عمرو الخياط يكتب: الإنسانية جوهر الإسلام
في شعاب مكة حيث نزلت الرسالة الإسلامية، هناك حيث تنزل الوحي على الرسول الكريم في محيط اجتماعي كان يعاني أزمة انسانية معقدة، في السنوات الأولى من عمر الدعوة انتشر الإسلام انتشارًا واسعًا كان سببه الخطاب الإنساني الذي تبنته الرسالة لتؤكد أنها جاءت لإنقاذ الإنسانية من كل ممارسات امتهانها وتشويهها.
في ظل مجتمع كان وقتها يعاني عنصرية طبقية وصلت إلى حد تصنيف طبقات اجتماعية ووصفها بالرقي اطرادًا مع ما تقدمه من ممارسات تقوم في مجملها على تحويل الإنسان إلى سلعة تباع وتشترى، فظهر الإسلام وبدأت حركته في مسارين شديدي الوضوح لتحقيق قيمتي الرحمة والمساواة.
كانت الإرادة الإلهية شديدة الإلهام عندما اصطفى المولى عز وجل نبيًا كريمًا من بني هاشم نشأ وتربى في بيت قرشي عريق كفل له رصيدًا من الأخلاق والإشباعات المادية والنفسية فكان مكونه الإنسانى شديد الاستواء، وبالتالي لم تقم الرسالة في الأصل على أي نوع من المظلومية، إنما بدأت من أجل رفع الظلم عن المظلومين وعن المستضعفين.
تتجلى هنا الإنسانية كمكون رئيسي بل وجوهر ساطع للرسالة الإسلامية التي جاءت لتقنين منظومة المبادئ والأخلاق وتحويلها من ممارسة اجتماعية بشرية تخضع لحسابات الطبقية، إلى منظومة تشريع إلهي ملزم هدفه الأساسي هو اضفاء قيمة القدسية على كل ما يكفل حماية الإنسان ويحرم كل أشكال امتهان كرامته.
منذ اللحظة الأولى كانت الإنسانية هى القيمة العليا التي جاءت الرسالة لحمايتها بداية من صون وجودها مرورًا بكافة تفاصيل تكريمها وتحريم وتجريم المساس بها من خلال مفهوم شامل عنوانه «حقوق الإنسانية»، هدفه هو الإنسان وليس استخدام الإنسان، هدفه حماية الإنسان وليس استخدامه سياسيًا لتحدث المفارقة الغريبة التي كشفتها منظمات دولية لحقوق الإنسان تتعامل بشكل انتقائي ممنهج مع القيم الإنسانية باعتبارها أدوات سياسية لابتزاز الدول، بينما تتغاضى عن أبشع الممارسات في تلك الدول التي تمولها، لتكون بذلك قد تورطت عن عمد في رد إنسانية أعادت تحويل القيمة الإنسانية إلى سلعة قابلة للبيع والشراء وعادت بها إلى عصور الفوضى القبلية التي تستخدم الآن غطاءات الدبلوماسية.
نفس ممارسات الابتزاز التي أصبحت تقليدية حاول سماسرة الإنسان وحقوقه استخدامها في مواجهة الرئيس عبدالفتاح السيسي في عاصمة «النور» باريس، لكن الرجل القادم من عاصمة «التنوير»، الرجل القادم من أقدم دولة في التاريخ كان شديد الثبات وجاء رده كاشفًا وشارحًا، جاء كاشفًا لحالة التربص المجهزة مسبقًا من أجل الضغط على أعصاب الدولة المصرية ودفعها نحو مسارات التنازلات التي لن تنته إن بدأت حتى تفرض واقعًا يمس السيادة المصرية دون مبالاة بحقوق الإنسان المصرى.
كما جاء شارحًا لمفهوم حقوق الإنسان في ذهنية الدولة المصرية والتي أعلنها السيسي بوضوح في خطاب الولاية الرئاسية الثانية بعنوان «بناء الإنسان»، فاتجهت جهود الدولة إلى صحة المصريين وانطلقت حملة «١٠٠ مليون صحة» ولازالت مستمرة، ثم أعلنت الدولة مشروعها القومي لبناء جامعات خاصة تابعة للجامعات الحكومية، ثم أطلقت المشروع القومي لتوفير السكن الكريم، لتعلن مصر منهجها الواضح الذي يقول إن أول خطوة في حقوق الإنسان هى إنقاذ إنسانيته وإيقاف جرائم الاستغلال السياسي لها.
لم ينته المتربصون بل حاولوا العبث في مساحة بينية عندما تصوروا أن خلافًا بدا في وجهتي النظر بين الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي أعلن أن التعاليم الدينية تمثل أعلى مرتبة في مفهوم الإلزام لدى المصريين والمسلمين، بينما عقب الرئيس ماكرون بأن الإنسان هو أعلى قيمة ليؤكد على نفس المفهوم الذي ذكره الرئيس السيسي عندما قال إن هذا الإنسان الذي تعتبره أوروبا فوق كل قيمة هو من منحه الإسلام حماية مقدسة فأصبحت تعاليم الإسلام التي تحمي نفس الإنسان وماله وعرضه في أعلى مراتب الإلزام الديني لدى عموم المسلمين، بل أصبحت حماية الإنسان هى جوهر الإسلام ومقاصد شريعته.
لم يكن الأمر ملتبسًا لدى الرئيس السيسي، بل كان الرجل جريئًا لأن حديثه في هذه اللحظة تحديدًا كان موجهًا لعموم المسلمين دفاعًا عنهم واعتذارًا لهم، فلم يتحدث بلسان دبلوماسي، ولكنه تحدث بلسان المسلم القادم من بلد الأزهر الذي يشارك جموع المسلمين آلامهم الناتجة عن الإساءة لرسول الإنسانية محمد.
وهو نفسه الذى لم يكن مزايدًا أو مستغلًا لمشاعر المسلمين، بل تحدث بوضوح عن مسئولية المسلم الغاضب لرسوله، والتي تتمثل في وجوب التحلي بأخلاق وسلوك هذا الرسول العظيم، ليؤكد أن تقديم النبي الكريم كنموذج إنساني عظيم هو فرض عين حال على كل مسلم.
كان السيسي جريئًا بما فيه الكفاية ليقول إن من أساء للنبي لم يكن يقصده لا لأنه لم يره ولا يعرفه، لكنه رأى سلوكًا وتطرفًا من بعض المسلمين كان دافعًا لتلك الإساءة.
وضع السيسي يده على بيت الداء ليقول إن من أساء للنبي هو كل من قدم سلوكًا مشينًا ثم نسبه للإسلام، وهو كل من قرر أن يمتهن الإسلام ويحوله إلى أداة في ملفاته السياسية.
في باريس وقف السيسي مرتكزًا على شرعية اعتلائه لمنصبه الرئاسي والمستمدة من الإرادة الشعبية، لكنه كان مدركًا لحجم وطنه المصري القادر على أن يكون رقمًا حاكمًا في المعادلات الإقليمية والدولية.
إدراك السيسي لقيمة دولته ومسئولية منصبه فرض نفسه على حفاوة الاستقبال التي جاءت بعد أن أدرك المضيف قيمة الضيف وامتلاكه لأدواته وسيطرته عليها وقدرته على استخدامها.
سيكتب التاريخ أن السيسي وضع لبنة ساطعة لإيقاف عمليات تسييس الإنسانية ولبنة أخرى لأنسنة السياسة.