على خلفية مشروع الميزانية.. أزمة سياسية جديدة تعصف بفرنسا وحكومة بارنييه مهددة بسحب الثقة
تواجه الحكومة الفرنسية برئاسة ميشيل بارنييه، تحديات كبيرة على خلفية مشروع ميزانية الدولة لعام 2025، مع تصاعد تهديدات المعارضة اليسارية بحجب الثقة، خاصة إذا اضطرت الحكومة إلى اللجوء إلى المادة 49.3 من الدستور لتمرير مشروع الميزانية دون تصويت.
وازداد هذا التصعيد في المشهد السياسي في فرنسا، تعقيدا خاصة بعد أن هددت زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف في الجمعية الوطنية بسحب الثقة من الحكومة، بعد أن اعترضت على عدة بنود بمشروع الميزانية المقدم خاصة ما يتعلق بالقدرة الشرائية، كما عارضت زيادة الضرائب على الكهرباء التي خططت لها الحكومة، هذا بالإضافة إلى أن رئيس التجمع الوطني جوردان بارديلا قد حذر سابقا الحكومة بسبب سياستها المالية.
وكانت المعارضة اليسارية (بنوابها البالغ عددهم 193 في الجمعية الوطنية)، قد حذرت من أنها ستقدم مقترحا بسحب الثقة، وسيتم التصويت عليه في النصف الثاني من شهر ديسمبر إذا لجأت الحكومة إلى المادة 49.3 من الدستور لتمرير الميزانية دون تصويت برلماني، وهو أمر محتمل بسبب عدم وجود أغلبية بالبرلمان. ولن يكون لهذا المقترح فرصة لاعتماده إلا بدعم من 124 نائبا من حزب التجمع الوطني (حيث يلزم 289 صوتا في الجمعية الوطنية للإطاحة بالحكومة).
وفي محاولة لتجنب الإطاحة بالحكومة، بات على رئيس الوزراء بارنييه إجراء مشاورات مع رؤساء الكتل البرلمانية، لإقناعهم بعدم التصويت لصالح مقترح سحب الثقة؛ وهو ما سيحاول القيام به اعتبارا من غد /الاثنين/؛ حيث سيلتقي بزعيمة التجمع الوطني مارين لوبان، في إطار سلسلة المشاورات التي تجمع المعارضة في البرلمان.
وذكر مكتب مجلس الوزراء - وفقا لصحيفة "ليزيكو" الفرنسية والمهتمة بالشأن الاقتصادي والمالي - أن المناقشات تتيح تحديد أولويات مختلف الكتل البرلمانية من أجل ضمان أن تلبي النصوص المالية في الميزانية تطلعات المواطنين مع ضمان الاستدامة المالية.
وفي هذه الأثناء، أدُخلت تعديلات عديدة على مشروع الميزانية لعام 2025 خلال مناقشته بالجمعية الوطنية، وأحيل المشروع المقدم بعد ذلك إلى مجلس الشيوخ الذي استكمل مناقشته أمس السبت، على أن يتم التصويت على كل النصوص الثلاثاء القادم ويُحال بعد ذلك إلى اللجنة المشتركة (من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ) التي من المقرر أن تعقد يوم الأربعاء القادم.
لكن يبدو أن الإطاحة بحكومة بارنييه ليست أمرا مقترحا داخل أروقة البرلمان فحسب، بل هي رغبة عبر عنها الشارع الفرنسي أيضا. فبالرغم من أن ميشيل بارنييه أكد أن الفرنسيين يريدون "الاستقرار"، أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد "إيبسوس" لصالح صحيفة "لا تريبيون ديمانش" ونُشر أمس السبت، أن 53% من الفرنسيين يؤيدون مقترح سحب الثقة. بالنسبة لأنصار حزب "فرنسا الأبية" اليساري الراديكالي، فإن 88% منهم مؤيدون لسحب الثقة من الحكومة، أما مؤيدو الحزب الاشتراكي، فقد كانت النتيجة أضعف قليلا، إذ قال 73% من المشاركين إنهم يؤيدون هذا المقترح.
أما حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، والذي ستكون أصوات نوابه ضرورية لتبني هذا المقترح، فإن 67% من أنصاره يريدون الإطاحة بحكومة بارنييه.
مع ذلك، فإن السؤال الذي يُطرح حاليا "ماذا بعد؟"، فإذا تم الاطاحة بالحكومة، فستعود البلاد إلى "المربع الأول" وهو الوضع الذي كانت عليه قبل خمسة أشهر، بعد نتائج الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية. فقد أظهر 38% من المستطلعة أراءهم رغبتهم في تعيين الرئيس الفرنسي رئيسا للوزراء من التحالف اليساري" الجبهة الشعبية الجديدة"، بينما 33% يريدون شخصية من صفوف الأحزاب السياسية التي تدعم حاليا ميشيل بارنييه، بينما 29% من المستطلعة أراءهم يريدون إعادة تعيين ميشيل بارنييه رئيسا للوزراء.
وتتفاقم الأزمة السياسية في فرنسا أكثر في وقت تشهد فيه البلاد حاليا موجة احتجاجات وإضرابات واسعة تشمل العديد من القطاعات الحيوية من قبل المزارعين وعمال السكك الحديدية والموظفين الحكوميين، وهي تحركات تعكس تزايد الغضب من السياسات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة، فقد شهدت البلاد - الأسبوع الماضي - أولى الاحتجاجات للمزارعين وشملت إغلاق الطرق الرئيسية، ويتزامن ذلك مع إغلاق عدة مصانع والغضب المتزايد بين رؤساء البلديات الذين سيجتمعون في باريس هذا الأسبوع، كما أن قرار الحكومة بزيادة الضرائب وسياسة التقشف التي تتبناها لتلبية التزاماتها تجاه الاتحاد الاوروبي زاد من حدة التوترات والاحتجاجات.
وفي هذا الصدد، يرى محللون أن هذه الاحتجاجات تمثل اختبارا صعبا لحكومة بارنييه، إذ تواجه الحكومة صعوبة في موازنة الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة مع المطالب الاجتماعية المتزايدة، وقد عبر المزارعون، الذين يمثلون إحدى الركائز الاقتصادية والاجتماعية لفرنسا، عن غضبهم تجاه سياسات الحكومة الحالية وعن خيبة أملهم من تراجع دخولهم والقواعد البيئية الصارمة للاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل غياب الدعم الكافي من قبل الحكومة في مواجهة سياسات الاتحاد المتعلقة بالزراعة. إلا أن الحكومة تسعى الان إلى فتح حوار مع النقابات لتحقيق بعض من الهدنة.
وستحسم الأيام المقبلة مستقبل حكومة بارنييه وقدرتها على إدارة هذه الأزمات بفعالية، وإما أن تنجح في تهدئة الوضع والحفاظ على التوازن المالي، إما تتفاقم الأزمة وتهدد استقرارها السياسي وتواجه سحب الثقة قبيل أعياد الميلاد.