رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

«تونا الجبل».. مصدر إلهام طه حسين لكتابة «دعاء الكروان»

نشر
دعاء الكروان
دعاء الكروان

على بعد 50 كيلومترا تقريبا، جنوب مدينة المنيا؛ تقع منطقة (تونا الجبل) الأثرية غرب النيل، التي تعد من أهم المناطق الأثرية في مصر، حيث يفد إليها السائحون من مختلف دول العالم لمشاهدة مقبرة (إيزادورا) المعروفة بـ "شهيدة الحب"؛ تلك الفتاة اليونانية التي كانت تعيش على ضفاف النيل، الذي شهد على قصة حبها.. وبينما كانت تعبر النيل لملاقاة حبيبها على الشط الغربي انقلب بها القارب وغرقت لتكون أقدم شهيدة للحب في التاريخ.. تلك المنطقة التي ارتبط اسمها بعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، الذي يعود ارتباطه بالمنطقة إلى عام 1931، وأقيمت له بعد ذلك استراحة كان يزورها هو وزوجته ولفيف من المفكرين والمثقفين والفنانين ولاتزال الاستراحة قائمة حتى يومنا هذا، وأجريت عليها تعديلات وتطوير وترميم خلال الفترة الماضية.
 

ففي ذلك الوقت كان الدكتور سامي جبرة، الذي كان أستاذًا في علم المصريات بجامعة القاهرة، يعمل على تقديم طلب للجامعة لإجراء حفريات أثرية في منطقة (تونا الجبل) بصحراء ملوي، وكان من المفترض أن يشرف جبرة على هذه الحفريات ومن هنا ظهر الدكتور طه حسين في القصة.
 

وقال مدير تنشيط السياحة في (تونا الجبل) فرج عبدالعزيز الجهمي - في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط - إن كتب التاريخ تحكي أن الدكتور سامي جبرة عالم الآثار المعروف كان قد تقدم بطلب لصالح مصلحة الآثار لبدء أعمال الحفائر في (تونا الجبل) في عام 1931، ولم تتم الموافقة على طلبه بسبب ضيق وضعف الميزانية؛ فقدم طلبه إلى جامعة القاهرة وكان الدكتور طه حسين عميدا لكلية الآداب بها فوافق العميد على تمويل الحفريات من خلال كلية الآداب، وبدأ العمل في فبراير 1931 في (تونا الجبل) وأثناء الحفر حضر الدكتور طه حسين شخصياً إلى المنطقة لتشجيع الفريق ودعمهم، وحققت الحفريات نجاحاً ونتائج جيدة مع مرور الوقت، مما دفع الدكتور طه حسين للانتقال إلى المنطقة والإشراف على الجانب المالي للبعثة بنفسه.
 

وأضاف الجهمي، أن الدكتور سامي جبرة كتب - في مذكراته - أن في ذلك الوقت قدم طلباً لمحافظة أسيوط التي كان مركز ملوي يتبعها في ذلك الوقت، من أجل توفير مكان خاص لإقامة الدكتور طه حسين وزوجته بعيداً عن مكان إقامة بعثة الحفريات، ووافقت أسيوط على بناء استراحة خاصة للدكتور طه حسين وأطلق عليها اسمه، وأصبحت مكاناً يجتمع فيه محبوه ورواده وتحولت إلى صالون ثقافي في أحيان كثيرة.
 

كما تحكي المذكرات - حسبما يروي جبرة - أنه خلال وجود الدكتور طه حسين في (تونا الجبل) كان يزور المواقع الأثرية في المنطقة، بما في ذلك موقع (إيزادورا)، حيث كان يجلس بجواره لفترات طويلة، وكان يقيم في بعض الأحيان حفلات سمر وحفلات المديح النبوي للعمال، في جو من المرح ولتخفيف حدة العمل لأعضاء البعثة الأثرية وأصبحت (تونا الجبل) مكاناً يجذبه ويلهمه، وترسخت رابطة قوية بينه وبين المنطقة، وبعد انتهاء الحفريات، عاد الدكتور طه حسين إلى القاهرة وظل على علاقة مستمرة بمنطقة (تونا الجبل). 
 

وأشار مدير تنشيط السياحة، إلى أن هناك روايات تناقلها الأهالي تشير إلى أن عميد الأدب العربي كتب قصته الشهيرة (دعاء الكروان) واستعان باستراحته في تصوير أجزاء من الفيلم، التي جسد خلالها الفنان الكبير أحمد مظهر دور مهندس الري ومعه الفنانة فاتن حمامة، واختيار طه حسين هذه المنطقة لتصوير أجزاء من الفيلم لم يأت من فراغ، فـ (تونا الجبل) تضم جزءاً ريفياً يعيش فيه الأهالي وجزء صحراوياً يضم المنطقة الأثرية وبداخلها استراحة طه حسين، وهي ظهرت وبنفس معالمها التي ما زالت موجودة في فيلم (دعاء الكروان)، الذي كتبت روايته في (تونا الجبل).
 

وتابع الجهمي: أنه بعد فترة من الزمن في ذاك الوقت قرر الدكتور طه حسين إعادة زيارة (تونا الجبل) والاستقرار فيها لفترة طويلة، حيث اشترى قطعة أرض وبنى منزلاً يستخدمه كمقر إقامة له ولعائلته، وأصبحت (تونا الجبل) ملاذاً له يمضي فيه أوقاتاً هادئة ويستمتع بالطبيعة والهدوء، وبعد وفاة الدكتور طه حسين في عام 1973، تم الحفاظ على استراحته وتحويلها إلى متحف يضم مقتنياته الشخصية ومقتنيات (تونا الجبل) التاريخية، ولا يزال اسم الدكتور طه حسين مرتبطاً دائماً بالمنطقة. 
 

وأوضح أن الدكتور سامي جبرة مدير حفائر جامعة القاهرة، ذكر في مذكراته قيمة ومكانة الدكتور طه حسين بمكانته العلمية والشخصية، حيث أضاف الكثير والكثير لأعمال الحفائر في منطقة (تونا الجبل) بمساندته المستمرة وموافقته على أن تكون نفقات الحفائر على حساب كلية الآداب بجامعة القاهرة والدعم اللامحدود ومرافقته وزياراته الدائمة في (تونا الجبل)، التي كانت تزيد من الحماس وتضيف للمكان، فمجرد وجوده في (تونا الجبل) كان شهرة للموقع، حيث كان يتردد على زيارته الكثير من أصدقائه الكتاب والأدباء وأصحاب الفكر والرأي المثقفين والفنانين ومنهم الأجانب. 
ه د أ - ك ف

عاجل