تحديات الهيدروجين الأخضر.. كيف أثرت التكاليف المرتفعة على خطط التحول للطاقة النظيفة؟
في عام 2024، تم التخلي عن عدد من مشاريع إنتاج الهيدروجين الأخضر، وهو الوقود الذي يُعتبر عنصراً مهماً للوصول إلى صافي انبعاثات صفرية. جاء ذلك بعد أن فشلت التوقعات التي كانت تشير إلى انخفاض تكاليف الإنتاج، مما دفع العديد من المطورين إلى إلغاء خططهم. هذه القرارات أثرت سلباً على القطاع الناشئ، الذي يواجه تحديات كبيرة في جذب الاستثمارات التي يحتاجها لتحقيق أهداف خفض الانبعاثات بشكل ملموس.
الهيدروجين الأخضر كحل للطاقة النظيفة
تم الترويج للهيدروجين الأخضر كحل واعد للحد من الانبعاثات الكربونية في العديد من الصناعات التي تعتمد حالياً على الوقود الأحفوري مثل الفحم والغاز الطبيعي. يُنتج الهيدروجين الأخضر باستخدام الكهرباء المولدة من مصادر متجددة لفصل جزيئات الماء، ويُعتبر خياراً محتملاً لتقليص الانبعاثات في قطاعات مثل إنتاج الصلب، الشحن، والتدفئة المنزلية. ورغم الوعود الكبيرة التي أطلقتها الحكومات وشركات الطاقة الكبرى حول إمكانات الهيدروجين، إلا أن التكلفة المرتفعة للإنتاج أدت إلى تخلي الكثيرين عن مشاريعهم.
وفي تصريحات له، وصف إريك تون، كبير التقنيين في لجنة الاستثمار بـ"بريكثرو إنرجي فينتشرز"، الهيدروجين بأنه "سكين الجيش السويسري في الطاقة" بسبب تعدد استخداماته وفعاليته. وأضاف أن الهيدروجين يمكن أن يكون حلاً مثاليًا في حال كان رخيصًا ومتوافرًا بكميات كافية، مما يتيح استخدامه في مختلف المجالات من الطاقة إلى الصناعة. يمكن أيضاً إنتاج أنواع منخفضة الكربون من الهيدروجين باستخدام تقنيات لالتقاط الانبعاثات أو استخراجه مباشرة من الأرض.
زيادة تكاليف مشاريع الهيدروجين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
أظهرت تقارير من "بلومبرغ إن إي إف" أن تكلفة مشاريع الهيدروجين الأخضر في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ارتفعت بنسبة 55% مقارنة بتوقعات عام 2022. السبب الرئيسي في ذلك هو أن عمليات التصميم والهندسة كانت أكثر تعقيدًا مما كان يُعتقد في البداية، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا، مما أدى إلى زيادة تكاليف المدخلات. ونتيجة لذلك، أصبح الهيدروجين المنتج من الطاقة النظيفة أكثر تكلفة بأربع مرات من الهيدروجين الذي يُنتج من الغاز الطبيعي.
وواجه العديد من مشاريع الهيدروجين صعوبة في جذب العملاء بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج. من أبرز المشاريع التي تم إلغاؤها هذا العام، مشروع مصنع سويدي لإنتاج وقود الشحن من الهيدروجين الذي كان يقدر بنحو 175 مليون دولار، حيث لم يتمكن المطورون من إبرام عقود مستقبلية طويلة الأجل بأسعار مستدامة. كما تم التخلي عن مشاريع أخرى مثل مصنع لتصدير الهيدروجين والأمونيا في تسمانيا، بالإضافة إلى أكثر من عشر مشاريع كانت قد خططت لها شركة "بي بي" البريطانية.
تراجع سوق الهيدروجين وركود التوظيف في القطاع
قبل عام، شهد قطاع الهيدروجين نشاطًا متزايدًا في التوظيف، حيث كان هناك طلب كبير على الأدوار التنفيذية والهندسية. لكن هذا الطلب تراجع بشكل ملحوظ، حيث انخفض عدد الوظائف المتاحة من أكثر من 30 وظيفة في بداية العام إلى أقل من 12 وظيفة في الوقت الحالي. هذا التراجع يعكس التحديات التي يواجهها القطاع، والتي أثرت على نموه في الوقت الراهن.
مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر: الأمل في المستقبل
في الوقت الذي يشهد فيه سوق الهيدروجين صعوبات كبيرة، يظل مشروع نيوم للهيدروجين الأخضر في السعودية أملًا كبيرًا للمستقبل. يساهم المشروع في تلبية ما يقرب من 10% من المستهدف العالمي لإنتاج الهيدروجين. ويُتوقع أن يلعب هذا المشروع دورًا حيويًا في تحويل المملكة إلى لاعب رئيسي في سوق الطاقة النظيفة عالميًا.
التأخير في الدعم الحكومي يعطل تقدم مشروعات الهيدروجين
أدى الخلافات بين الحكومات حول تفاصيل الدعم إلى إبطاء تقدم مشروعات الهيدروجين، حيث استغرق الأمر سنوات في الاتحاد الأوروبي لتحديد المشروعات التي يمكن أن تتأهل لإنتاج الهيدروجين الأخضر. ورغم الدعم السخي المقدم بموجب قانون الحد من التضخم في الولايات المتحدة، إلا أن بطء الإجراءات الحكومية كان له تأثير سلبي على سرعة تنفيذ المشاريع.
وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي يواجهها قطاع الهيدروجين، إلا أن هناك دلائل على نمو متواضع في القطاع. من المتوقع أن يتضاعف إنتاج الهيدروجين النظيف هذا العام مقارنة بعام 2023، لكن هذا الإنتاج لا يكفي إلا لتلبية 1% فقط من الطلب العالمي. في هذا السياق، يرى المحللون أن الضجيج الإعلامي قد انتهى، وأن العمل الحقيقي في قطاع الهيدروجين قد بدأ الآن.