هبوط أسهم آسيا مع تفاقم مخاوف التباطؤ الاقتصادي في أمريكا
انخفضت الأسهم الآسيوية إلى أدنى مستوياتها في ثلاثة أسابيع يوم الإثنين، حيث قادت اليابان التراجعات، وذلك بعدما فاقمت بيانات الوظائف الأمريكية المخاوف من أن يكون بنك الاحتياطي الفيدرالي قد تأخر كثيراً في خفض أسعار الفائدة.
تراجع مؤشر "نيكاي 225" الياباني إلى أدنى مستوى في شهر، حيث أثرت المكاسب الأخيرة للين على توقعات أرباح شركات التصدير، مع نمو الاقتصاد بوتيرة أبطأ من المتوقع. كما سجلت الأسهم في أستراليا وكوريا الجنوبية خسائر، مما دفع مؤشر أسهم منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى أدنى مستوى منذ 16 أغسطس. وتداول الين، الذي ارتفع سابقاً بسبب رفع بنك اليابان لأسعار الفائدة في يوليو وتوقعات خفض الفيدرالي لأسعار الفائدة، عند أقل من 143 يناً مقابل الدولار.
مخاوف تباطؤ الاقتصاد الأمريكي
تؤدي علامات تباطؤ الاقتصاد الأمريكي -والتي قد تمتد إلى دول آسيا المعتمدة على التصدير- إلى تفاقم المخاوف في المنطقة. ويبدو أن سوق العمل الأميركية تفقد زخمها، كما أن الاقتصاد الصيني لا يزال في حالة ركود، وتلاشت الحماسة تجاه شركات أشباه الموصلات مثل شركة "إنفيديا" (Nvidia)، مما أضاف مزيداً من الرياح العكسية.
قالت هيبي تشين، المحللة في مؤسسة "آي جي ماركتس" (IG Markets): "تستعد أسواق الأسهم الآسيوية، وخاصة في المناطق التي تعتمد على شركات التكنولوجيا مثل اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية، لعاصفة، حيث تكون اقتصاداتها حساسة بشكل خاص للتباطؤ العالمي المتزايد". وأضافت: "إذا امتدت غيوم الاقتصاد الأميركي المتعثر للاقتصاد العالمي، قد تتعرض العملات الحساسة للمخاطر مثل الدولار الأسترالي لضغط كبير قريباً".
موجة بيع في وول ستريت
أدت بيانات الوظائف الأمريكية المخيبة للآمال إلى موجة بيع واسعة النطاق في وول ستريت يوم الجمعة. وفقدت سندات الخزانة الأميركية لأجل سنتين (الأكثر تأثراً بتغيرات السياسات النقدية) بعض المكاسب التي حققتها يوم الجمعة، وارتفع الدولار بشكل طفيف يوم الإثنين. وسارت السندات الأسترالية والنيوزيلندية على خطى نظيرتها الأميركية.
في أماكن أخرى من آسيا، ستركز الأنظار على الأصول الصينية حيث يحاول المسؤولون تعزيز المعنويات من خلال إزالة القيود على الملكية الأجنبية في قطاعات التصنيع والصحة. ومن المتوقع متابعة أسهم شركة "سفن آند آي هولدينجز" (Seven & i Holdings) عن كثب وسط تكهنات بتقديم عرض للاستحواذ عليها من شركة "أليمنتاشن كاوتش- تريد" (Alimentation Couche-Tard).
وفي أسواق السلع الرئيسية الأخرى، انخفض خام الحديد إلى ما دون 90 دولاراً للطن لأول مرة منذ أواخر 2022، بينما ارتفعت أسعار النفط من أدنى مستوياتها منذ عام 2021.
يبدو أن سبتمبر سيكون شهراً متقلباً للأسواق، حيث تراجعت الأسهم العالمية والسلع الرئيسية وسط مخاوف من تباطؤ النمو العالمي. ومن المتوقع أن تزداد حالة القلق، خاصة مع صدور بيانات التضخم وأسعار المنتجين في الصين اليوم الإثنين، مما يبرز حالة الانكماش الاقتصادي التي يحاول صانعو السياسات النقدية التصدي لها.
ترقب بيانات التضخم الأمريكي
سيترقب المتداولون هذا الأسبوع بيانات التضخم الأمريكية في ظل تزايد المخاوف من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد تأخر كثيراً في خفض أسعار الفائدة مع ارتفاع مخاطر الركود. وسعت وزيرة الخزانة جانيت يلين في نهاية الأسبوع إلى تهدئة المخاوف، قائلة إنها لا ترى "إشارات إنذار" في النظام المالي، وأكدت مجدداً رأيها بأن الاقتصاد الأميركي حقق سيناريو الهبوط السلس رغم تباطؤ نمو الوظائف. في المقابل، قال كريستوفر والر، محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي، إنه "منفتح" على إمكانية إجراء خفض أكبر لأسعار الفائدة.
قالت ديانا موسينا، نائبة كبير الاقتصاديين بشركة "إيه إم بي" (AMP) في سيدني: "تعليقات صانعي السياسة في الفيدرالي بعد بيانات الوظائف لم تشر إلى وجود حاجة ملحة لخفض أسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس". ورجحت "خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس فقط في سبتمبر، مع وجود مخاطر لخفض أكبر إذا أشارت البيانات إلى الحاجة لذلك".
عانت الأسهم من أسوأ ضغوط بيع أسبوعية منذ مارس 2023، وانخفضت السندات بعد تقرير آخر مخيب للآمال عن سوق العمل الأميركية، مما عزز المخاوف من تباطؤ الاقتصاد وأن الاحتياطي الفيدرالي يتحرك ببطء شديد لإنقاذه.
انخفض مؤشر "إس آند بي 500" (S&P 500) بنسبة 1.7% وتراجع مؤشر "ناسداك 100" (Nasdaq 100) بنسبة 2.7% حيث أظهرت البيانات أن نمو الوظائف الأميركية كان أقل بمقدار 23 ألف وظيفة من التوقعات في أغسطس. وانخفضت عوائد سندات الخزانة لأجل عامين بما يصل إلى 15 نقطة أساس، قبل تقليص الهبوط. في الوقت نفسه، ضعفت مرة أخرى رهانات وول ستريت على خفض الاحتياطي الفيدرالي للفائدة 50 نقطة أساس هذا الشهر، بعد أن اكتسبت زخماً لفترة وجيزة عندما قال محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر إنه "منفتح" بشأن إمكانية إجراء تخفيض أكبر.
قال سكوت رين من معهد "ويلز فارغو للاستثمار": "الأسواق حوّلت انتباهها نحو مدى تيسير الاحتياطي الفيدرالي للسياسة النقدية، ومدى سرعة تباطؤ الاقتصاد. أتوقع تقلبات على المدى القريب".
ارتفعت كشوف الأجور غير الزراعية بمقدار 142 ألف وظيفة الشهر الماضي، ليصل متوسط ثلاثة أشهر إلى أدنى مستوى منذ منتصف 2020. وانخفض معدل البطالة إلى 4.2%، وهو أول انخفاض في خمسة أشهر، مما يعكس تحول عمليات التسريح المؤقت للعمال.
"بيانات التوظيف لشهر أغسطس تشير مجدداً إلى أن الاقتصاد يفقد زخمه، ويقترب من نقطة انعطاف"، وفق ستيفن بليتز من "تي إس لومبارد" (TS Lombard)، مضيفاً :"سواء تحول إلى الركود، أو إلى شيء أقل سلبية، فالأمر سيعتمد على مدى جرأة الاحتياطي الفيدرالي في مواجهة الزخم السلبي الحالي. وهل سيخفض الفائدة 25 نقطة أساس أو 50 نقطة أساس؟".
في حين أن رد الفعل على بيانات التوظيف السابقة كان أسوأ، فهذه هي المرة الأولى منذ 2012 التي يهبط فيها مؤشر "إس آند بي 500" بأكثر من 1.5% بعد صدور تقرير الوظائف لمرتين على التوالي (أي يوم صدور تقرير يوليو، وتقرير أغسطس).
تراجعت جميع المجموعات الرئيسية في مؤشر "إس آند بي 500"، وانخفض مؤشر الأسهم الكبرى "العظماء السبعة" بنسبة 3.4%. هبط سعر سهم "إنفيديا" بنسبة4.1%. تراجعت أسهم "برودكوم" بنسبة 10% بسبب توقعات مخيبة للآمال. وخسر مؤشر داو جونز الصناعي 1%. وانخفض مؤشر "راسل 2000" للشركات الصغيرة بنسبة 1.9%. وصل مؤشر الخوف في وول ستريت –"VIX"– إلى 22 نقطة.
استقرت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات عند 3.72%. وتذبذب سعر صرف الدولار. وانخفض سعر "بتكوين" 4.5%. تراجعت أسعار النفط والذهب.
نهج حذر
يتوقع التجار تيسيراً نقدياً بما لا يقل عن ربع نقطة هذا الشهر، رغم أن البعض لا يزال يراهن على خفض أكبر عندما يجتمع المسؤولون في واشنطن يومي 17 و18 سبتمبر.
يرى كريشنا جوها من "إيفركور" (Evercore)، أن تصريحات والر تميل لتفضيل واضح للبدء بخفض الفائدة 25 نقطة أساس في سبتمبر والاستعداد للتسريع إلى 50 نقطة أساس في نوفمبر أو أي اجتماع لاحق إذا زادت المخاطر على التوظيف.
قال جوها: "هذا ليس أسوأ نهج ممكن. لكن من وجهة نظرنا، فهي لا تزال غير ذات توجه تطلعي كافٍ فيما يتعلق بإدارة المخاطر، وبالتالي فهي غير صديقة داعمة لتحمل المخاطر بالنسبة للأسواق".
تراجع سوق العمل
وفي حين قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إن البنك المركزي "لا يسعى ولا يرحب بمزيد من التراجع في ظروف سوق العمل"، فإن الأرقام تتجه في هذا الاتجاه (بعد المراجعة)، وفق دون ريسميلر من "استراتيجاس" (Strategas).
وقال: "من أجل التأمين ضد المراجعات النزولية، يجب على الاحتياطي الفيدرالي أن يخفض الفائدة 50 نقطة أساس في سبتمبر.. إنهم متخلفون عن السوق حالياً".
وفي خضم كل المناقشات حول حجم خفض الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، "يذهلنا" أن السوق تستعد "لصورة نهائية" بناءً على ملف التضخم في أغسطس - رغم أن التوظيف سيحصل بلا شك على اهتمام أكبر من قبل المسؤولين في هذه المرحلة من الدورة الاقتصادية، وفق إيان لينجن من "بي إم أو كابيتال ماركتس" (BMO Capital Markets).
"ربما سيكون الأمر أقرب إلى المباراة؟ وفي كلتا الحالتين، فضل الكثيرون الاستسلام ومتابعة انتقال الجدل (حول حجم خفض الفائدة) إلى الوقت الإضافي. وغني عن القول إن الاحتياطي الفيدرالي يستنزف الوقت في النهاية وإن خفض أسعار الفائدة هو نقطة البداية.. يحتاج باول إلى ضربة ساحقة ليتمكن من تأمين الهبوط السلس".
ديفيد دونابيديان من "سي آي بي سي برايفت ويلث":
تقرير كشوف الأجور الضعيف لشهر أغسطس لا يشير إلى الركود، لكنه يؤكد على أن ميزان المخاطر المحيطة بسيناريو الهبوط السلس يميل إلى الجانب السلبي.
لا تزال سوق الأسهم تحاول معرفة مدى التباطؤ الذي يحدث في الاقتصاد. هل هو ركود بسيط أم أن هناك احتمالاً للركود؟ تقرير اليوم لا يجيب على هذا السؤال. فجميع الاحتمالات قائمة، ما سيفعله الاحتياطي الفيدرالي. إذا خفض البنك المركزي أسعار الفائدة 50 نقطة أساس، فإن الخطر يكمن في أن يبدو الاحتياطي الفيدرالي في حالة من الذعر وأن خطر الركود أعلى مما يُعتقد بشكل عام.
فلوريان إيلبو من "لومبارد أودييه انفستمنت مانجرز":
هذه البيانات لا تعطي بالضرورة الضوء الأخضر للاحتياطي الفيدرالي لخفض الفائدة 50 نقطة أساس في سبتمبر: فالشعور بالطوارئ لم يظهر بعد، ويمكن تحقيق الكثير بالفعل رغم بيان مائل للتيسير في سبتمبر.
سيكون على السوق التعايش مع شعار "هذا ليس سيئاً كما هو متوقع ولكنه ليس جيداً أيضاً" لبعض الوقت الآن.
سيما شاه من "برنسيبال أسيت مانجمنت":
نادراً ما كان هناك مثل هذا الرقم، ومن المؤسف أن تقرير الوظائف اليوم لم ينه الجدل حول الركود بشكل كامل.
بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي، يعود القرار إلى تحديد ما هو الخطر الأكبر: إعادة إشعال ضغوط التضخم إذا خفض الفائدة 50 نقطة أساس، أو التهديد بالركود إذا خفضها 25 نقطة أساس فقط. عامةً، مع تراجع ضغوط التضخم، لا يوجد سبب يجعل الاحتياطي الفيدرالي لا يميل للحذر والمبادرة بخفض أسعار الفائدة.
أندرو برينر من "مات أليانس سيكرويرتيز":
كان تقرير التوظيف اليوم ضعيفاً بما يكفي ليتحرك الاحتياطي الفيدرالي في أي من الاتجاهين. ولا نرى أي تقارير أخرى متعلقة بالتوظيف تعيدنا إلى فرضية خفض الفائدة 50 نقطة أساس. وهذا لا يعني أننا لا نستطيع الحصول على حفض للفائدة 25 نقطة أساس في سبتمبر، ثم 50 نقطة أساس في كل من نوفمبر وديسمبر. من الواضح أن الاحتياطي الفيدرالي متأخر عن السوق.
تيفاني وايلدنج من "باسيفيك انفستمنت":
بشكل عام، فإن تقرير اليوم يتوافق تماماً مع اقتصاد يتباطأ، لكنه لا ينهار.
ما زلنا نعتقد أن صانعي السياسة النقدية من المرجح أن يبدأوا دورة التيسير بخفض قدره 25 نقطة أساس في سبتمبر. بغض النظر عن حجم التخفيض في سبتمبر، نعتقد أن مسؤولي لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية سيشيرون من خلال التوقعات المحدثة إلى أنهم يخططون لإعادة السياسة النقدية إلى مستويات طبيعية بشكل أسرع بكثير مما كان يعتقد سابقاً، وربما الوصول إلى هناك بحلول نهاية 2025.
جيفري روتش من "إل بي إل فاينانشال":
نتوقع أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي الفائدة 25 نقطة أساس، ويحتفظ بالحق في أن يكون أكثر جرأة في الاجتماعين الأخيرين لهذا العام.
بريان روز من "يو بي إس غلوبال ويلث مانجمنت":
ومن وجهة نظرنا، فإن البيانات المتاحة حتى الآن لم تكن ضعيفة بما يكفي لإجبار الاحتياطي الفيدرالي على خفض الفائدة بقوة. نحن نبقي على توقعنا الأساسي المتمثل في الهبوط السلس للاقتصاد مع قيام الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة 100 نقطة أساس بحلول نهاية العام.