بعد إهانة دبلوماسية أمريكية.. خبير: واشنطن لم تستخدم أدواتها للتعامل مع الصين
الشد والجذب من سمات العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، ورغم المحاولات الحثيثة لتحسين العلاقات بين الدولتين، تطفو على السطح من حين لآخر، تصرفات على مختلف المستويات لا يمكن إغفالها، وكان أحدثها ما شهدته زيارة نائبة وزير الخارجية الأمريكي، ويندي شيرمان، أخيرا، للصين.
وتعمدت الصين مرة أخرى إهانة الدبلوماسيين الأمريكيين، وشهدت الإهانة هذه المرة مدينة تيانجين الصينية في 26 يوليو الماضي.
وكانت الضحية هي شيرمان، التي تعتبر أرفع مسئولة في إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تزور الصين.
وقال الباحث والكاتب الأمريكي، جوردون ج. تشانج، أحد كبار زملاء معهد جيتستون للأبحاث والدراسات السياسية وأحد أعضاء مجلسه الاستشاري، إن بكين استغلت الاجتماع مع شيرمان مثلما استغلت الاجتماع الذي يعد سيئ السمعة الآن، الذي عُقد في شهر مارس الماضي في انكوراج، بولاية ألاسكا الأمريكية، ليس من أجل التعاون مع الولايات المتحدة، ولكن لتشن حملة دعاية ضد واشنطن.
واتهم نائب وزير الخارجية الصيني، شيه فنج، على سبيل المثال، بشكل علني الولايات المتحدة بأنها تحاول القضاء على النظام الصيني. وقال: «هناك حملة من جانب حكومة بأكملها، ومجتمع بأكمله، يتم شنها لإسقاط الصين»، وفقاً لما ذكرته صحيفة «تشاينا ديلي» خلال زيارة شيرمان.
وذهب شيه إلى أبعد من ذلك، حيث سلم شيرمان خلال اجتماعهما قائمتين تحتويان على ما تم وصفهما بمطالب بكين.
وقالت صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست»، التي تصدر في هونج كونج، إن «الصين أعطت للمرة الأولى الولايات المتحدة قائمة بخطوط حمراء وإجراء تصحيحي يتعين عليها اتخاذه لإصلاح العلاقات».
ولم يكن من قبيل المصادفة أن يتم اختيار شيه لمهمة مواجهة شيرمان.
وذكر تشانج أن بكين كانت قد عرضت في بادئ الأمر على الدبلوماسية الأمريكية، التي كانت على وشك القيام برحلة إلى اليابان وكوريا الجنوبية ومنغوليا، الاجتماع مع شيه الرجل الخامس في الترتيب الهرمي في وزارة الخارجية.
ورداً على ذلك ألغت وزارة الخارجية الأمريكية التوقف في الصين، بسبب هذه الإهانة المتعمدة لشيرمان، التي تحتل المرتبة الثانية في الوزارة.
ووافق الجانب الأمريكي على عقد اجتماع في الصين، فقط بعدما عرضت بكين اجتماعا لشيرمان مع وزير الخارجية وانج يي، وهو الرجل الثاني في النظام الصيني، والذي يعد نظيرا لشيرمان.
والتقت شيرمان بالفعل مع وانج، ولكن بعد ذلك حذفت بكين هذه الحقيقة المهمة في بياناتها الدعائية؛ حيث ذكرت فقط أن شيرمان التقت مع شيه فنج.
وجاءت هذه الإهانة انعكاساً لمحاولة بكين إهانة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في وقت سابق العام الجاري.
ويقول تشانج إن الرئيس، جو بايدن، مخطئ بصفة خاصة لمنحه الصينيين، بدون داع، فرصة للتمتع بنفوذ.
وقال يوجيش جوبتا، وهو دبلوماسي هندي سابق، ومتخصص في العلاقات الهندية الصينية، لصحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست»، في إشارة إلى اجتماع شيرمان: «الزعماء الصينيون يعطون الانطباع بأن الولايات المتحدة تسعى للحصول من الصين، على ما هو أكثر مما تسعى الصين للحصول عليه من واشنطن».
وأضاف «هذه المرة، الأمريكيون كانوا في موقف الدفاع، حيث ظلوا يسعون للحصول على تعاون بكين، بشأن مجموعة من القضايا، تشمل تغير المناخ، وكوريا الشمالية، وإيران وأفغانستان وغيرها، مؤكدين أن الولايات المتحدة لا تسعى للدخول في صراع».
وعلى مدى عقود، لم يستخدم الرؤساء الأمريكيون الأدوات التي تحت تصرفهم في التعاملات مع بكين؛ بل على العكس، أعطى معظمهم قادة الصين بصورة أساسية حق النقض (الفيتو) بشأن السياسة الأمريكية، من خلال القول إن التعاون الصيني شيء جوهري للغاية.
وتابع تشانج أن الصينيين في الحقيقة ليسوا بهذه الدرجة من الأهمية، ولا يتعين على الزعماء الأمريكيين أن ينصتوا إليهم؛ فإذا تم النظر إلى اقتصادهم، سنجد أنه في العام الماضي أصبحت الصين أكثر اعتمادا على الصادرات، وماتزال تعتمد بشكل استثنائي على الوصول إلى السوق الأمريكية.
وفي عام 2020، سجل الفائض التجاري للصين مع الولايات المتحدة نسبة مذهلة بلغت 58% من إجمالي فائضها التجاري.
وعلاوة على ذلك، أصبحت الأسواق المالية الصينية أكثر اعتمادا على رأس المال الأجنبي، بسبب هجوم الرئيس الصيني شي جين بينج الشديد على قطاع التكنولوجيا في بلاده.
وبدأ شي المرحلة الأحدث من هجومه على مدى شهور بالوقف غير المسبوق في اللحظة الأخيرة للطرح الأولي لشركة «آنت غروب» في شهر نوفمبر الماضي، والذي كان من المقرر أن يكون الأكبر في العالم بقيمة 39.5 مليار دولار.
وفي العام الجاري، أزال شي أكثر من 140 مليار دولار من قيمة عمالقة التكنولوجيا الصينية المسجلة في بورصات أمريكية خلال الأسبوع الأخير من شهر يوليو فقط، ويعتقد معظم المحللين أن هذه المذبحة ستستمر.
ونتيجة لذلك، فإن الصين تفتقر إلى المال وفي حاجة إلى نقد أجنبي لتعوّض ما تمت خسارته بالفعل، وما ستتم خسارته، بينما يواصل شي تقويض شركات التكنولوجيا العملاقة في بلاده.
ويستطيع بايدن استخدام سلطاته الكبيرة بموجب قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية لعام 1977، أو إذا كان أكثر جسارة، قانون التجارة مع العدو لعام 1917، لوقف التجارة مع الصين ومنع ضخ الاستثمارات في الأسواق الصينية، ما ينهي إلى الأبد بشكل قاطع التهديد الذي تشكله الصين.
وفشلت محاولات بايدن لإقامة علاقة عمل مع الصين، كما يظهر ذلك بجلاء اجتماع شيرمان في الصين، وأن افضل وسيلة لاتباعها تجاه نظام الصين هي عدم التعامل معه.
ووفقا لتشانج، لا معنى من تقوية الصين بالموارد الأمريكية، بصفة خاصة، عندما لم تظهر بكين اهتماما بإجراء حوار أو إقامة علاقة بنّاءة مع واشنطن، ولم يعد شي جين بينج يرغب في تقبل أمريكا، أو الوصول لحلول وسط مع الأمريكيين.
واختتم تشانج تقريره بقوله، إن ويندي شيرمان أدركت لتوّها أن دبلوماسيي الصين نصبوا كمينا لها، ويجب أن يكون هناك رد على ذلك، وحان الوقت لأن نقول لبكين «كفى».
الصينيون ليسوا على درجة كبيرة من الأهمية، ولا يتعين على الزعماء الأمريكيين أن ينصتوا إليهم. فإذا تم النظر إلى اقتصادهم، سنجد أنه في العام الماضي أصبحت الصين أكثر اعتمادا على الصادرات، وماتزال تعتمد بشكل استثنائي على الوصول إلى السوق الأمريكية.
الصين تفتقر إلى المال وبحاجة إلى نقد أجنبي لتعوض ما تمت خسارته بالفعل، وما ستتم خسارته، بينما يواصل شي تقويض شركات التكنولوجيا العملاقة في بلاده.