رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

التحديات تُعرقل تنفيذ استثمارات الإمارات في تركيا بقيمة 51 مليار دولار

نشر
الإمارات العربية
الإمارات العربية المتحدة

تُواجه دولة الإمارات العربية المتحدة تحديات كبيرة في تنفيذ تعهدها باستثمار 51 مليار دولار في تركيا، رغم مرور عامين على الإعلان عن الاتفاق. يعود ذلك إلى انتعاش الاقتصاد التركي، الذي عزز من قدرة الشركات المحلية على الحفاظ على تقييماتها المرتفعة، ما جعل إتمام الصفقات أكثر تعقيدًا من المتوقع.

تعثر الصفقات الكبرى.. أبرز الأمثلة

أحد أبرز الأمثلة على هذه التحديات هو إخفاق "مجموعة موانئ أبوظبي"، المدعومة من الصندوق السيادي "القابضة" (ADQ)، في استكمال صفقة للحصول على حقوق تشغيل ميناء في غرب تركيا. ولم يكن هذا الإخفاق الوحيد، حيث انهارت صفقات أخرى، مثل محاولة الاستحواذ على أحد أكبر البنوك التركية، بالإضافة إلى إيقاف صفقة إصدار ديون بقيمة 8.5 مليارات دولار.

التقييمات العقبة الأكبر أمام إتمام الصفقات

وفقًا لأشخاص مطلعين، كانت الخلافات حول التقييم هي العقبة الرئيسية التي حالت دون إنجاز الصفقات. فالمستثمرون الإماراتيون، الذين يميلون عادةً إلى اقتناص الأصول المتعثرة بأسعار منخفضة، وجدوا صعوبة في التوصل إلى اتفاق مع البائعين الأتراك، الذين رفضوا البيع بأسعار تقل عن قيم الأصول التي شهدت ارتفاعًا بفضل تحسن الأوضاع الاقتصادية في البلاد.

التعهد الاستثماري الإماراتي، الذي أُعلن عنه في يوليو 2023 عقب إعادة انتخاب الرئيس رجب طيب أردوغان، كان يُنتظر أن يساعد في استقرار الاقتصاد التركي ودعم جهود إعادة الإعمار بعد الزلزال المدمر. لكن التغيرات الاقتصادية التي أعقبت ذلك قللت من إلحاح الحاجة إلى الأموال الخليجية.

تحسن الاقتصاد التركي يُعيد رسم المعادلة

منذ ذلك الوقت، نجحت تركيا في تجنب أزمة نقدية كبرى، بفضل تبني سياسات نقدية تقليدية عززت احتياطيات البنك المركزي. وأوضح هالوك بورومشيكتشي، المحلل الاقتصادي لدى "Burumcekci"، أن البنوك والشركات التركية استطاعت تأمين تمويل خارجي بسهولة، ما خفّف من اعتمادها على استثمارات دول الخليج.

في المقابل، أوقفت أنقرة صفقة إصدار صكوك بقيمة 8.5 مليارات دولار العام الماضي، معتبرةً أن العائد الذي طلبته الإمارات غير مناسب. كما انهارت محادثات "بنك أبوظبي الأول" للاستحواذ على حصة مسيطرة في "يابي كريدي بنك"، وتوقفت مفاوضات "مصدر" للاستثمار في شركة للطاقة المتجددة بسبب عدم التوافق على التقييمات.

صفقة وحيدة مُكتملة ومشاريع مؤجلة

رغم سلسلة التعثرات، أُنجزت صفقة وحيدة حتى الآن، تمثلت في استحواذ "القابضة ADQ" على "أوديا بنك" (Odeabank)، التابع لـ"بنك عودة" اللبناني في تركيا. أما باقي المشاريع، مثل بناء خط سكة حديد فوق مضيق البوسفور، والاستثمارات في قطاع الدفاع التركي، فلا تزال قيد الانتظار.

تفاؤل تركي رغم العقبات

رغم التحديات، ما زالت تركيا متفائلة بتعزيز الشراكة الاقتصادية مع الإمارات. وأكد بوراك داغلي أوغلو، رئيس مكتب الاستثمار التركي، خلال فعالية في أبوظبي، أن البلدين سيشهدان نموًا في تدفقات الاستثمار الثنائي، مستفيدين من اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة التي أُبرمت لتعزيز العلاقات التجارية.

استراتيجية استثمار إماراتية أكثر انتقائية

في المقابل، يرى سرحات سوها كوبوكو أوغلو، الباحث في "Trends Research and Advisory"، أن الإمارات باتت تعتمد على استراتيجية استثمار أكثر انتقائية، تستهدف العوائد المرتفعة ضمن مواعيد زمنية صارمة. وأكد أن "عصر الاستثمارات غير المشروطة قد انتهى"، في إشارة إلى أن الإمارات أصبحت أكثر حرصًا على اختيار الاستثمارات التي تحقق نتائج ملموسة في وقت قصير.

توسّع إماراتي في أسواق بديلة

في ظل تعثر بعض الصفقات في تركيا، واصلت الإمارات استثمار أموالها النفطية لتعزيز حضورها العالمي. ففي العام الماضي، أعلنت "القابضة ADQ" عن خطة لاستثمار 35 مليار دولار في مصر، في أكبر صفقة استثمار أجنبي مباشر بتاريخ البلاد. كما وعدت الإمارات بضخ 52 مليار دولار في فرنسا، و40 مليار دولار في إيطاليا، بجانب تمويل مشروع ذكاء اصطناعي بقيمة 100 مليار دولار في الولايات المتحدة.

المستقبل مفتوح أمام خيارات مرنة

تُظهر هذه التطورات أن الشراكة الاستثمارية بين الإمارات وتركيا تمر بمرحلة إعادة تقييم، وقد تُعاد هيكلة بعض الصفقات أو يُعاد توجيه الاستثمارات نحو قطاعات أكثر توافقًا مع استراتيجيات الطرفين. ورغم التحديات، فإن مرونة كلا البلدين واستمرار الحوار الاقتصادي قد يُمهّدان الطريق أمام فرص جديدة تعود بالنفع على الطرفين.