حوار | أول «شيخ عرب» امرأة صعيدية: شاركت في أكبر مصالحة عرفية.. وأهلي يعتبرونني بـ«مية راجل»
صفاء عسران: «درع التسامح» أصبح بديلا عن «الكفن».. والأمن ساندني في مبادرتي
- الموقف أثناء إنهاء الخصومات الثأرية مهيب.. ووجود المرأة فيه معدوما
- وزير التنمية المحلية جلس معي ساعة ونصف.. ووزير الشباب أكبر الداعمين
رغم أن ظاهرة "الثأر" المعروفة في قرى ونجوع مصر، خاصة بالصعيد، بمثابة الكارثة التي تهدد أمن الوطن والمواطنين، ومن أخطر الظواهر السلبية الموجودة، إلا أن تولي فتاة صعيدية، مسئولية المصالحات بين العائلات بمنصب «شيخ عرب»، أمر يستدعي التوقف والتأمل كثيرا.
صفاء عسران، ابنة محافظة قنا، أول فتاة صعيدية تحارب الثأر عن طريق مبادرة "درع التسامح" (صعيد بلا ثأر) لتحقق نجاحا كبيرا في المصالحات وإنهاء الخصومات الثأرية بين العائلات في عدة محافظات بالصعيد وذلك خلال تفعيل المبادرة لمدة ثماني سنوات، لتحصل على تكريما مستحقا من اللواء محمود شعراوي وزير التنمية المحلية.
"مستقبل وطن نيوز" أجرى حوارا مع صاحبة المبادرة التي استطاعت أن تتحدى الصعاب وتخترق مجالا لم تجرؤ فتاة أخرى على الخوض فيه، لتحقق طفرة كبيرة وتغير نظرة المجتمع عن أكثر مشكلات الصعيد تعقيدا على مر العصور.. وإلى نص الحوار.
- منذ متى اقتحمت هذا المجال أي مجال المصالحات في الخصومات الثأرية؟
بداية المشوار في عام 2013 عن طريق الصدفة كنت حاضرة في مراسم صلح ثأري، وهذا يعتبر صعب جدا فوجود الفتيات والسيدات في مثل هذه الأحداث والمراسم صعب جدا ويكاد يطون معدوما وربما يكون خوفاً من إطلاق النيران كما أن الموقف يكون مخيف ومهيب أيضا، ومنذ ذلك الحين قررت أن أشارك في جلسات الصلح بين العائلات وأتفرغ لذلك وحتى الآن.
- كيف تشجعتي لعمل مبادرة "صعيد بلا ثأر" رغم أن المجتمع الصعيدي معروف باقتحام الرجل لهذا الملف؟
أهلي في الصعيد يعتبروني بنت بمئة راجل وأهالي الصعيد هم الذين يطلبون مني أن تدخل في المصالحات الثأرية ويرحبون بي ويثقون بي كثيرًا والحمد لله أنا أحظى بالقبول بين أهالي الصعيد، وهناك ملايين الرجال لم يهبهم الله هبة إنهاء الخصومات الثأرية مثلي ولا يتعدوا نسبة 1% لكن الله عز وجل وهبني هذه الهبة والقدرة على إنهاء الخصومات.
- كيف استقبل الرجال وجودك بينهم في المصالحات خاصة أنك في مجتمع صعيدي؟
وضعوني في الصعيد في كفة الرجال، وأصبحوا يعتبرونني رجلا لأن كل جلساتي في المصالحات الثأرية وسط العمد والشيوخ وتطبعت بطبعهم وأخذت نفس طريقة أسلوبهم ونهجهم ونفس طريقة كلامهم وتعودت علي ذلك، دائما أهلي يصفونني بأنني بنت بمئة رجل لأنهم بالفعل لمسوا في ذلك وشاهدوه على أرض الواقع.
- هل تغيرت طبيعة الخصومات الثأرية في الفترة الأخيرة خاصة مع تحضر المجتمعات بشكل تدريجي؟
مبادرة درع التسامح قامت بطفرة كبيرة في الصعيد المصري وغيرت نظرة المجتمع عن الظاهرة المعروفة بـ"حمل الكفن"، وجعلت هناك مصالحات كثيرة تقام في الصعيد حاليًا، لأن الأهالي كانوا يرفضون الكفن في بداية الأمر خوفًا من المعايرات ويتجهون للعنف والقتل والإجرام.
ولذلك فكرت في عمل شيء مختلف لموضوع حمل الكفن وهو "درع التسامح" والدرع عبارة عن تكريم واعتذار لولي الدم أمام نحو 6 آلاف شخص من الحضور، إضافة إلى القنوات الفضائية التي تغطي الحدث.
وأنا سعيدة جدا لدعم الحكومة للمبادرة لأن ولي الدم يشعر، بأن الدولة تهتم به وتقوم بتكريمه وتهديه الدرع أمام جميع الأسر ومختلف العائلات والحاضرين لجلسات الصلح، كما أن الدرع لا يقتصر علي ولي الدم فقط بل يقدم لولي الدم و أم ولي الدم ولرجال المصالحات.
- ولماذا يتم تكريم رجال المصالحات؟
رجال المصالحات الثأرية لهم دور كبير بالتأكيد فهم الذين يقومون بالصلح بين العائلات بدون مقابل، إضافة إلى الوقت والجهد المبذول فهم يعودون إلي منازلهم في أوقات متأخرة مثلا ويتركون أسرهم ومسؤلياتهم بالأيام، لذلك أقوم بتكريمهم في كل مصالحة يستطيعون فيها إنهاء أية خصومة.
"درع التسامح" أيضا يفصل بين من قام بالصلح ومن كان متطفل عليه فقط ولم يشارك فيه لأن هناك أشخاص كثيرة تحضر الصلح وتكون متطفلة عليه دون أي دور واضح.
- من وجهة نظرك كيف يتم القضاء على ظاهرة الثأر في الصعيد؟
"درع التسامح" هو الذي سيقضي على الثأر في الصعيد، لأنه غيّر نظرة المجتمع عن "حمل الكفن"، وإذا قام الرئيس عبد الفتاح السيسي برعاية المبادرة سيكون لها طفرة ومردود كبير جدا في الخصومات الثأرية في الصعيد، وأتمنى أن تكون مبادرة درع التسامح تحت رعاية الرئيس السيسي في القريب العاجل.
- وماذا عن أبرز الخصومات الثأرية التي أنهيتيها؟
كل خصومة ثأرية تختلف عن الأخرى، فهناك خصومات ثأرية لم أتعامل معها شخصيًا ولكن لجان المصالحات تعاملت معها، وكان تقديم درع التسامح فيها، من بينها كانت أكبر خصومة تمت في تاريخ الصعيد، حيث تمت خلالها مقتل عدد كبير من الشباب بلغ العشرات من كل عائلة على مدى عقود، هذه الخصومة أرهقت كل الأجهزة الأمنية ورجال المصالحات ورجال الأزهر الشريف أيضًا.
للأسف الشديد هذه الخصومة لم يكن فيها "كفن" لأن هناك تساوٍ في عدد القتلى، وعُرف الصعيد ينص على أن إذا وُجد تساويا في عدد القتلى لا يصح تقديم "الكفن"، فكان "درع التسامح" هو المنقذ في تلك الحالة وتم تقديمه للعائلتين وكان جوهرة الصلح.
وكان هناك اتصال وتنسيق بين وزير الشباب والرياضة، باللواء أشرف الداودي محافظ قنا، بمعنى أن يهدي وزير الشباب والرياضة عن طريقي العائلتين درع التسامح، والحكمة في أن يقدم وزير الشباب والرياضة، الدرع هي أن أكثر الضحايا من الشباب لذلك الوزير مهتم بموضوع الخصومات الثأرية في الصعيد ويعتبر أول وزير يهتم بهذه القضية.
- هل تطمحين في أن تتولى منصب العمدة في صعيد مصر سواء لنفسك أو للمرأة بشكل عام؟
منصب العمدة تكليف وليس تشريف، وليس أي شخص يستطيع القيام به أو بدور مشايخ البلد بسهولة، كما أن العمل الذي أقوم به حاليا به أدوار كثيرة مشابهة لدور العمدة والمشايخ فمنزلي مفتوح دائما في أي وقت لكل أهالي الصعيد حتى إذا كانت المشكلة ليس لها علاقة بالمصالحات الثأرية فأنا أقوم بهذا الدور ليس بمحافظة قنا فقط إنما في كل محافظات الصعيد.
كما أنني أتمنى أن تشارك المرأة المصرية في كل المناصب ويكون لها دور في المجالات المختلفة وبالفعل المرأة المصرية أثبتت أنها قادرة على ذلك.
- حدثينا عن أبرز المشكلات التي واجهتك في بداية انطلاق المبادرة ؟
في البداية واجهت حقدا كبيرا جدا وصعوبة في إقناع المجتمع بالمبادرة، كما واجهت حقدا كبيرا من الأشخاص الذين في نفس عمري ونفس مجالي، والكثير من الناس هاجموا مبادرة "درع التسامح" لكن إيماني الشديد بها ومن أجل الصالح العام تمسكت بها رغم العقوبات التي أعاقت طريقي حتي نجحت المبادرة وأثبتت نجاحها بدعم الحكومة المصرية، لأصبح محور حديث الصحافة والإعلام.
أيضا الأمن كان سندا لي منذ بداية انطلاق المبادرة، وما زال حتى الآن، فهو الجهة الوحيدة التي آمنت بالمبادرة وساندتي ودعمتني، حيث كانت مديرية أمن قنا أول داعم لي في ظل رفض أماكن أخرى ومسؤولين آخرين.
- هل كل من يشارك في المصالحات يصلح لهذه المهمة؟
موضوع المصالحات ليس محل تجارب، وهناك أشخاص يتولون أمرها لهدف سياسي، أو لتحقيق شو إعلامي، أو لمجرد التقليد، ونتيجة يقتل مئات الشباب، نتيجة عدم خبرة هؤلاء الناس، لكنها هبة من عند الله أن تكون مصلحًا.
وأتمنى أن ينتشر التسامح والمحبة والسلام بين الناس في ربوع مصرنا الغالية.
* التقيت وزير التنمية المحلية اللواء محمود شعراوي، فهل تخبرينا كواليس هذا اللقاء؟
هناك اهتمام كبير من مجلس الوزراء لأن المبادرة تحقن دماء الشباب في الصعيد والمحافظات الأخرى، التي يوجد بها ظاهرة "الثأر"، لذلك أرسل لي وزير التنمية المحلية، اللواء محمود شعراوي، دعوة لزيارته في مكتبه ورحب بي ترحيبا كبيرًا، وكان اللقاء مدته أكثر من نصف ساعة، واستمع لي جيدا وعاملني باهتمام شديد وكرمني وكرّم المبادرة وكان سعيد جدا.
اللواء شعراوي وجه المحافظين لتقديم كل الدعم والمساندة لي لإنجاح مبادرتي والمساهمة في محاربة الثأر بمختلف المحافظات خاصة بعد النجاح الذي حققته المبادرة خلال السنوات الماضية، أيضا الوزير راعى المبادرة وأصبح اسمه حاليا محفور على درع التسامح الذي يُقدم لولي الدم.
في الحقيقة كنت في غاية السعادة بلقائي اللواء شعراوي، هذا اللقاء جعلني أشعر كأنني ابنته من كثرة الترحيب والاهتمام وزاد من سعادته أنني فتاة صعيدية لكوني أقتحم عالم الثأر والجريمة وأخبرني بأن مكتبه مفتوح لي في أي وقت.
- وماذا عن أول مسئول تولى رعاية المبادرة؟
الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، هو أول راع لمبادرة "درع التسامح" وبفضله نجحت المبادرة، وثاني راعي للمبادرة هو مفتي الديار المصرية الأسبق الدكتور علي جمعة، ومؤسسة مصر الخير أيضًا ترعى المبادرة وتدعمها دعما كبيرا.