"واشنطن بوست": بقايا الأسلحة الأمريكية في أفغانستان وقعت في أيدي المتشددين بباكستان

خلصت تحقيقات ميدانية أجرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إلى أن بقايا الأسلحة الأمريكية في أفغانستان ساهمت بشكل أو بآخر في تعزيز قوة المتشددين في باكستان مشيرة في هذا الصدد إلى أنه تم ضبط 63 قطعة سلاح مع متشددين في باكستان وهي أسلحة كانت الحكومة الأمريكية قد زُودت بها القوات الأفغانية خلال حربها التي امتدت لعشرين عامًا في أفغانستان .
وأفادت الصحيفة- في تحقيقها الصحفي الذي نشرته في عدد اليوم الإثنين- بأن بندقية هجومية من طراز M4A1 غادرت في 9 يناير 2018 مصنع "كولت" في ولاية كونيتيكت الأمريكية متجهة إلى أفغانستان. وفي الشهر الماضي وحده، عُثر على هذه البندقية نفسها، التي تحمل الرقم التسلسلي W1004340، بعد استخدامها في عملية دامية لخطف قطار نفذها متشددون داخل الأراضي الباكستانية .
وأكدت الصحيفة أن هذه البندقية تعد واحدة من ألاف المعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة للقوات الأفغانية وتُرك جزء كبير منها خلف القوات الأمريكية بعد انسحابها من أفغانستان عام 2021.
وانتهى المطاف - حسبما أبرزت الصحيفة - بالعديد من هذه الأسلحة عبر الحدود في باكستان، في أسواق الأسلحة أو في أيدي المتمردين، مما يوضح كيف أن عواقب الحرب الأمريكية الفاشلة لا تزال تتردد أصداؤها بعد سنوات من سقوط كابول في أيدي طالبان .
وأضافت: أنه بعد عقد تقريبًا من التقدم ضد المتشددين، تكافح باكستان الآن لاحتواء حركات تمرد متعددة، كالجهاديين في الشمال أو الانفصاليين البلوش في الجنوب الغربي، مدعومة جزئيًا بالأسلحة الأمريكية.
وأشارت إلى أن حركة طالبان الباكستانية وجماعات أخرى تستخدم الآن بنادق هجومية ورشاشات ونظارات رؤية ليلية أمريكية، كانت تهدف في الأصل إلى المساعدة في استقرار أفغانستان، لإحداث فوضى في جميع أنحاء هذه الدولة المسلحة نوويًا، وفقًا لمتشددين وتجار أسلحة ومسئولين حكوميين تحدثوا إلى الصحيفة بشرط عدم الكشف عن هويتهم.
من جانبه، قال أحمد حسين، البالغ من العمر 35 عامًا، وهو شرطي في القوات الخاصة الباكستانية أصيب بجروح بالغة في هجوم ليلي مُستهدف شمال غرب باكستان العام الماضي:" لديهم أحدث الأسلحة أمريكية الصنع. كانوا يروننا، لكننا لم نكن نراهم".. في إشارة إلى المتشددين.
وفي مايو الماضي، سمح مسئولون باكستانيون لصحيفة "واشنطن بوست" بالاطلاع على عشرات الأسلحة التي قالوا إنها صودرت من مسلحين أُسروا أو قُتلوا. وبعد أشهر من التحقيقات، أكد الجيش الأمريكي ووزارة الدفاع "البنتاجون" للواشنطن بوست أن 63 سلاحًا عُرضت على الصحفيين كانت قد زودتها الحكومة الأمريكية للقوات الأفغانية.
ومعظم هذه الأسلحة بنادق من طراز M16، إلى جانب العديد من طرازات بنادق M4 كاربين الأكثر حداثة. كما عرض المسئولون الباكستانيون عددًا من أجهزة الرؤية الليلية PVS14، المستخدمة في جميع أنحاء القوات المسلحة الأمريكية، ولكن لم يتسن التحقق بشكل مستقل من أنها كانت ملكًا للحكومة الأمريكية سابقًا.
وبعد هجوم القطار الذي شنه مسلحون بلوش في 11 مارس الماضي وأودى بحياة 26 شخصًا على الأقل، قدّم مسئولون باكستانيون أرقامًا تسلسلية لثلاث بنادق أمريكية يُزعم أن المهاجمين استخدموها. واثنتان على الأقل من هذه البنادق جاءتا من مخازن أمريكية وسُلّمتا للقوات الأفغانية، وفقًا لسجلات حصلت عليها "واشنطن بوست" بموجب قانون حرية المعلومات.
وكتبت وزارة الخارجية الباكستانية في بيان لها أواخر يناير الماضي:" أن وجود أسلحة أمريكية متقدمة يمثل مصدر قلق بالغ على سلامة وأمن باكستان".
بدوره، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بقطع المساعدات المُعلّقة لأفغانستان بشكل دائم ما لم تُعِد طالبان المعدات العسكرية الأمريكية. وقال ترامب خلال أول اجتماع لمجلس الوزراء في فبراير الماضي:" لقد تركنا وراءنا معدات بمليارات، عشرات المليارات من الدولارات. جميعها من الطراز الرفيع. أعتقد أننا يجب أن نستعيد الكثير من تلك المعدات".
وقالت "واشنطن بوست" إن تصريحات ترامب في هذا الملف أعادت الأمل لدى إسلام آباد بأن الولايات المتحدة ستتحرك بشكل أكثر حزمًا لكشف مصير معداتها العسكرية المفقودة. لكن معظم الناس يعتقدون أن الوقت قد فات بالفعل لوقف تدفق الأسلحة غير المشروعة.
وقال ذبيح الله مجاهد، المتحدث الرسمي باسم الحكومة التي تقودها طالبان، ردًا على ترامب: "إنها الآن ملك لأفغانستان. لا أحد يستطيع انتزاعها منا".
وأضاف المحلل في شئون جنوب آسيا مايكل كوجلمان، في تصريح خاص للصحيفة: "أن باكستان تُخاطر بالعودة إلى تلك الفترة العصيبة بين عامي 2009 و2014، عندما كانت البلاد نقطة جذب رئيسية للإرهاب".
وأبرزت الصحيفة الأمريكية أنه عندما سيطرت طالبان على أفغانستان في أغسطس 2021، كانت لا تزال في البلاد معدات عسكرية أمريكية بقيمة تزيد عن 7 مليارات دولار، وفقًا لتقرير صادر عن مكتب المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان "SIGAR" والذي خلص إلى أن للجيش الأمريكي سجلًا غير متكافئ في تتبع الأسلحة المقدمة للأفغان، وهو ما تفاقم بسبب انسحابه "المفاجئ وغير المنسق ".
أما في عهد الرئيس السابق جو بايدن، رفض المسئولون الأمريكيون تحمل المسئولية وأعلن البنتاجون في بيان صدر في سبتمبر الماضي بأن وزارة الدفاع قدمت الأسلحة والمعدات بعد "دراسة متأنية للمستخدم النهائي، بما في ذلك مخاطر وقوع العدو في الأسر"، ولم تكن لديها أي نية لاستعادتها. وأقرت الوزارة بأن هذه المواد "كان من الممكن أن تستولي عليها طالبان ثم تستخدمها أو تنقلها إلى مكان آخر".
وقال مسئول دفاعي كبير في بيان للواشنطن بوست: "بمجرد نقلها إلى الحكومة الأفغانية، أصبحت ملكًا لها ومسئوليتها". وقدر مكتب المفتش أن أكثر من ربع مليون بندقية تُركت وراءهم، وهو ما يكفي لتسليح سلاح مشاة البحرية الأمريكي بأكمله، بالإضافة إلى ما يقرب من 18 ألف نظارة للرؤية الليلية، والتي يمكن أن تُجهز الفرقة 82 المحمولة جواً التابعة للجيش .
وتُضعف النظارات التي يرتديها المتمردون المزايا التكنولوجية للجيوش الحديثة، التي تستخدم أشعة الليزر تحت الحمراء والأضواء الوامضة لتنسيق الهجمات وتتبع القوات الصديقة. وهذه الأجهزة غير مرئية للعين المجردة ولكنها مُضاءة بالرؤية الليلية.
ونقلت "واشنطن بوست" عن راز محمد، 60 عامًا، وهو تاجر أسلحة باكستاني، قوله: "بعد استيلاء طالبان على السلطة مباشرة، بيعت أحدث أجهزة الرؤية الليلية بسعر الخردة". وقدر أنه في حوالي أغسطس 2021، كانت الأجهزة، التي تُباع بالتجزئة بحوالي 2000 دولار، تُباع بأقل من 300 دولار. وأضاف أن المتمردين استخدموا معدات الرؤية الليلية والحرارية مع طائرات بدون طيار صغيرة لمهاجمة القوات بدقة أكبر.