تراجع شراء الأجانب للعقارات في الولايات المتحدة وسط ارتفاع الأسعار وقوة الدولار
يشهد سوق العقارات السكنية في الولايات المتحدة انحسارًا في نشاط المشترين الدوليين، وذلك لعدة أسباب رئيسية، تأتي في مقدمتها الارتفاع المستمر في أسعار المنازل وقلة المعروض، بالإضافة إلى الزيادة الملحوظة في قيمة الدولار الأمريكي مقابل العملات الأجنبية.
ووفقًا لتقرير حديث أصدرته الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين "NAR"، انخفضت مشتريات المستثمرين الدوليين للعقارات القائمة في الولايات المتحدة بشكل ملحوظ خلال الفترة من أبريل 2023 إلى مارس 2024، حيث وصل عدد المنازل التي اشتراها الأجانب خلال تلك الفترة إلى 54.300 منزل، ما يمثل انخفاضًا بنسبة 36% مقارنة بالعام السابق. ويعدّ هذا الرقم أدنى مستوى للاستثمار الأجنبي في العقارات الأمريكية منذ أن بدأت الرابطة في تتبع هذه البيانات عام 2009.
وبلغ إجمالي قيمة الصفقات العقارية المبرمة من قبل المشترين الأجانب خلال نفس الفترة 42 مليار دولار، أي ما يعادل انخفاضًا بنسبة 21% عن العام السابق. ويعود هذا التراجع بشكل أساسي إلى الارتفاع الكبير في متوسط أسعار المنازل التي تم شراؤها من قبل الأجانب، حيث وصل متوسط سعر الشراء إلى 780.300 دولار، بينما بلغ متوسط سعر البيع 475.000 دولار، وهما أعلى مستويين على الإطلاق تم تسجيلهما من قبل الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين.
وعلى الرغم من الانخفاض العام في مشتريات الأجانب، إلا أن بعض الجنسيات استمرت في النشاط بالسوق، حيث تصدّرت كندا والصين والمكسيك والهند قائمة أكبر المشترين من حيث الحجم. ولوحظ تركّز اهتمامات هؤلاء المشترين على العقارات في ولايات فلوريدا وتكساس وكاليفورنيا وأريزونا.
وبشكل خاص، برز المشترون الصينيون كأكثر الجنسيات شراءً للعقارات، مع ميلهم إلى شراء منازل بأسعار أعلى من المتوسط، وفقًا لتقرير الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين.
ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن التقرير المذكور يشمل فقط مبيعات المنازل القائمة، بينما يلعب المشترون الأجانب دورًا هامًا أيضًا في مجال التطوير العقاري الجديد، وهو ما لا يتمّ تناوله في بيانات الرابطة.
وفي تفسيره لهذا التراجع، أشار كبير الاقتصاديين في الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين، لورانس يون، إلى أن "ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي يجعل السفر إلى الولايات المتحدة أرخص بالنسبة للأمريكيين، ولكنه في المقابل يزيد من تكلفة العقارات بالنسبة للمشترين الأجانب".
وأضاف يون: "لذلك، ليس من المستغرب أن نشهد انخفاضًا في مبيعات المنازل الأمريكية للمشترين الأجانب".
وبالإضافة إلى ارتفاع الأسعار وقوة الدولار، يواجه المشترون الأجانب عقبات أخرى، كما أوضح يوفال جولان، الرئيس التنفيذي لشركة "فالتز"، وهي شركة وسيطة تهدف إلى تسهيل عمليات الشراء العقارية للأجانب في الولايات المتحدة.
وذكر جولان بعضًا من هذه التحديات، مثل: صعوبة الحصول على تقييم ائتماني، واختلاف الأسماء والجوازات، وتعقيدات تحويل الأموال عبر الحدود، وفهم قوانين الملكية والرهن العقاري والقروض في الولايات المتحدة.
وقال يوفال جولان، الرئيس التنفيذي لشركة فالتز، وهي شركة وسيطة تهدف إلى تسهيل المشتريات الأجنبية للعقارات السكنية الأميركية: "ليس لدينا درجة ائتمانية، ولدينا اسم غريب، ولدينا جواز سفر مختلف".
وتابع جولان "ثم نحتاج إلى تحويل الأموال عبر بلدين، وهذا يستغرق وقتاً. هناك صرف عملات أجنبية إضافي نحتاج إلى التعامل معه، ومجموعة من الموضوعات التي لا نعرفها، مثل شركة الملكية، ووسيط الرهن العقاري والمقرض الذي قد لا يفهم تاريخنا الائتماني والدخل".
تأثير الدولار والانتخابات
في الوقت الحالي، يشكل المشترون الدوليون 1.3% فقط من إجمالي مبيعات المنازل في الولايات المتحدة سنوياً، وفقاً لتقرير NAR، وكانت نصف مبيعات المشترين الدوليين نقداً بالكامل، مقارنة بنحو 28% من إجمالي مبيعات المنازل القائمة.
يأتي المزيد من العرض إلى السوق الأميركية، لكنه لا يزال منخفضاً تاريخياً، وتظل الأسعار مرتفعة بشكل عنيد.
ثم تأتي الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث يميل المشترون الدوليون إلى التراجع خلال أوقات عدم اليقين السياسي. ومن غير المرجح أن تتحسن المبيعات من المشترين الأجانب في العام المقبل ما لم تتحسن عدة عوامل، اقتصادية وسياسية.