حكاية فانوس رمضان.. كيف أصبح رمز البهجة في ليالي الشهر الكريم؟

لا يعرف كثيرون حكاية فانوس رمضان ولا أصل ظهوره في مصر، رغم أنه بات رمزًا أصيلًا للشهر الفضيل، يُزين الشوارع والأزقة، ويُضفي أجواءً من البهجة والروحانية. يرتبط الفانوس في الذاكرة الشعبية بمشاهد الأطفال الذين يطوفون حاملين فوانيسهم، يُغنون الأغاني الرمضانية، وينشرون الفرح في كل مكان. لكن خلف هذا الرمز المضيء، تكمن قصة تاريخية ممتدة عبر العصور، بدأت بمصادفة تحولت إلى عادة، ثم صارت جزءًا لا يتجزأ من طقوس المصريين في استقبال رمضان. دعونا نُبحر في تاريخ الفانوس، ونتتبع رحلته من أداة إنارة بسيطة إلى أيقونة احتفالية تُعبر عن التراث والهوية.
البداية التاريخية لفانوس رمضان في مصر
تعود قصة ارتباط الفانوس بشهر رمضان إلى العصر الفاطمي، وتحديدًا إلى عهد الخليفة المعز لدين الله الفاطمي. يُروى أن المصريين خرجوا لاستقبال الخليفة عند دخوله القاهرة في أول ليلة من شهر رمضان، حاملين المشاعل والفوانيس المضاءة بالشموع لإنارة الطريق. ومنذ ذلك الحين، أصبح الفانوس جزءًا من العادات الرمضانية، يُستخدم لإنارة الشوارع خلال ليالي الشهر الفضيل، ثم تحوّل تدريجيًا إلى رمز للاحتفال والبهجة.
تطور صناعة الفوانيس في مصر
على مر العصور، تطورت صناعة الفوانيس في مصر من أدوات بسيطة مصنوعة من الخشب والقصدير، تُضاء بالشموع، إلى أشكال أكثر تنوعًا ودقة. اشتهرت ورش الحرفيين في أحياء مثل السيدة زينب، والحسين، وصحيفة بتصميم فوانيس يدوية مزخرفة بزجاج ملوّن ونقوش إسلامية. وفي العصر الحديث، ظهرت الفوانيس الكهربائية والموسيقى التي تُغني الأغاني الرمضانية الشهيرة، ما أضفى على الأجواء المزيد من البهجة، رغم أن الفانوس التقليدي المصنوع يدويًا لا يزال يحتفظ بمكانته الخاصة.

فانوس رمضان في ذاكرة المصريين
بالنسبة للأطفال، يُمثل الفانوس رفيقًا للعب والمرح. كانوا يجوبون الشوارع حاملين فوانيسهم، يُنشدون أغنية "وحوي يا وحوي"، التي تعود أصولها إلى العصر الفاطمي، مُعلنين حلول الشهر الكريم في مشهد يبعث السعادة في النفوس. أما للكبار، فالفانوس يُعيد إليهم ذكريات الطفولة، ويربطهم بجذورهم الثقافية والدينية، حيث يُعد اقتناء الفانوس وتعليقه في البيت طقسًا رمضانيًا لا يُمكن الاستغناء عنه.
رمزية الفانوس في الثقافة المصرية
يتجاوز الفانوس كونه مجرد أداة للزينة؛ فهو رمز للنور الذي يُبدد الظلام، يُمثل الروحانية والأمل في شهر الصيام. كما أنه أداة تُعبر عن الترابط الاجتماعي، إذ يُعد تقديم الفوانيس كهدايا بين الأصدقاء والأهل عادة مُحببة، ويُستخدم في تزيين الشوارع والمساجد والأسواق، ما يعكس حالة من التلاحم الشعبي والاحتفاء الجماعي بالشهر الفضيل.

فانوس رمضان بين الماضي والحاضر
رغم التغيرات الاجتماعية والتكنولوجية، لا يزال فانوس رمضان حاضرًا بقوة في المشهد المصري. صحيح أن صناعته شهدت تطورات، وأضيفت إليه تقنيات حديثة، إلا أن روحه القديمة ما زالت تُحافظ على سحرها. بل إن انتشار الفوانيس المصنعة محليًا يعكس رغبة المصريين في دعم الحرف التقليدية والحفاظ على الهوية الثقافية.
وتبقى حكاية فانوس رمضان في مصر شاهدًا حيًا على قدرة الشعب المصري على المزج بين التراث والحداثة، والاحتفاء بقيم الفرح والبساطة التي يُجسدها الشهر الكريم. فكل فانوس مُعلق في شرفة، وكل طفل يحمل فانوسه في الشارع، هو امتداد لتاريخ طويل من العادات الجميلة التي تُضيء ليالي رمضان بروح المحبة والتآخي.