رحيل «طبيب غلابة» بالفيوم.. عندما تبكي الرحمة فقدان العظماء
على الحياة أن تقف خجولة أمام عظمة هؤلاء، وعلى غلاظ القلوب أن يقرأوا عن عظماء جعلوا حياتهم ترياقًا يشفي أوجاع الضعفاء والمساكين.
قليلون من جعلوا مهنة الطب رسالة عظيمة لا تستثني أحدًا (غنيًا كان أم فقيرًا)، وهؤلاء القليلون يأسرون القلوب رغمًا عنها، وأمام عظمتهم تقف الرحمة كفتاة سعيدة رُزقت أبًا عطوفًا.
مرت 3 أشهر بالتمام والكمال، على رحيل الدكتور محمد مشالي، أحد عظماء المحروسة العظام، ليلحق به رفيق الدرب الدكتور سليمان داوود ابن الفيوم الذي وهب حياته لخدمًة غير القادرين من الفقراء والمساكين؛ فلم تتعد رسوم كشفه الطبي 3 جنيهات (2.5 جنيه)؛ بل إنه كان لا يتقاضى أجرًا ممن لا يستطيعون دفع الجنيهات الثلاثة.
إذا كانت الأهرامات خلّدت عظمة الفراعنة العظام؛ فإن الرحمة ستخلد سير أبناء النيل الجدد؛ أولئك الذين جائوا إلى الحياة لتأدية واجبًا إنسانيًا على الوجه الأكمل، دون انتظار الجزاء من أحد؛ إنها الإنسانية في أبهى صورها.رحل الرجل الذي كان اليد العطوف مصابًا بالتهاب رئوي حاد بعد إجرائه جراحة قلب مفتوح؛ رحل بالداء الذي كان يداوي منه من يشكون الألام.
إنها مفارقة عظيمة؛ رحل داوود (ذو الـ 70 عامًا) بالأمس داخل العناية المركزة فى مستشفى القصر العينى الجديد، دون أن يستطيع أن يجد لنفسه دواءً، أو أن يتمكن من مجابهة العدو الذي لطالما حارب الإنسان (المرض)، ذلك العدو الذي شنّ ابن الفيوم الحرب عليه منذتخرجه من كلية الطب محاولاً قهره، ودفع ضره عن الفقراء والمحتاجين.
لم يكن الراحل، الذي حرص على مشواره الإنساني منذ 40 عامًا، يتحصل- حتى- على الجنيهات القلائل؛ فكان يمنحها راتبًا شهريًا للعامل الذي يتولى الإشراف على تنظيم دخول المرضى، وتنظيف العيادة، بل كان يساعد المرضى أحيانًا في تكلفة العلاج، وفي بداية انتشار أزمة فيروس كورونا المستجد، قام الرجل بالتبرع لإنشاء شبكة أوكسجين كاملة لمستفشى إطسا المركزي؛ للعمل على الحيلولة دون رحيل أحد أبناء مدينته مصابًا بهذا الداء اللعين.
من شابه أباه فما ظلم؛ كان والد داوود جراحًا يتقاضى 25 قرشًا نظير الكشف الذي لم يكن يتحصله من غير القادرين؛ ولذا فإن داوود الابن ساهم في إنشاء جمعية خيرية تساعد الفقراء والمحتاجين بمدينة إطسا في الفيوم. صفحات التواصل الاجتماعي نعت الراحل بعدما سادتها حالة من الحزن، فيما أطلقت إحدى الجمعيات الخيرية بالفيوم اسم الراحل على قاعتها الرئيسية تكريمًا لخدماته الإنسانية.