شيخ الأزهر في الأمم المتحدة: الإسلاموفوبيا تهديد للسلم العالمي ونتاج جهل متعمد

أكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف ورئيس مجلس حكماء المسلمين، أن الاحتفاء باليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا يعد تتويجًا لجهود الدول الإسلامية داخل الأمم المتحدة لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، التي وصفها بأنها "غير معقولة ولا منطقية"، وتمثل تهديدًا حقيقيًا للسلم العالمي.
جاء ذلك في كلمة ألقاها السفير أسامة عبد الخالق، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، نيابة عن شيخ الأزهر خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث أعرب الإمام الطيب عن تقديره العميق لموقف أنطونيو جوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، وخطاباته المنصفة التي تعكس معرفة حقيقية بالإسلام وتعاليمه السمحة. وأشار إلى أن مثل هذه المواقف الشجاعة تقف سدًا منيعًا ضد الصور النمطية المشوهة التي يحاول البعض إلصاقها بالإسلام، والتي تُستغل من قبل تيارات اليمين المتطرف لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة.
الإسلام دين الرحمة والسلام.. والتاريخ يشهد على تعايشه مع الأديان الأخرى
وأوضح الإمام الأكبر أن جوهر رسالة الإسلام يتجسد في قيم الرحمة والمحبة والتعايش والتسامح، مؤكدًا أن كلمة "الإسلام" نفسها مشتقة من "السلام" في اللغة العربية. واستشهد بقوله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين﴾ [الأنبياء: 107]، ليؤكد أن الإسلام رسالة أخوّة وعدل وسلام، تجمع بين البشر على اختلاف ألوانهم وعقائدهم وأعراقهم.
وأشار إلى أن المسلمين عاشوا قرونًا طويلة جنبًا إلى جنب مع أتباع الديانات الأخرى في بيئات يسودها التعاون والسلام، مستشهدًا بالآية الكريمة: ﴿لا إكراه في الدين﴾ [البقرة: 256]، التي تعبر عن احترام الإسلام لحرية المعتقد. وأكد أن التاريخ يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الإسلام لم يكن يومًا دين عنف أو صراع، بل كان دائمًا يدعو إلى التعارف والتعاون ونبذ الفُرقة، وهو ما انعكس في مجتمعات شرقية وغربية تبنّت هذه القيم عبر العصور.
مواجهة الإسلاموفوبيا تستلزم توثيق الجرائم العنصرية ضد المسلمين
وشدد شيخ الأزهر على أن ظاهرة الإسلاموفوبيا لم تكن إلا نتيجة مباشرة لحملات إعلامية مضللة وخطابات يمينية متطرفة استهدفت تشويه صورة الإسلام، عبر ربطه زيفًا بالإرهاب والعنف. واعتبر أن هذا التشويه المتعمد هو "أكبر كذبة في التاريخ المعاصر"، إذ يعتمد على استغلال جرائم ترتكبها جماعات لا تمت للإسلام بصلة، ويتم توظيفها لإثارة مشاعر الكراهية والخوف من المسلمين.
وفي هذا السياق، دعا الإمام الأكبر إلى ضرورة إنشاء قواعد بيانات توثق الجرائم العنصرية والممارسات التمييزية ضد المسلمين حول العالم، مؤكدًا أن مواجهة هذه الظاهرة ليست مسؤولية المسلمين وحدهم، بل معركة كل إنسان يحمل ضميرًا حيًا ويؤمن بالعدالة والمساواة بين البشر.
خطاب الكراهية خطر عالمي يستدعي تعزيز ثقافة التسامح
وأكد الإمام الطيب أن التحديات التي تواجه العالم اليوم، من حروب وصراعات وتصاعد خطابات الكراهية والتعصب، تحتم على الجميع التكاتف لبناء جسور التفاهم والتعاون، مشددًا على أن الحوار بين الأديان والثقافات لم يعد ترفًا، بل ضرورة وجودية لإنقاذ البشرية من براثن الجهل وسوء الفهم.
كما حذر من خطورة تسلل خطاب الكراهية إلى منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، داعيًا إلى إطلاق حملات توعوية وتشريعات ملزمة تعزز ثقافة الاحترام المتبادل والتسامح. وأكد أن الإسلام يرى التنوع الديني والثقافي سنة كونية، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمةً واحدةً ولا يزالون مختلفين﴾ [هود: 118]، موضحًا أن هذا التنوع مصدر إثراء لا صراع.
وفي ختام كلمته، شدد الإمام الأكبر على أن التصدي للإسلاموفوبيا يتطلب تعاونًا دوليًا حقيقيًا، ودعمًا للخطابات المعتدلة التي تعزز روح الأخوّة الإنسانية بدلًا من نشر الانقسامات، مؤكدًا أن الإسلام سيظل دين السلام، وأن محاولات تشويهه لن تغير من جوهره الراسخ في قيم العدل والمحبة والتسامح.