11 عامًا من التعاون.. تطور العلاقات المصرية الفرنسية تحت قيادة الرئيس السيسي

شهدت العلاقات المصرية الفرنسية تطورًا ملحوظًا منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في عام 2014. في هذه السنوات، تميزت العلاقات بين البلدين بالتعاون المتزايد في مختلف المجالات الاستراتيجية والاقتصادية والثقافية، مما أسهم في تعزيز مكانة مصر على الساحة الدولية. من خلال هذا التقرير، نسلط الضوء على أبرز جوانب العلاقات بين القاهرة وباريس خلال هذه الفترة، مع التركيز على التطورات السياسية، الاقتصادية، والأمنية، وكذلك التعاون الثقافي والإنمائي.
التطورات السياسية والدبلوماسية
منذ بداية حكم الرئيس السيسي، سعت السياسة الخارجية المصرية إلى تعزيز علاقاتها مع مختلف الدول، بما في ذلك فرنسا. أظهرت مصر إصراراً على تحقيق التوازن في سياستها الخارجية من خلال بناء علاقات استراتيجية مع الدول الكبرى مثل فرنسا، وهي دولة تلعب دوراً مهماً في الشأن الدولي.
شهدت العلاقات بين القاهرة وباريس العديد من الزيارات المتبادلة بين الرئيسين السيسي وماكرون، حيث كانت هذه الزيارات تمثل فرصة لتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية. ففي نوفمبر 2014، قام الرئيس السيسي بزيارة رسمية إلى فرنسا، وهي الزيارة التي أسست لمرحلة جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين. وفي أكتوبر 2017، زار الرئيس السيسي باريس مجددًا، حيث ناقش مع الرئيس الفرنسي تعزيز التعاون في مجالات مكافحة الإرهاب والتحديات الإقليمية.

في يناير 2019، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مصر، حيث ركزت المباحثات على تعزيز العلاقات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين البلدين. كما شهد عام 2021 عدة زيارات متبادلة، حيث شارك الرئيس السيسي في مؤتمر باريس لدعم المرحلة الانتقالية في السودان، وشارك في قمة تمويل الاقتصاديات الإفريقية، مما عكس عمق العلاقات بين مصر وفرنسا.
أحد أبرز محطات التعاون السياسي بين البلدين كان في 2022، حيث استقبل الرئيس السيسي الرئيس الفرنسي على هامش قمة المناخ في شرم الشيخ، حيث تم التأكيد على تعزيز التنسيق المشترك في مجالات الأمن الغذائي والطاقة، خاصة في ظل التحديات العالمية مثل أزمة الغذاء والطاقة.
التعاون الاقتصادي والتجاري
شهدت العلاقات الاقتصادية بين مصر وفرنسا نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة. بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 4 مليارات يورو، حيث تعتبر فرنسا ثاني أكبر شريك تجاري لمصر في أوروبا، وتحتل المرتبة الـ12 على المستوى العالمي. سعت فرنسا إلى تعزيز التعاون التجاري من خلال العديد من المبادرات التي تشمل مجالات النقل، الطاقة، والصناعات الثقيلة.

من جانبها، قامت الشركات الفرنسية بضخ استثمارات كبيرة في مصر، حيث تجاوزت قيمة الاستثمارات الفرنسية في مصر 5.5 مليار يورو في مجالات النقل والطاقة والمياه والدواء. كما تواصل الشركات الفرنسية توسيع نشاطها في مصر، خصوصًا في مشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية، حيث تعتبر فرنسا شريكًا رئيسيًا في مشروع بنبان للطاقة الشمسية.
في إطار التعاون في قطاع الطاقة، تم توقيع عدة اتفاقيات بين البلدين لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وهي خطوة مهمة نحو دعم التحول إلى الطاقة النظيفة. كما تدعم فرنسا مصر في مجال الطاقة المتجددة عبر الوكالة الفرنسية للتنمية.
التعاون في المجال الأمني والعسكري
كانت فرنسا دائمًا حليفًا قويًا لمصر في مجال الأمن والدفاع. خلال فترة حكم الرئيس السيسي، تعزز التعاون العسكري بين البلدين، خاصة في مجالات مكافحة الإرهاب، ومراقبة الحدود، وتبادل الخبرات العسكرية. قامت فرنسا بتزويد مصر بتقنيات عسكرية متقدمة في إطار التعاون المشترك، مثل الطائرات المقاتلة والأنظمة الدفاعية.

على المستوى الأمني، تم تكثيف التنسيق بين البلدين لمكافحة الإرهاب، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما عملت مصر وفرنسا بشكل وثيق في قضايا الأمن الإقليمي، مثل النزاعات في ليبيا وسوريا.
التعاون الثقافي والعلمي
يتميز التعاون الثقافي بين مصر وفرنسا بعراقة تاريخية، حيث يولي الفرنسيون اهتمامًا خاصًا بالحضارة المصرية. تسهم العديد من المعاهد الفرنسية في مصر، مثل المعهد الفرنسي في القاهرة، في تعزيز التبادل الثقافي بين البلدين، خاصة من خلال الفعاليات الثقافية والتعليمية.
فرنسا تحتل مكانة مميزة في مجال الآثار المصرية، حيث تواصل البعثات الفرنسية أبحاثها في العديد من المواقع الأثرية، بما في ذلك معابد الكرنك. كما تشارك فرنسا في الحفاظ على التراث المصري، وذلك من خلال التعاون مع وزارة الآثار المصرية في مشروعات ترميم وصيانة العديد من المواقع التاريخية.

التعاون في مجال التنمية المستدامة
أولت مصر اهتمامًا خاصًا لتعزيز التعاون مع فرنسا في مجالات التنمية المستدامة. في هذا الصدد، قام البلدان بتوقيع اتفاقيات تمويل مشاريع في مجالات النقل، البيئة، والطاقة المتجددة. وفي عام 2022، تم توقيع اتفاقيات تمويل بقيمة 150 مليون يورو، تركز على تعزيز الاستثمارات المستدامة في مصر، بما في ذلك دعم المشاريع التي تساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وخاصة في مجالات التغير المناخي والتنوع البيولوجي.
كما تلعب الوكالة الفرنسية للتنمية دورًا بارزًا في دعم مشروعات التنمية في مصر، من خلال استثمارات مالية ضخمة تصل إلى 1.3 مليار يورو، تغطي عدة مجالات تشمل المياه والطاقة والنقل.
وتُظهر العلاقات المصرية الفرنسية خلال 11 عامًا من حكم الرئيس السيسي حجم التعاون المثمر بين البلدين في العديد من المجالات. فقد نجحت مصر وفرنسا في بناء شراكة استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة، حيث تم تعزيز التعاون السياسي، الاقتصادي، الثقافي، والأمني، مما ساهم في تعزيز مكانة مصر على الساحة الدولية. في المستقبل، من المتوقع أن تستمر هذه العلاقات في النمو، خاصة في ضوء المشاريع الكبرى التي تشهدها مصر حاليًا في مجالات البنية التحتية والطاقة المتجددة.العلاقات المصرية الفرنسية
