رئيس التحرير
أحمد ناصف
رئيس التحرير
أحمد ناصف

«الإفتاء» توضح حكم الكذب من أجل الحج أو التخلف بعد أداء المناسك للبحث عن عمل

نشر
الحج
الحج

ما حكم الكذب من أجل الحج؟ حيث يقوم بعض الناس بالكذب بشأن البيانات التي تطلب منهم من الجهات الرسمية، فيخبرون بغير الحقيقة من أجل السفر إلى الحج؛ كأن يخبر بأنه لم يسبق له الحج قبل ذلك، فهل الكذب فى مثل هذه الحالات جائز؟ وهل يجوز لسائق مثلًا أن يدَّعى كذبًا أنه سبق له السفر إلى الحج من أجل الحصول على عقد للعمل كسائق خلال موسم الحج؟ وهل يجوز التخلف عن المدة المسموح بها لأداء الشعائر، والبقاء بالأراضي المقدسة من أجل العمل أو العبادة؟، أسئلة أجابت عنها دار الإفتاء بالآتي:


كل هذا حرام شرعًا؛ لاشتماله على الكذب أو الغش أو الخداع المذموم، وكلها مسالك يبغضها الله ورسوله ولو كان الحج في أصله طاعة؛ فإنه لا يتوصل إلى الطاعة بالمعصية.

 

من المقرر شرعًا وجوب طاعة أولى الأمر والالتزام بما يصدر عنهم من قوانين ما لم تكن حرامًا مُجْمَعًا على حرمته؛ فقد أوجب الله عز وجل طاعة أولى الأمر بقوله: ﴿يا أيُّها الذين آمَنوا أَطِيعُوا اللهَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِى الأَمرِ مِنكم﴾ [النساء: 59]، وقد أخرج السِّتَّةُ عن ابن عمرَ رضى الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «السَّمعُ والطاعةُ على المَرء المسلم فيما أَحَبَّ وكَرِهَ، ما لم يُؤمَر بمَعصِية، فإذا أُمِرَ بمَعصِيةٍ فلا سَمعَ ولا طاعةَ»، والأدلة على هذا كثيرة، والإجماعُ منعقد على وجوب طاعة أولى الأمر من الأمراء والحكام فيما لا يخالف الشرع الشريف.


وللحاكم أن يَسُنَّ مِن التشريعات ما يراه مُحَقِّقًا لمصالح العباد؛ فإنَّ تَصَرُّفَ الإمام على الرعية مَنُوطٌ بالمصلحة، والواجبُ له على الرعية الطاعة والنصرة، ومَن دخل إلى بلد من البلاد فعليه الالتزام بقوانينها وتحرم عليه المخالفة، وحكومات تلك البلاد لم تضع مثل هذه الضوابط والتشريعات وتمنع ما عدا ذلك إلا لمصالح تُقَدِّرها.


ومِن جهة أخرى، فإن الكذب متفق على حرمته، ولا يرتاب أحدٌ فى قُبحه، والأدلة الشرعية على ذلك كثيرة؛ منها ما أخرجه البخاري ومسلم فى "صحيحيهما" واللفظ لمسلم، عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قال «مِن علاماتِ المُنافِق ثلاثةٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أَخلَفَ، وإذا اؤتُمِنَ خانَ»، فالكذب كله حرام إلا ما ورد الشرع باستثنائه، وهذه الصور المستثناة فى بعض الأحاديث لا تُعَدُّ مِن الكذب إلا على سبيل المجاز؛ منها ما أخرجه ابن أبى شَيبةَ والترمذي وغيرهما واللفظ لابن أبى شيبه عن أَسماءَ بنت يزيدَ رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَصلُحُ الكَذِبُ إلَّا فى ثلاثٍ: كَذِبِ الرجلِ امرأتَه ليُرضِيَها، أو إصلاحٍ بين الناس، أو كَذِبٍ فى الحرب»، وفى رواية أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا يَحْمِلُكُمْ عَلَى أن تَتَايعُوا فِى الْكَذِبِ -قَالَ زُهَيْرٌ: أُرَاهُ قَالَ:- كَمَا يَتَتَايَعُ الْفَرَاشُ فِى النَّارِ، كُلُّ الْكَذِبِ يَكْتُبُ عَلَى ابْنِ آدَمَ إِلَّا ثَلَاثَ خِصَالٍ: رَجُلٌ يَكْذِبُ امْرَأَتَهُ لِتَرْضَى عَنْهُ، وَرَجُلٌ يَكْذِبُ فِى خُدْعَةِ حَرْبٍ، وَرَجُلٌ يَكْذِبُ بَيْنَ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمَا» رواه الطبرانى فى "المعجم الكبير"، وقوله: «تتايعوا» من التَّتايُع: وهو الوقوع فى الشر من غير فِكرة ولا رَوِيَّة والمُتابَعَة عليه، ولا يكون فى الخير.


وأَخرَجَ مسلمٌ بعضَه من حديث أم كُلثومٍ بنتِ عُقبةَ بن أبى مُعَيطٍ رضى الله عنها وكانت من المُهاجرات الأُوَلِ اللاتى بايَعنَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها سَمِعَت رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: «ليس الكَذَّابُ الذى يُصلِحُ بين النَّاسِ ويقولُ خَيرًا ويَنمِى خَيرًا»، قال ابن شِهابٍ: [ولم أسمَع يُرَخَّصُ فِى شيءٍ مِما يقولُ الناسُ كذِبٌ إِلا فِى ثلاث: الحرب، والإصلاح بينَ النَّاسِ، وحديث الرجلِ امرأتَه وحديث المَرأةِ زوجَها] اهـ.


وعلى هذا: فالصور المذكورة فى السؤال مِن الكذب المحرَّم، وليست مِن جنس ما استثناه الشارعُ ورَخَّص فى الكذب لأجله.

وبناء على ما تقدم مِن وجوب اتباع القوانين والتشريعات المُنَظِّمة للمصالح، والتى لا تعارضُ الشريعةَ الإسلامية، وعلى ما تقدم مِن حرمة الكذب إلا فيما استثناه الشارع، نقول: يحرم التحايل والإدلاء ببيانات كاذبة غير مطابقة للواقع وللحقيقة إلى الجهات الرسمية؛ سواء أكان للسفر للحجِّ أم لقضاء أى مصلحة أخرى، وسواءٌ أكان فى بلده أم البلد التى سيسافر إليها، والواجب التقيد بما رآه أولياء الأمر؛ لما فى الكذب من تفويت المصلحة التى تَغَيَّاها الحاكم من سَنِّهِ القوانينَ، وهذا التحايل حرام؛ سواء أكانت الحيلة جائزة فى نفسها أم كانت الحيلة نفسُها حرامًا؛ بأن اشتملت على الكذب مثلًا، فإن الحرمة تتأكد، ومن ذلك إحضارُ السائق مثلًا لعقود وهمية مخالفة للحقيقة بأنه سبق له السفرُ والعملُ كسائق بالبلد التى سيذهب إليها، أو إخبارُ الحاج عن نفسه أنه لم يحج مِن قبل، أو أنه لم يحج فى فترة محددة على خلاف الحقيقة، فكل ذلك لا يجوز؛ لاشتماله على الكذب أو الغش أو الخداع.


وكذلك لا يجوز التخلف بعد أداء الشعائر إذا مَنَعَ الحاكمُ ذلك.

عاجل