تقرير أممي: 50 عامًا لاستعادة الاقتصاد السوري.. وخسائر الحرب تفوق 800 مليار دولار

حذّر تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من أن الاقتصاد السوري، الذي أنهكته الحرب المستمرة منذ 14 عامًا، لن يعود إلى مستوياته قبل الصراع قبل عام 2080، إذا استمرت معدلات النمو الحالية. وأوضح التقرير، الصادر يوم الخميس تحت عنوان "تأثير الصراع في سوريا"، أن الحرب والعقوبات ودمار البنية التحتية أدت إلى انكماش الاقتصاد إلى أقل من نصف حجمه عام 2011، مع معاناة 90% من السكان من الفقر، وربع القوى العاملة من البطالة.
وأشار التقرير إلى أن متوسط النمو الاقتصادي السنوي خلال السنوات السبع الماضية لم يتجاوز 1.3%، وهو معدل بعيد جدًا عن متطلبات التعافي. وبيّن أن تحقيق معدل نمو بنسبة 5% سنويًا على مدار 15 عامًا قد يكون الهدف الأكثر واقعية لإعادة الاقتصاد إلى ما كان عليه في عام 2010.
خسائر الحرب المدمرة
استعرض التقرير الأضرار الواسعة التي لحقت بسوريا جراء الحرب، إذ بلغت خسائر الناتج المحلي الإجمالي نحو 800 مليار دولار خلال 14 عامًا. وقفز معدل الفقر من 33% قبل الصراع إلى 90% اليوم، في حين تضاعف الفقر المدقع ست مرات، ليصل إلى 66%.
أما على مستوى التعليم، فإن ما بين 40 و50% من الأطفال السوريين بين 6 و15 عامًا لا يرتادون المدارس، ما ينذر بعواقب طويلة الأمد على الأجيال القادمة. في الوقت ذاته، يعتمد ثلاثة من كل أربعة أشخاص في سوريا على المساعدات الإنسانية، مع حاجة ماسة لدعم التنمية في مجالات الصحة، التعليم، الدخل، البطالة، الأمن الغذائي، المياه، الطاقة، والإسكان.
انهيار البنية التحتية والخدمات الأساسية
أدى الصراع إلى تدمير أو تضرر نحو ثلث وحدات الإسكان، ما ترك 5.7 مليون شخص بحاجة إلى مأوى. وتضررت أكثر من نصف محطات معالجة المياه وأنظمة الصرف الصحي أو خرجت عن الخدمة، تاركة ما يقرب من 14 مليون شخص — أي نصف السكان — دون مياه نظيفة أو خدمات صرف صحي.
وفي قطاع الطاقة، انخفض الإنتاج بنسبة 80%، مع تضرر أكثر من 70% من محطات الطاقة وخطوط النقل، مما أدى إلى تقليص قدرة الشبكة الكهربائية الوطنية بأكثر من ثلاثة أرباع.
على صعيد التنمية البشرية، تراجع مؤشر التنمية في سوريا من 0.661 عام 2010 إلى 0.557، وهو أقل من أول قيمة سُجلت للمؤشر في سوريا عام 1990، ما يعكس حجم التدهور في مختلف القطاعات الحيوية.
الاستثمار بوابة التعافي
شدد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على أن استعادة الاقتصاد السوري تتطلب ما هو أكثر من المساعدات الإنسانية العاجلة، إذ تحتاج البلاد إلى استثمارات واسعة النطاق وطويلة الأمد في مجالات إعادة بناء البنية التحتية، وتنشيط القطاع الزراعي لتحقيق الأمن الغذائي، وخلق فرص عمل للحد من البطالة والفقر.
وأكد مدير البرنامج أكيم شتاينر أن "تحقيق مستقبل من الاكتفاء الذاتي والرخاء والسلام في سوريا يتطلب استعادة الإنتاجية، ودعم الخدمات الأساسية، وإعادة بناء القطاعات الحيوية". من جانبه، دعا عبد الله الدردري، المدير الإقليمي للدول العربية بالبرنامج، إلى تبني استراتيجية شاملة تشمل إصلاح الحكم، تعزيز الاستقرار الاقتصادي، وإعادة بناء البنية التحتية لتقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية وتعزيز قدرة البلاد على الصمود في وجه الأزمات.
مستقبل سوريا بين التحديات والأمل
رغم الصورة القاتمة التي يرسمها التقرير، إلا أن الأمم المتحدة تؤكد أن التعافي ممكن، بشرط وجود إرادة سياسية قوية، ودعم دولي مستدام، وإصلاحات اقتصادية جذرية. فسوريا، التي كانت يومًا قلبًا نابضًا بالحضارة والتقدم، قد تستطيع النهوض مجددًا إذا توافرت الظروف الملائمة، وبدأ العمل الجاد نحو إعادة البناء وإرساء الاستقرار.