أساطين التلاوة | السعيد عبد الصمد الزناتي.. صاحب المدرسة الفريدة في القراءة

لم يأخذ القارئ الشيخ السعيد عبد الصمد الزناتى حقه في الاذاعة المصرية إلا أن سيرته وموهبته وعبقريته تتناقلها الأجيال، استطاع أن يأخذ مكانه فى صفوف عمالقة القراء، وذاع صيته كقارئ محبوب متقن مميز مبدع ومبتكر بين جميع محافظات مصر، وتعرف عليه المشاهير حبا في شخصيته الفريدة التي غلفها الحب والاحترام وقوة الشخصية وقدرته ومواهبه، صاحب مدرسة متميزة فريدة لها لونها الخاص، تخرج فيها أساتذة عباقرة.

ولد الشيخ السعيد عبد الصمد الزناتي، في قرية "القيطون" مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية في شهر أبريل عام 1927 في بيت بسيط متواضع وأسرة يحفظ عائلها القرآن الكريم وهو الشيخ عبد الصمد الزناتي.

نذر الأب ابنه السعيد عبد الصمد الزناتي لحفظ كتاب الله وظل يرقب نموه متمنيا من المولى عز وجل أن يحفظه بعنايته ويرعاه، وعندما بلغ سن الرابعه بدأ معه والده يقرأ القران وكانت بداية فيها رأفة ورحمة فلقنه كلمات قرأنيه من قصار سور القران ليختبر ذكاءه ويقف على ناصية موهبته برفق حتى لا يصعب عليه الموقف، فتجاوب الابن مع أبيه وظهرت علامات النبوغ والموهبه عليه، ولما بلغ سن العاشرة من عمره ارسله والده وسلمه الى شيخ كتاب القريه فضيلة الشيخ ابراهيم موسى والذى اولاه رعايه وعنايه وأهتم به لما وجد لديه النبوغ وسرعة الحفظ فكان يعطيه فى نهاية اليوم مساحه من الوقت ليعلمه كيفية قراءة القرأن بالتجويد، وقد اتم حفظ القرأن الكريم كاملا قبل ان يبلغ سن الثانية عشر وراجعه وتعلم أحكامه قبل أن يبلغ سن الثالثة عشر من عمره. 

وكان لابد للشيخ عبد الصمد الزناتى ان يضحي من اجل هذا ابنه القرانى الموهوب، فعزم على تعليمه القراءات وكل ما يتعلق بالقران الكريم رغم انه كان محدود الدخل، فسأل شيخه ابراهيم موسى عن أحد العلماء المتخصصين المتقنين لأحكام التلاوة وعلوم القران وقراءاته، فاشار عليه بأن يأخذ نجله السعيد ويعرضه على أحد أبرز العلماء فى هذا المجال، وهو فضيلة الشيخ ابراهيم بكر بقرية كفر ايوب مركز بلبيس بمحافظة الشرقية، والتى تبعد عن قرية القيطون بلدة الشيخ السعيد 50 كيلو متر.

 ظل الشيخ السعيد عبد الصمد الزناتى يتردد على الشيخ ابراهيم بكر بصحبة نجله السعيد لمدة عامين، حتى من الله عليه بدراسة علوم القران وقراءاته، ولما بلغ سن السابعة عشر من عمره كان قد أتم دراسته للقراءات السبع، ودرس الشواذ من القراءات التى اصر شيخه ان يدرسها له من باب العلم والمعرفه ليس اكثر، لانه لم يكن يستخدمها في القراءه، ولأن الشيخ السعيد عبد الصمد ولد بمحافظة الدقهلية وحفظ القرآن الكريم بها، ودرس علوم القرآن بمحافظة الشرقية، ثم انتقل بعد ذلك ليقيم بمحافظة القليوبية وبالتحديد فى مدينة كفر شكر عام 1960.

 عرف كقارىء للقران الكريم بهذه المحافظات الثلاث واشتهر بهم، وذلك قبل أن يبلغ الثلاثين من عمره، فانهالت عليه الدعوات من هذه المحافظات لأحياء المناسبات والسهرات الدينية بها، ولأنه صاحب صوت مميز عذب حسن جميل، ومتقن للقرآن الكريم حفظا وتجويدا وأحكاما وتلاوته بالقراءات، فكان يدعى فى مناسبات تضم عمالقة من قراء الرعيل الأول بالاذاعة المصريه فى الفترة من 1953، وحتى التحاقه بالاذاعة عام 1960، كانت هذه الفترة من اهم فترات حياة الشيخ السعيد، لأنه فيها اصبح أحد قراء القرآن الكريم الذين وصلوا الى شهرة ومكانه مرموقه بين عباقرة التلاوة وقراء القرآن بالوجه البحرى، وهو لم يلتحق بالاذاعه بعد.

وكان التحاق الشخ السعيد عبد الصمد الزناتى بالاذاعة المصرية على يد الفنان القدير ابراهيم سعفان، الذى قدم له طلب الالتحاق بالاذاعه، والذى جمعتعهم روح الاخوة فى الطريقة النقشبنديه الأحمديه وهى احدى الطرق الصوفية، وكان الفنان ابراهيم سعفان حريصا على سماعه ليستمتع بروائع التلاواة على لسانه، ففى الفترة من 1950م وحتى عام 1990.

 استطاع الشيخ الشخ السعيد عبد الصمد الزناتى ان يكون بمثابة شجرة تفرع عنها فروع امتدت الى ربوع الدنيا كلها، بما يتلى من اطهر واعظم واحكم كلام وهو كلام رب العالمين، ولكنه ظلم كثيرا فقد توقف في الاذاعة عند مرحلة التلاوة القصيرة، وهو رائد مدرسة تخرج فيها العشرات من مشاهير القراء، ولم تسجل له بالاذاعه نصف الساعة لتذاع له في البرنامج العام، مع العلم انه قرأ القرآن الكريم فى المناسبات والحفلات الرسمية بالاذاعه على الهواء مباشرة، كالأمسيات التي كانت تذاع على الهواء مباشرة على موجات إذاعة القرآن الكريم، وصلاتي الفجر والجمعة على الهواء أيضا، وكانت تذاع على موجات الإذاعات المصرية، وكذلك غرة الشهور العربية، وقرأ فى التليفزيون على الهواء مباشرة الجمعة وغرة الشهور وبحضور الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ورغم كل هذا لم نجد له تلاوات مدتها نصف ساعه بمكتبة الإذاعة 

واستطاع الشيخ الشخ السعيد عبد الصمد الزناتى ان يأخذ مكانه فى صفوف عباقرة القراء وان ينفـــرد بمدرسة متميزة لها لونها الخاص بها، تخرج فيها اساتذة عباقرة وتفرعت عنها مدارس تمكن اصحابها ان يكونوا روادا لمدارسهم، والغريب ان ممن تاثروا به وبطريقته وصلوا الى شهرة لم تتحقق له هو، فخلال الفترة من 1960م وحتى الآن، صال وجال عشرات من قراء القرآن الكريم داخل الساحه الزناتية للتلاواة القرآنيه، ومنهم فضيلة الشيخ محمد أحمد شبيب والشيخ الشحات محمد انور والذى بدأ حياته متآثرا بالشيخ الزناتى، وهناك من المشاهير الذين تخرجوا من المدرسة الزناتيه القارىء الموهوب صاحب الحنجرة الذهبية العالم القرآنى الشيخ محمد محمد الليثى والشيخ منصور جمعه منصور والشيخ القدير اسعد أبو الجدايل والشيخ المرهف السعيد جمعه.

 وهناك العشرات من القراء الذين تأثروا بالشيخ الشخ السعيد عبد الصمد الزناتى وأقربهم لنفس الأداء والطريقة نجله فضيلة الشيخ محمود السعيد عبد الصمد الزناتى والذي استطاع ان يرتدى جبة وعباءة والده، وكل هؤلاء القراء من محافظتي الشرقية والدقهلية وهذا يحسب لفضيلته فهو عملاق قراء الدقهلية والقليوبية واحد عمالقة مصر والأمة الاسلاميه، وتسبب ذلك في حرماننا من أجمل الأصوات بالأذاعه لذلك سمى الشيخ الزناتي " بابي المظاليم "، للشيخ الزناتى تلاوات نادرة سجلت له وقتما كان يقرأ على الهواء بالاذاعة المصرية، وله تسجيلات نادرة على أشرطة كاسيت تزيد على المائتين تلاوة من أفضل التلاوات التى تمتع السامع وتعيده الى زمن العمالقة، ولعل ابنه الشيخ محمود السعيد عبد الصمد الزناتى قارىء القرآن الكريم ان يكون عوضا لنا عن والده، ويستطيع أن يسعد الملايين والذين ارتبطوا بصوت والده وفنه وأداءه الراقي وقد توفي في الثامن من شهر مارس عام 1990