«وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة».. عنوان خطبة الجمعة اليوم
حددت وزارة الأوقاف، موضوع خطبة الجمعة أول نوفمبر بعنوان، وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ، بتاريخ 29 ربيع الآخر 1446 هـ ، الموافق 1 نوفمبر 2024م
عناصر خطبة الجمعة اليوم
١- الهدفُ مِن أمرِ اللهِ تعالي لعبادِهِ المؤمنينَ بإعدادِ العدة ..
٢- أنواعُ العدةِ .
٣- الدعوةُ إلي القوةِ بدونِ اعتداءٍ .
٤ – لابُدَّ مِن عودةٍ.
ولقراءة خطبة الجمعة اليوم، بعنوان : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ، كما يلي:
إنّ الحمدَ للهِ، نحمدُهُ ونستعينُهُ ونستهديهِ ونستغفرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِن شرورِ أنفسِنَا ومِن سيئاتِ أعمالِنَا، مَن يهدهِ اللهُ فلا مُضلَّ لهُ، ومَن يُضْلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، فصلواتُ اللهِ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين..
تابع / خطبة الجمعة 1 نوفمبر 2024 م بعنوان : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ، للشيخ كمال المهدي
أمَّا بعدُ:
يقولُ المولَى جلَّ وعلا في محكمِ تنزيلِهِ وهو أصدقُ القائلينَ: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) [الأنفال: ٦٠]،
أحبتِي في الله: كثيرٌ مِن الناسِ يفهمُ هذه الآيةَ فهمًا خاطئًا بل ويتهمُ مِن خلالِهَا الإسلامَ بأنّهُ دينٌ يدعُوا للإرهابِ وذلكَ مِن خلالِ قولِ اللهِ تعالى: (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)، ولكنْ مَن يتدبرْ هذه الآيةَ جيدًا يجدْ أنَّها تدعُو إلى السلامِ ولا تدعُو إلى الإرهابِ؟ كيفَ ذلك؟ تعالُوا لنتدبرَ هذه الآيةَ انطلاقًا مِن قولِ اللهِ تعالى: (أفلا يتدبرونَ القرآنَ أم على قلوبٍ أقفالُهَا) [محمد :٢٤] … إنَّ اللهَ جلَّ وعلا يقولُ: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) ما المقصودُ بالإرهابِ هُنَا؟ المقصودُ أنْ يجدَ العدُّو رهبةً مِن خلالِ القوةِ التي يراهَا في المسلمِ فلا يجرؤُ على قتالِهِ..
والمسلمُ ممنوعٌ مِن التعدِّي على غيرِهِ، فاللهُ جلَّ وعلا قال: (وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة: ١٩٠] فإذا كان المسلمُ قويًّا ضمن جانبَ الاعتداءَ مِن العدوِّ.. فهنَا يكونُ السلامُ. أمَّا إذا كان المسلمُ ضعيفًا ولم يُعدّ العدةَ مِن القوةِ ورأَى فيهِ العدُوُّ الضعفَ تجرأَ العدُوُّ على قتالِهِ وهنَا تكونُ الحربُ فلا يكونُ السلامُ..
فرسالةُ الإسلامِ وتبليغُهَا لابُدَّ وأنْ تكونَ باقتناعٍ مِن الداخلينَ فيهَا، فالإسلامُ لا يكرهُ أحدًا على الدخولِ فيهِ، قالَ تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة، آية: ٢٥٦].
وقد حثَّ الإسلامُ كذلكَ على إقامةِ العدلِ مع المخالفينَ في العقائدِ، وعدمِ ظلمِهِم والتعدِّي عليهِم، قالَ تعالى: (لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة: ٨].
وكلُّ هذا لا يتنافَى مع أمرِ الإسلامِ لأتباعِهِ بإعدادِ القوةِ؛ لمواجهةِ أيِّ عدوٍّ يتربصُ بهِ، أو يتعرضُ لهُ بسوءٍ، قالَ تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:٦٠]، ويقولُ سبحانَهُ وتعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [سورة الحج: ٣٩].
فالغرضُ مِن إعدادِ العدةِ هو إرهابُ العدوِّ، وإرهابُ العدوِّ لا يُقصدُ بهِ ترويعُ الآمنينَ، ولا يقصدُ بإرهابِ العدوِّ التعدِّي على المسالمينَ، لا يقصدُ بإرهابِ العدِّو غصبُ حقِّ المستضعفين..
وإنّمَا يقصدُ بإرهابِ العدوِّ … زجرُ المحاربينَ، وردعُ المجرمينَ؛ لأنّهُم إذا سمعُوا عن قوتِنَا ورأُوهَا رأيَ العينِ لن يُفكرُوا في غزوِنَا أو في إخراجِنَا مِن ديارِنَا.
والعدةُ التي أمرَنَا اللهُ جلَّ وعلا بإعدادِهَا.. نوعانِ: عدةٌ معنويةٌ وعدةٌ حسيةٌ.. العدةُ الحسيةُ هي إعدادُ السلاحِ.. والعدةُ المعنويةُ هي الإيمانُ باللهِ جلَّ وعلا مِن خلالِ تطبيقِ شرعِهِ واتباعِ سنةِ نبيِّهِ ﷺ.. وكلاهُمَا لا تستغنِي عن الأُخرَى، فإعدادُ السلاحِ وحدَهُ لا يكفِي، والإيمانُ باللهِ وحدَهُ بعدمِ الأخذِ بالأسبابِ لا يكفِي. ولكنْ لابُدَّ مِن إعدادِ العدتينِ.. فاذا تساوينَا مع العدوِّ في معصيةِ اللهِ جلَّ وعلا كانتْ الغلبةُ لِمَن ملكَ القوةَ الحسيةَ وهو السلاحُ.
تابع / خطبة الجمعة القادمة 1 نوفمبر 2024 م بعنوان : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ، للشيخ كمال المهدي
** اذًا القوةُ نوعانِ.. قوةٌ حسيةٌ وقوةٌ معنويةٌ.. والأولَى أنْ يقدمَ الإنسانُ القوةَ المعنويةَ وهي الإيمانُ باللهِ جلَّ وعلا واتباعُ رسولِهِ ﷺ وعدمُ مخالفتِهِ..
فاذا كان كذلكَ أيّدَهُ اللهُ جلَّ وعلا بالنصرِ، وقد رأينَا ذلك واضحًا جليًّا في غزوةِ بدرٍ فقد كان عددُ المسلمينَ قلةً وعددُ المشركينَ كثرةً ومع ذلكَ أيّدَهُم اللهُ بنصرِهِ لماذَا..؟
لأنَّ المسلمينَ أعدُّوا قوةً إيمانيةً قويّةً، ولكن تخيل لو أنّ المسلمينَ كانوا قلةً وليسَ معهم سلاحٌ وكانُوا مخالفينَ لشرعِ اللهِ وسنةِ رسولِهِ ﷺ ما الذي كانَ سيحدث؟
كان بلا شكٍ سيهزمُونَ..كذلك في غزوةِ حنينٍ فقد كان عددُ المسلمينَ كثيرًا، كان معهم السلاحُ ولكنَّ العدةَ المعنويةَ قد ضعفتْ شيئًا ما حينمَا اغترُّوا بقوتِهِم فقالُوا لن نُهزمَ اليومَ مِن قلةٍ، ما الذي حدثَ؟ كانتْ الهزيمةُ للمسلمينَ في بدايةِ الأمرِ، قال تعالى: (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئـًٔا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ) [التوبة :٢٥]
* * وفي غزوةِ أُحدٍ بسببِ مخالفةٍ واحدةٍ مِن الرماةِ لرسولِ اللهِ ﷺ ولم تكنْ المخالفةُ متعمدةً ومقصودةً ومع ذلك كانتْ الهزيمةُ قبل نهاية المعركة، إذا لابُدَّ أنْ نكونَ أقوياءَ إيمانيًّا، وذلك مِن خلالِ نصرِ دينِ اللهِ بتطبيقِ شرعِهِ واتباعِ نبيِّهِ ﷺ فإذا نصرْنَا دينَ اللهِ نصرَنَا اللهُ جلَّ وعلا.
ثُمَّ بعدَ ذلكَ لابُدَّ مِن الأخذِ بالأسبابِ، فاللهُ جلَّ وعلا قال: (فاتبعَ سبَبا) لابُدَّ أنْ نأخذَ بالأسبابِ وهو إعدادُ السلاحِ؛ لأنّنَا إنْ لم نأخذ بالأسبابِ يُعدُّ ذلكَ تواكلًا، والتواكلُ مذمومٌ.. إنّمَا الإنسانُ لابُدَّ أنْ يتوكلَ على اللهِ مع الأخذِ بالأسبابِ هذا هو المطلوبُ، فلا تعتمد على إيمانِكَ فحسب بدونِ أنْ تأخذَ بالأسبابِ، فحينمَا جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ ﷺ بدابتِهِ وقالَ يا رسولَ اللهِ ادعُهَا واتوكلُ، قال لهُ اعقِلْهَا وتوكلْ.
فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنه: (أنَّ رجلًا جاءَ إلى النبيِّ ﷺ وأرادَ أنْ يتركَ ناقتَهُ، وقال: أأعقلهَا وأتوكلُ؟ أو أطلِقْهَا وأتوكلُ؟! فقالَ ﷺ: اعقِلْهَا (شدَّ ركبةَ ناقتِكَ مع ذراعِهَا بحبلٍ)، وتوكلْ) رواه الترمذي.
تابع / خطبة الجمعة 1 نوفمبر 2024 م بعنوان : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ، للشيخ كمال المهدي
فحينمَا أمرَ اللهُ جلَّ وعلا عبادَهُ المؤمنينَ بإعدادِ العدةِ فقالَ: (وأعدُّوا لهُم ما استطعتُم مِن قوةٍ) أرادَ جلَّ وعلا أنْ يكونَ عبدُهُ المؤمنُ قويًّا لا للاعتداءِ ولكنْ مِن أجلِ السلامِ كما وضَّحنَا في بدايةِ الأمرِ.
فالمؤمنُ القويُّ أحبُّ الي اللهِ مِن المؤمنِ الضعيفِ، هكذا قالَ رسولُ اللهِ ﷺ وأمرَ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: المُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بِاللَّهِ، ولَا تَعْجَزْ، وإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا كَانَ كَذَا وكَذَا، ولَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ، ومَا شَاءَ الله فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.
ووردَ عندَ البخارِي مِن حديثَ سلمةَ بنِ الأكوعِ رضي اللهُ عنهُ أنَّ النبيَّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ «مَرَّ علَى نَفَرٍ مِن أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، (أي يتنافسونَ ويتسابقونَ في رميِ السهامِ) فَقالَ النبيُّ ﷺ: «ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ، فإنَّ أَبَاكُمْ كانَ رَامِيًا ارْمُوا، وأَنَا مع بَنِي فُلَانٍ قالَ سلمة بن الأكوع: فأمْسَكَ أَحَدُ الفَرِيقَيْنِ بأَيْدِيهِمْ فلم يرموا، فَقالَ ﷺ: ما لَكُمْ لا تَرْمُونَ؟ قالوا: كيفَ نَرْمِي وأَنْتَ معهُمْ يا رسول الله؟ فقالَ النبيُّ ﷺ: ارْمُوا فأنَا معكُمْ كُلِّكُمْ“
ولكنْ تبقَي كلُّ قوةٍ على وجهِ الأرضِ بلا قيمةٍ بلا ثمرةٍ بلا أثرٍ متى كانتْ هذه القوةُ مشتتةً متناثرةً متفرقةً، لابُدَّ مِن التكاملِ والتعاونِ، فعينٌ واحدةٌ لا ترًى جيداً، وأذنٌ واحدةٌ لا تسمعُ جيداً، ويدٌ واحدةٌ لا تصفقُ.
فلابُدَّ أنْ يأخذَ المسلمونَ بجميعِ أسبابِ القوةِ؛ لأنّنَا في زمانٍ لا يعيشُ فيهِ إنسانٌ بأمانٍ على دينِهِ ونفسِهِ وأرضِهِ وعرضِهِ إلّا أنْ يكونَ قويًّا. فإنْ كنَّا اليومَ نشتكِي ضعفاً فضعفُنَا مِن عندِ أنفسِنَا، وإنْ كنَّا نتألمُ لهوانِنَا على الناسِ فهوانُنَا هذا مِن صنعِ أيدينَا، واللهُ ورسولُهُ منهُ بريئانِ.
تابع / خطبة الجمعة القادمة 1 نوفمبر 2024 م بعنوان : وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ، للشيخ كمال المهدي
فعن ثوبانَ مولَي رسولِ اللهِ ﷺ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها، قيل: يا رسولَ اللهِ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ؟ قال لا، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ)
فلابُدَّ مِن عودةٍ للهِ ولرسولِ اللهِ نأتمرُ بأوامرِهِمَا وننتهِي عمَّا نهانَا.
أسألُ اللهَ تعالَى أنْ ينصرَ الإسلامَ والمسلمين، وأنْ يعليَ بفضلِهِ كلمتَيِ الحقِّ والدينِ.