العجوز والكلب.. «مدرسة الإنسانية» لم ينجح أحد
كانت تسعة أشهر من القصف والاستباحة، والإبادة الجماعية منذ بدء عملية طوفان الأقصى كافية لتصنع من العجوز الفلسطينية دولت عبدالله الطناني -التي أصبحت على أعتاب السبعين عامًا- وتدًا ثابتًا في أرض مخيم جباليا لا تستطيع أي قوة كامنة على ظهر هذه البسيطة من زعزعة استقراره، وطرده من أرضه التي تماهت مع جسدها النحيل بعد أصبحا جزءًا لا يتجزأ عن بعضه.
داخل مخيم جباليا بقطاع غزة، في ليلة من ليالي الشقاء والألم، صلّت الحاجة دولت عبدالله الطناني العشاء، ثم أوت إلى فراشها، ولم يدر بخلدها أن نيوب كلب الاحتلال الإسرائيلي بارزة لتنهش لحمها القديد، وتكسر عظامها الهشة.
أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي كلبًا بوليسيًا شرسًا على المسنة الفلسطينية دولت عبدالله الطناني صاحبة السابعة والستين عامًا، وهي نائمة على فراشها لا تعرف الخوف؛ فقلبها العجوز أشد من الحديد، وفرائصها الهزيلة ثابتة لا ترتعد، وعيناها الزابلتان تقوى على مواجهة أضواء نيران الصواريخ وقذائف المدافع؛ فظل جسدها متجمدًا ثابتًا على سريره لا يخشي أنياب كلب الاحتلال البارزة.
لم يكن كلب الاحتلال الإسرائيلي على عهده بوفاء الكلاب مع المرضى والعجائز، وإنما غلبت عليه طباع الوحشية والعقر، فعقرها، وأصابها بنزيف حاد، وكسور خطيرة، وسحبها من فراشها الذي لم تستطع رصاصات البنادق الغادرة، وقذائف المدافع الهادرة، وقنابل الطائرات المفزعة، أن تحرمها من أمانه وطمأنينته، إلى خارج منزلها؛ بعد أن امتنعت عن النزوح عن جباليا بعد أحداث السابع من أكتوبر منذ بدء عملية طوفان الأقصى.
وفي ظل انعدام الأدوية تمامًا، وتضرر المستشفيات في قطاع غزة وخروجها من الخدمة عانت العجوز النحيلة من عقر الكلب البولسي، ومازالت تعاني؛ ليس فقط من الجروح والكسور؛ بل لأنها أجبرت على ترك منزلها، الذي استبيحت حرمتها فيه، أمام العالم أجمع، ولم يحرك له ساكنًا، وكان لها بمثابة الماء والهواء.
كشف الفيديو الفاضح لجرائم الاحتلال الإسرائيلي، بحق النساء والأطفال في فلسطين أن اعتداء الكلب البوليسي على العجوز الفلسطينية استمر لفترة طويلة؛ ما سبّب لها نزيفًا حادًا كسورًا بأنحاء جسدها الضعيف.
الفيديو الذي تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع يظهر كاميرا تم تركيبها على رأس الكلب؛ وهو يحاول إخراج العجوز الفلسطينية من حجرتها خلال عملية تفتيش في مخيم جباليا.
وقالت العجوز الفلسطينية، إن جنود الاحتلال الإسرائيلي أطلقوا الكلب الشرس لمهاجمتها أثناء نومها بمنزلها وتعرضها لإصابات خطيرة؛ مشيرة إلى تكرار مثل هذه الحوادث المشينة في منطقتها؛ إذ يقوم جنود الاحتلال الإسرائيلي بإطلاق كلابهم الشرسة على النازحين بمخيم جباليا.
وتسكن ضحية كلب الاحتلال حاليًا بعد انهيار ديارها، في أحد منازل أقاربها من النازحين في غرب غزة، وترغب في عودتها مرة أخرى إلى جباليا وتبني خيمة تقيم فيها بعد انهيار منزلها في الرابع عشر من يونيو الجاري.
ليالي البؤس والألم في مخيم جباليا
مخيم جباليا أحد أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة، أنشئ بمحاذاة بلدة جباليا بعد نزوح آلاف الفلسطينيين إليه قادمين من قرى ومدن جنوب فلسطين عقب النكبة عام 1948.
ويقع مخيم جباليا في الشمال الشرقي لقطاع غزة بمحاذاة مدينة تحمل الاسم ذاته، وعلى مسافة كيلومتر واحد عن الطريق الرئيسية غزة-يافا. تحده من الشمال قرية بيت لاهيا ومن الجنوب والغرب مدينة جباليا وقرية النزلة ومن الشرق بساتين الحمضيات
بدأ أوائل اللاجئين الفلسطينيين يستقرون في المخيم بعد نكبة 1948، وأشرفت عليه جمعية الكويكرز البريطانية ووزعت الخيام على اللاجئين إلى حين تأسيس وكالة الأونروا، بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 الصادر في 6 ديسمبر/كانون الأول 1949.
تعرض المخيم طيلة عقود لمجازر سقط فيها مئات المدنيين، ودمرت خلالها المباني السكنية والمؤسسات المدنية والخدماتية؛ ما زاد من استفحال ظروف الحياة في المخيم.
ونفذت قوات الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية أطلقت عليها "أيام الندم" عام 200ِ4 بدعوى تأمين منطقة عازلة لحماية المستوطنات الإسرائيلية من صواريخ كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وقصفت خلال هذه العملية المخيم لـ17 يوما، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 100 فلسطيني وتشريد أكثر من 600 وتدمير مئات المباني السكنية والمؤسسات المدنية والصحية والخدماتية.