«الأوقاف»: نعمة الأمن من أعظم النعم التي منَّ الله بها على مصر
أكد المشاركون في ندوة "إعلاء قيمة الوطن وشرف التضحية من أجله" أن نعمة الأمن تعد من أعظم النعم التي منَّ الله بها على الوطن، وأن حب الأوطان أمر فِطري جُبلت عليه النفوس الأم هي أول من تحمل أمانة الوطن، حيث قدمت أجيالًا للشهادة في سبيل حمايته وأمنه والحفاظ على بقائه والتضحية من أجل الوطن تتمثل في حجم الإنجازات الحقيقية التي يراها القاصي والداني على أرض الواقع.
جاء ذلك في ندوة للرأي تحت عنوان "إعلاء قيمة الوطن وشرف التضحية من أجله " التي نظمتها وزارة الأوقاف بالتعاون والتنسيق مع الهيئة الوطنية للإعلام في ملف تجديد الخطاب الديني، ومن خلال الندوات المشتركة بين الوزارة وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري، وبرعاية الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف في إطار الدور التوعوي الذي تقوم به الوزارة الأوقاف، والتي تحدثت فيها كل من الواعظتين بالأوقاف: نيفين حسن مختار، وراوية عبد المنعم محمد.
وفي كلمتها بينت الواعظة نيفين مختار، أن وثيقة المدينة التي وضعها النبي (صلى الله عليه وسلم) في بداية بناء الدولة كانت تطبيقًا لمبدأ المواطنة المتكافئة، مؤكدة أن المجتمعات المعاصرة في حاجة للمبادئ التي جاءت بها الوثيقة، فعندما تنص الوثيقة على أن غير المسلمين لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، فقد حققت مبدأ المواطنة بمعناها الكامل دون تفرقة بين مسلم وغير مسلم، حتى يتحقق الأمن الذي يعد أعظم النعم التي منَّ الله بها على هذا الوطن، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): ”مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا”، وبفضل الله تعالى هذه النعم المذكورة في الحديث الشريف توافرت في وطننا العزيز مصر وهي: الأمن، الصحة، القوت، وتتطلب هذه النعم الشكر لله (عز وجل)، يقول تعالى: ”وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ”.
وأوضحت أن المقاصد الكلية لهذا الدين تتمثل في الحفاظ الكليات الست وهي: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض، والوطن، فالإنسان الحر الأبي يفتدي وطنه بنفسه وماله، وإذا ضاع الوطن ضاعت بضياعه الكليات الأخرى ، والنبي (صلى الله عليه وسلم) علَّمنا حب الوطن والحنين إليه، فعندما أخرجه قومه من وطنه الغالي على قلبه أخذ ينظر إلى مكة ويقول: “واللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلى اللَّهِ، وَلَوْلاَ أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ؛ ما خَرَجْتُ”، وظل حنينه إلى وطنه حتى وهو في صلاته، وتمنى أن تكون قبلته في الصلاة تجاه بيت الله الحرام ، حيث وطنه الأول الذي يحن إليه حنين الغريب إلى بلده، حتى أكرمه الله تعالى وأجاب دعاءه ، يقول تعالى : " قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ".
ومن جانبها قالت الواعظة راوية عبد المنعم خليل، إن النبي (صلى الله عليه وسلم) عندما توجه إلى المدينة المنورة قام بإنشاء دولة مدنية قوية ، حيث وضع النبي (صلى الله عليه وسلم) أسسًا ثلاثة لبناء هذه الدولة، الأول: بناء المسجد الذي لم يقتصر دوره على الوعظ والإرشاد فقط، بل ليكون وسيلة من وسائل الإصلاح الاجتماعي داخل المجتمع، الثاني: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، حيث أسقط النبي (صلى الله عليه وسلم) الفوارق التي تفرق بين المسلمين بعضهم البعض، كما أزال العصبيات القبلية التي كانت موجودة في هذه البيئة، والثالث: وثيقة المدينة التي حددت نظام الحياة بين المسلمين وغير المسلمين، كما أنها كفلت حرية العقيدة بين الجميع، حتى يقف الجميع صفًا واحدًا في الدفاع عن الوطن ضد أي اعتداء خارجي.
كما أوضحت أن التضحية من أجل الوطن لها مراتب متعددة ، وأعلى مرتبة هي بذل النفس والنفيس من أجل الوطن ، بل تُعد من أرقى المراتب، لأن الله (عز وجل) ذكر من يضحي بنفسه من أجل وطنه في كتابه العزيز، حيث قال: ”وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ”، فضلًا عن أن ذاكرة الأمة تخلدهم ، ففي كل وقت أو مناسبة تتذكر الأمة الشهيد بما قام به من أعمال تجاه وطنه، موضحةً أن للشهادة في سبيل الله فضائل كثيرة لا حصر لها، منها: أنه يغفر للشهيد ذنبه عند أول قطرة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويوضع فوق رأسه تاج الوقار، فلهذا الفضل الكبير وجب على كل مخلص أن يضحي بنفسه وماله من أجل الوطن.
وأشارت إلى أن التضحية في زماننا المعاصر ليست بالنفس والمال فقط بل تتطلب بذل الجهد في نشر الوعي بقيمة الوطن وتوضيح حجم الإنجازات الحقيقية التي يراها القاصي والداني على أرض الواقع، فهي إنجازات غير مسبوقة والتي تصل إلى حد الإعجاز، فمن الواجبات الشرعية نحو الأوطان الحب الخالص الحقيقي والذي يتمثل في غرس القيم التي تُظهر مدى حب الإنسان لوطنه، من خلال موقعه الذي يعمل فيه، فالأم في بيتها وهي تقوم على تربية أبنائها تربية سليمة، يُعد حبًا منها للوطن، والمعلم الذي يقوم بغرس قيم حب الوطن للأجيال الناشئة أيضًا حبًا للوطن، وأي صاحب مهنة أو صناعة يعتبر إخلاصه وتفانيه وإتقانه في عمله حبًا للوطن.