاف الأنواع العطور كما يلي:
العطور التي يدهن بها الإنسان جسده
وهي العطور الزيتيّة التي يضعها الإنسان على جسده، ويشعر أحياناً بوجود طعم لها في حلقه، وهذا النوع من العطور يجوز للصائم استخدامه، ولا يفسد به الصوم؛ لأنّ الطعم الذي يلحظه الصائم هو أثر لذلك العطر، وليست المادّة العطرية نفسها، كما أنّ هذه المادة دخلت إلى جسد الصائم عن طريق مَسامّ الجلد، وقد ذهب فقهاء المذاهب الأربعة إلى عدم اعتبار الواصل إلى جسد الصائم عن طريق مَسامّ الجلد من المُفطِرات؛ وذلك لعدم وصول عين المادّة العطرية إلى جوف الصائم عن طريق منفذ مُعتبَر من منافذ الجسم.
العطور الطيّارة
وهي العطور السائلة التي يتطاير رذاذها عند رشّها على جسد الإنسان، ولا يفسد الصوم باستخدام هذا النوع من العطور على البدن، والثياب، إلّا أنّه يُشترَط في هذا النوع من العطور ألّا يتعمّد الصائم تقريب رذاذ العطر من أنفه وفمه عند رشّه على جسمه؛ وذلك ليتجنّب الصائم دخول شيء من رذاذ العطر إلى جوفه، ولا بأس بشَمّ الصائم للعطر بعد رشّه على بدنه، ولا يُعَدّ ذلك مُفسِداً لصومه؛ لانتفاء دخول شيء من جزيئات العطر إلى جوف الصائم، وهذا مذهبُ الحنفية والمالكية، وهو كذلك يوافق قواعد الشافعية والحنابلة في المسألة؛ وذلك لانتفاء دخول عين المادّة العطرية إلى جوف الصائم، وهذا ما يفتي به كثير من أهل العلم المعاصرين، مثل: الشيخ ابن عثيمين، والدكتور صالح الفوزان، وغيرهما.
العطور التي تُستخدَم عن طريق إحراقها
وهي العطور التي تعتمد على الاحتراق؛ لإخراج رائحتها، كالبخور، وكذلك بعض أنواع العطور السائلة، واستخدام هذا النوع من العطور من قِبل الصائم لا يُفسد صومه إلّا إذا تعمّد استنشاق الدخان، وإدخاله إلى جوفه؛ وذلك لاحتواء رذاذها على أجزاء تنتج عند احتراقها، كدخان النار، ولا يفسد الصوم إذا لم يتعمّد الصائم جذب الدخان وإدخاله إلى جوفه، وقد ذهب بعض الفقهاء المعاصرين، كالشيخ محمد بن صالح العثيمين، والدكتور صالح الفوزان إلى جواز استعمال البخور إذا لم يتعمّد الصائم استنشاقه وجذبه إلى جوفه.
الأحكام المُتعلّقة بالروائح في رمضان
ذهب فقهاء المالكية إلى اعتبار الصيام فاسداً إذا تعمّد الصائم استنشاق الروائح المنبعثة من الأوعية التي يُطبخ فيها الطعام بشرط وصول بخار الطعام إلى حلق الصائم، وهذا الحُكم سواء فيمَن باشر صنع الطعام، أو غيره من الصائمين، أمّا إن وصلت رائحة الطعام إلى حلق الصائم من غير تعمُّد، فإنّ صيامه صحيح، ولا قضاء عليه، والأحوط لمَن يباشر صنع الطعام أن يتحرّز من استنشاق روائح الأطعمة التي تُطبخ حسب استطاعته، كأن يضع شيئاً يمنع وصول الرائحة إلى أنفه أو فمه إن أمكنه ذلك.
ذهب الشافعية إلى أنّ استنشاق الصائم للروائح الصادرة عن الطعام الذي يُطبَخ غير مُفسد للصيام ولو تعمّد الصائم ذلك؛ وحجّتهم في ذلك أنّ الروائح لا تُعَدّ أعياناً في عُرف الناس، وحصول الطعم في حلق الصائم مُرتبطٌ بوجود الأعيان، أمّا إذا وُجِدت مع البخار المُتصاعد من وعاء الطعام أعيان، فإنّ الصيام يفسد بوصوله إلى الحلق.
الأدخنة والأبخرة
ظهرت في العصر الحديث العديد من الصناعات المختلفة والتي ينتج عن بعضها تصاعدٌ لأنواع من الأبخرة والأدخنة، وتعرُّض العامل المسلم لهذه الأدخنة أثناء صومه واستنشاقه لها لا يُعَدّ مُفسِداً للصوم؛ لحصول ذلك من غير اختيار من العامل، ولعدم قدرة العامل على التحرُّز منها أثناء العمل، كأن يكون عمل الصائم في مصنع ينبعث منه دخان كثيف، أو يتعرّض العامل في طريقه للأبخرة والأدخنة، أو يكون الصائم من رجال الإطفاء الذين يتعرّضون للأدخنة أثناء أدائهم لواجبهم في إطفاء الحرائق.
واتفق العلما على أنّ الصائم يفسد صومه بتعمّد فعل ذلك، أمّا ما لا يستطيع الإنسان تجنُّبه، فإنّه لا يُعَدّ مُفسِداً لصومه، كالغبار المُنتشِر في الطرقات، وكذلك بخار الطعام عند طبخه، والدخان، ودخول الذباب إلى حلق الصائم، فلا يفسد الصوم بشيءٍ من ذلك إلّا إذا تعمّده الإنسان.
الأكسجين الاصطناعيّ
يضطر بعض الناس ممّن أُصيبوا بأمراض في الجهاز التنفُّسي إلى استخدام الأكسجين الاصطناعي أثناء فترة الصيام، كما يُستخدَم التنفُّس الاصطناعيّ عند انخفاض الضغط الجوي في رحلات الطيران، وقد قرّر الأطباء أنّ الأكسجين الاصطناعيّ لا يتكوّن من أيّة موادّ، أو أدوية، أو موادّ مُغذّية مُضافة إليه، وعليه فلا يفسد الصيام باستخدام الأكسجين الاصطناعي؛ وذلك لعدم احتوائه على موادّ تدخل في تركيبه، وإنّما هو هواء مضغوط ينتقل إلى الجهاز التنفُّسي.
وذهب جمهور أهل العلم إلى اشتراط دخول الأعيان ووصولها إلى جوف الصائم حتى يفسد صومه، وقد أفتى بجواز استعماله مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والمُنظّمة الإسلامية للعلوم الطبية في ندوتها التاسعة،[٥] وتجدر الإشارة إلى أنّ الصوم يفسد إذا أُضِيفت إلى الأكسجين إحدى الموادّ العلاجية التي تتكوّن من أجزاء مادّية؛ لكونها أعياناً وصلت إلى جوف الصائم عن طريق مَنفذ مُعتاد.