عمرو الخياط يكتب: الفن الاستراتيجي
نشر
أمام الشاشات يجلس المصريون كل يوم يتابعون مسلسل " الاختيار "، ليست متابعة عادية بل حالة توحد مدهشة في تلقي رسائل العمل الفني الذي عايش المصريون كل أحداثه، بل ودفعوا ثمنًا باهظًا لها كما تحملوا آلامها، ولم يتخلوا لحظة عن الصمود في وجه أعداء الإنسانية الذين ظنوا أن بإمكانهم اختطاف دولة بحجم مصر، لكن المصريون قرروا أن يكتبوا تاريخ وطنهم بلسان مصري مبين.
يعرض المسلسل على الشاشات ليعيد سرد وتوثيق شريطًا من الأحداث الجسام التي لا ينبغي أبدًا أن تغادر مناطق الوعي في الذاكرة المصرية الجمعية.
وبينما كان استقبال المصريين للمسلسل استقبالًا مدهشًا أحدث تواصلًا فريدًا بين الأجيال المتباينة داخل البيت الواحد، فإنه أحدث صدمة للتنظيم الإخواني الإرهابي الذي وجد نفسه محاصرًا مرة أخرى بحالة انتعاش للوعي المصري الذي سينقل رسالته إلى الأجيال المتعاقبة لحقيقة دامغة تقول إن الإخوان أصل الشر وأصل الاٍرهاب.
إذا كان هناك جمهورًا مصريًا متابعا للمسلسل بوضوح، فإن هناك جمهورًا موازيًا من أعضاء التنظيم الإخواني اضطر لمتابعة المسلسل للتعرف على ما وصلت إليه صورته الذهنية لدى الوعي المصري، لكن التفاعل المصري الوطني الذي بدا بوضوح على شبكات التواصل أحدث حالة من الرعب التي دبت في صفوف هذا التنظيم بعدما تأكد أنه إذا كان قد استطاع احتلال مساحات من الوعي المصري في الماضي، فإن معاودة التمركز مستقبلًا داخل مساحات جديدة من هذا الوعي لن يكون ممكننًا طالما امتلكت مصر أدوات قواها الناعمهً وسيطرت عليها واستطاعت استخدامها دون توقف لمواصلة الغرس الثقافي الوطني.
لقد مثل المسلسل هجومًا فنيًا مطورًا خلف خطوط التنظيم الاخواني الذي راحت أبواق الشر الإعلامي المملوكة له والممولة قطريًا تفند المسلسل بشكل تفصيلي كشف عن انزعاجها وعن متابعتها الكثيفة لأحداثه، وبقدر ما كان إنعاشًا للذاكرة الوطنية بقدر ما كان إثارة للإدراك الإخواني واستعاده لتموضعه في الدرك الأسفل من الاٍرهاب والغدر والخيانه.
لا يتوقف المسلسل عند حدود الاٍرهاب الإخواني، بل يتخطى ذلك ليثبت أن كافة التنظيمات الإرهابية ماهي إلا روافد للفكرة الإخوانية التي نشأت ولا تزال مدعومة وممولة من مشغليها في الأجهزة من أجل استهداف كيان الدولة الوطنية.
أحداث المسلسل وتفاصيله تؤكد نظرية حولها الواقع إلى حقيقة دامغة وهي أن تنظيم الإخوان ليس إرهابيًا بل إن الاٍرهاب هو الذي يجب أن يتصف بأنه إخوانيًا.
يكشف المسلسل في مشاهد حاسمة عن حجم عظمة ٣٠ يونيو التي تصدت لعملية هدم إقليمية شاملة كانت تعتقد أن مصر يمكن أن تكون أحد محطاتها، يكشف المسلسل أن ٣٠ يونيو هي عملية إنقاذ وجودية تاريخية للدولة المصرية.
خلف الرسائل المباشرة يكشف المسلسل عن مصادر قوى مصرية لا ينبغي أن تظل كامنة، يكشف عن طاقات فنية مذهلة كانت سببًا من قبل في تأطير إنساني للحالة المصرية التي استطاعت أن تتغلب على جلافة وصلف محاولات العدوان الإخواني على بهجة الحياه في مصر، الفن في مصر ليس ترفيهًا زائدًا عن أساسيات الحياة، الفن في مصر هو الحياة.
وبينما تعرض حلقات المسلسل يوميًا فانها تفتح ملفًا حتميًا من ملفات الأمن القومي المصري، وتؤكد أن القوى المصرية الناعمة جزءً أصيل من مكونات استراتيجية هذا الأمن.
صرخات التنظيم الإرهابي التي ملأت قنواته ولجان إرهابه الإلكتروني عبرت عن حجم العملية الفنية الاستراتيجية التي جسدها المسلسل .
نحن أمام فترة تاريخية ثرية ومليئة بمحطات الغدر والخيانة والإرهاب الإخواني، نحن أمام حالات مكثفة من دراما الواقع التي تستدعي قوالبها الفنية.
بينما تتوالى حلقات المسلسل تحضر روح محمد أبوشقرة ومحمد مبروك وشهداء الواحات.
بينما تعرض الحلقات؛ فإن شريط من الأحداث يمر أمام اعين المصريين منذ بداية من الاٍرهاب الإخواني على أسوار الاتحادية عشية الإعلان الدستوري الإخواني، وحتى أخر قطرة دماء طاهرة سالت باأدي أمراء الدماء.
الفن ارقى أدوات الاتصال والتواصل البشري، الفن أهم وسيلة للغرس الثقافي، الفن تأثيراته تراكمية لا تحدث أثارها منذ اللحظة الأولى، بل ينبغي أن تكون الحالة الفنية في تدفق دائم لا ينقطع عن وعي ووجدان الشعب المصري.
التنظيم الإخواني الإرهابي ومنذ لحظة نشأته يدرك خطورة الفن وقدرته على كشف حقيقة نواياه وأهدافه، فكان العداء للفن بقدر الإدراك لقيمته.
إذا كان الاٍرهاب مدركًا لقيمة هذا الفن وخطورته فإن إدراك هذه القيمة وأهميتها في إثراء الوعي والوجدان الوطني المصري لا ينبغي أبدًا أن يغيب عن عقل وإرادة صناع الفن والدراما.
الفن في مصر وسيلة لبهجة الحياة، الفن في مصر أحد أدوات السلام الاجتماعي، الفن في مصر أهم أدوات توثيق الحقيقة، الفن في مصر خيارًا استراتيجيًا، الفن في مصر اختيارًا إجباريًا.