حكم الحجامة في رمضان وفق المذاهب الأربعة
حكم الحجامة في رمضان هو ما يبحث عنه كثيرون ممن يرغبون في اللجوء إليها ولا يعرفون حكم الحجامة في رمضان، هل هي من الأمور التي تتسبب في افساد الصوم، أم أنها مشروعة في رمضان.
إذا كانت الحجامة من الوسائل العلاجية المباحة في الإسلام، فإن حكم الحجامة في رمضان يختلف وفق تعدد المذاهب، ما نستعرضه في سياق التقرير التالي
حكم الحجامة في رمضان
حكم الحجامة في رمضان متعدد وفق المذاهب الأربعة ولكنه ينحصر بين أمرين:
الحِجَامة لا تُفسِد الصيام
قال كلٌّ من الشافعيّة، والحنفيّة، والمالكيّة بأنّ الحِجَامة لا تُفسد الصيام؛ وعلّل الحنفيّة ذلك بأنّ الحِجَامة مثل شَقّ الوريد، وإخراج الدم، أو سحبه منه؛ لتحليله، ولا يُمكن أن يكون ذلك الدم كدم الحيض والنفاس المُفسدَين للصيام، كما لا يُمكن وصول شيءٍ إلى الجوف بذلك، أو قضاء شهوةٍ ما.
وصرّح الحنفيّة أيضاً بعدم كراهة الحِجَامة للصائم،[ وعلّل المالكيّة قَولهم بأنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يحتَجِم وهو صائمٌ، وباعتبارهم أنّ الدم الخارج من الحِجَامة يُقاس على دم الرُّعاف؛ أي أنّه لا يُوجب الغُسل، كما أنّ الدم لا يُفسد الصيام إن خرج بسبب جراحةٍ ما؛ والحِجَامة جراحةٌ، إضافة إلى أنّ النبيّ رخّصَ للصائم في الحِجَامة بعد قوله بإفسادها للصيام.
أمّا الشافعيّة؛ فقالوا بكراهة الحِجَامة للصائم، مع قولهم بأنّها لا تُفسد الصيام؛ لِما ورد من احتجام النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وإباحته لها للصائم بعد مَنْعها له.
الحِجَامة تُفسد الصيام
قال الحنابلة بأنّ الحِجَامة تُفسد الصيام على حَدّ سواءٍ للحاجم، والمُحتجم، ويتوجّب على كلٍّ منهما القضاء، وأضافوا بأنّ ذلك قَوْل عليّ بن أبي طالب، وعبدالله بن عباس، وأبي هريرة، وأمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنهم-، وقال بأنّ ما ورد من احتجام النبيّ -عليه الصلاة والسلام- وهو صائمٌ منسوخٌ.
تعريف الحجامة
الحِجَامة (بالإنجليزية: Cupping Therapy) شكلٌ قديمٌ من أشكال العلاجات البديلة التي ظهرت في الثقافات المصرية القديمة، والصينية، والشرق أوسطيّة، وتتمّ من خلال وضع كؤوسٍ خاصّةٍ على أماكن مُعيَّنةٍ من الجلد، ثمّ يتمّ تطبيق الشَّفْط لبضع دقائق، وغالباً ما يلجأ الأشخاص إلى الحِجَامة؛ للمساعدة في تخفيف الألم، أو زيادة سرعة تدفُّق الدم، أو للاسترخاء، وتدليك أنسجة الجسم بشكلٍ أكثر فعاليّةٍ.
وهناك عدّة أنواعٍ للحِجَامة، تُذكَر منها: الرطبة، والجافّة، ويتمّ في كلا النوعَين وضع مادّةٍ قابلةٍ للاشتعال داخل الكؤوس؛ بهدف تسخينها، مثل: الكحول، أو الأعشاب، أو الورق، ثمّ يتمّ إشعالها، ويُزال مصدر الاشتعال، وتُقلَب الكؤوس رأساً على عَقْب فوق الجِلد، وحين يبرد الهواء داخل الكأس، فإنّه يخلق فراغاً يُؤدّي إلى ارتفاع الجِلد، واحمراره؛ نتيجة عملية الشَّفْط، ثمّ تُترَك الكؤوس على الجِلد بضعَ دقائق.
وتختلف الحِجَامة الرطبة عن الجافّة؛ كَوْنها تتضمّن تطبيق الكؤوس على الجِلد مدّة ثلاث دقائق، ومن ثمّ تُزال الكؤوس، وتُصنَع خُدوشٌ سطحيّةٌ صغيرةٌ على الجِلد قبل بَدء الشَّفْط مرّةً أخرى، فيُزال بعض دم الشخص أثناء الحِجَامة، وعادةً ما تترك الحجامة كدماتٍ مُستديرةٍ على الجِلد؛ نتيجة عملية الشَّفْط.
مشروعية الحِجَامة في الإسلام
- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (أنَّه سُئِلَ عن أجْرِ الحَجَّامِ، فَقَالَ: احْتَجَمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، حَجَمَهُ أبو طَيْبَةَ، وأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِن طَعَامٍ، وكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عنْه، وقَالَ: إنَّ أمْثَلَ ما تَدَاوَيْتُمْ به الحِجَامَةُ، والقُسْطُ البَحْرِيُّ وقَالَ: لا تُعَذِّبُوا صِبْيَانَكُمْ بالغَمْزِ مِنَ العُذْرَةِ، وعلَيْكُم بالقُسْطِ).
- عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: (احْتَجَمَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، فأمَرَ له بصَاعَيْنِ مِن طَعَامٍ، وَكَلَّمَ أَهْلَهُ، فَوَضَعُوا عنْه مِن خَرَاجِهِ، وَقالَ: إنَّ أَفْضَلَ ما تَدَاوَيْتُمْ به الحِجَامَةُ، أَوْ هو مِن أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ).
- قال النبيّ -عليه الصلاة والسلام- فيما أخرجه الإمام البخاريّ عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-: (إنْ كانَ في شيءٍ مِن أدْوِيَتِكُمْ - أوْ: يَكونُ في شيءٍ مِن أدْوِيَتِكُمْ - خَيْرٌ، فَفِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أوْ لَذْعَةٍ بنارٍ تُوافِقُ الدَّاءَ، وما أُحِبُّ أنْ أكْتَوِيَ).
- لا خلاف عند أهل العلم أنّ الحجامة عمل مباحٌ، ولكنّ كثيراً من المحقّقين ذهبوا إلى أنّ الحجامة لا تعدّ سنّة في ذاتها، أما إذا كانت بدافع الوقاية من المرض أو التّعافي من سقم؛ ففي هذه الحال تكون سنّة، لما جاء في الحديث النبوي من الدعوة إلى التّداوي، حيث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يا عبادِ اللهِ تداوُوا، فإن اللهَ لم يضعْ داءً إلا وضعَ له شِفاء -أو دواء- إلا داءً واحدًا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ وما هُوَ؟ قال: الهرمُ).
أمّا فيما يتعلّق باحتجام النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، فإنّ ذلك من الأفعال الطبيعيّة، كالأكل، والشُّرب، والجلوس، والقيام؛ أي أنّها مباحةٌ وليست سُنّة، فالحِجَامة مباحةٌ؛ لأنّها شُرِعت بِفعْل النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لها.
والحِجَامة من الوسائل التي تمّ استخدامها للعلاج زمن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، ويُضاف بأنّها ليست عبادةً من العبادات، والألفاظ التي استُخدِمت في الأحاديث الواردة عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- تختلف من حديثٍ إلى آخر، وبناءً على ذلك فالحِجامة إحدى الوسائل فقط.
وربط العلماء بين العلاج بالحجامة، والعلاج بمجموعةٍ مُتنوّعةٍ من الفوائد الصحّية التي تعود على مُستخدميها، مثل: تخفيف آلام أسفل الظَّهر والرقبة، وعلاج حَبّ الشباب، والهيربس النطاقيّ (بالإنجليزية: Herpes zoster)، وعلى الرغم من ذلك، لا يزال الأمر يحتاج إلى المزيد من الدراسات والأبحاث عالية الجودة والتي تُؤكّد فعاليّتها حسب ما أشار إليه المركز الوطنيّ للصحّة التكميليّة والتكامُليّة.