تكتيكات حماس في غزة تثير مخاوف إسرائيلية بشأن «حرب أبدية»
بعد 7 أشهر من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لا تزال حركة "حماس" بمنأى عن الهزيمة، ما يثير مخاوف في إسرائيل من أنها تنزلق باتجاه "حرب أبدية"، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال".
وقالت الصحيفة الأمريكية، إن الحركة الفلسطينية تستخدم شبكة أنفاقها، وخلايا صغيرة من المقاتلين، وتأثيرها الاجتماعي واسع النطاق ليس فقط للبقاء، وإنما لشن هجمات على القوات الإسرائيلية.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن جندي احتياط إسرائيلي من فرقة القوات الخاصة 98 التي تقاتل حالياً في جباليا (شمال)، قوله إن "حماس تهاجم القوات الإسرائيلية بضراوة أكبر، وتطلق المزيد من الأسلحة المضادة للدبابات على الجنود المختبئين في المنازل والمركبات العسكرية يومياً".
ووفقاً للصحيفة، تشكل قدرة حركة "حماس" على الصمود، "مشكلة استراتيجية" لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي قال إن الهدف الرئيس من الحرب هو "القضاء نهائياً" على الحركة الفلسطينية. وتزايدت المخاوف في إسرائيل، بما في ذلك داخل المؤسسة الأمنية، من أن تل أبيب ليس لديها "خطة موثوقة" لاستبدال "حماس"، و"كل الإنجازات التي حققها الجيش ستتلاشى".
وقال شهود لـ"وول ستريت جورنال" إنه مع قيام الجيش الإسرائيلي بنقل دباباته وقواته إلى رفح، التي وصفها بأنها "المعقل الأخير" لحماس، شنت الحركة سلسلة هجمات كر وفر ضد القوات الإسرائيلية في شمال غزة.
وتحولت المناطق التي سادها هدوء نسبي إلى ساحات قتال، فيما قالت إسرائيل، إنها استدعت الدبابات لدعم قواتها في المعارك ضد عشرات المقاتلين، وقصفت أكثر من 100 هدف من الجو، بينها ما أسمته "غرفة حرب حماس" في وسط غزة.
تضاؤل آمال إسرائيل في النصر
من جانبه، قال رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية جوست هلترمان، إن "حماس موجودة في كل مكان في غزة"، مضيفاً: "حماس بعيدة كل البعد عن الهزيمة".
والنتيجة الطبيعية لذلك، هي أن "إسرائيل تبدو بعيدة كل البعد عن تحقيق هدف نتنياهو المتمثل في تحقيق انتصار كامل؛ وسواء مضت قدماً في حربها عبر هجوم شامل في رفح أم لا، فمن المحتمل أن تبقى حماس، وتستمر في مناطق أخرى من القطاع"، وفقاً لما قاله مسؤولون عسكريون إسرائيليون حاليون وسابقون، وتقديرات استخبارية أمريكية.
وقال نتنياهو: "لن نتوقف حتى نقضي نهائياً على نظام حماس الإرهابي، وسننتقم من أولئك الذين ارتكبوا الهجوم حتى آخر فرد منهم"، في إشارة إلى الهجوم الذي شنته "حماس" في 7 أكتوبر على بلدات جنوب إسرائيل.
وأشارت الصحيفة إلى أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، أحجم عن التعليق على معاودة "حماس" الظهور في غزة.
وما يفاقم هذه التحديات التي تواجهها إسرائيل، بحسب الصحيفة، نجاح زعيم حركة "حماس" بقطاع غزة يحيى السنوار في الصمود أمام الهجوم الإسرائيلي عبر الاختباء في أنفاق الجماعة تحت غزة.
كما تشكل شبكة الأنفاق، التي ثبت أنها أكثر امتداداً مما كان متوقعاً، تحدياً خاصاً على الجيش الإسرائيلي، الذي حاول تدميرها باستخدام المتفجرات، بعد أن حاول في وقت سابق إغراقها بمياه البحر.
ونقل السنوار رسائل إلى الوسطاء في محادثات وقف إطلاق النار في غزة، بأن حماس مستعدة للقتال في رفح، وأن اعتقاد نتنياهو بأنه قادر على تفكيك الحركة "أمر ساذج"، ما يعكس اعتقاد الجماعة بأنها قادرة على النجاة من الحرب على المدى الطويل.
وقال أحد المفاوضين العرب عن السنوار، إنه: "يريد دائماً أن يُظهر أن حماس لا تزال بموقع القيادة، ولم تهجر ساحة القتال، وتستطيع الاستمرار لأشهر، إن لم يكن لسنوات".
"حرب عصابات"
وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن "حماس استخدمت أنفاقها ومقاتليها ومخزوناتها من الأسلحة للتحوّل مرة أخرى إلى قوة حرب عصابات، من جماعة اضطلعت بدور الحكومة في قطاع غزة منذ فوزها في الانتخابات البرلمانية عام 2006، والاستيلاء على السلطة في 2007".
ويعكس هذا التحوّل "عودة جزئية إلى جذور الحركة كمجموعة قامت بتنظيم المعارضة ضد الاحتلال العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية، وغزة خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى في ثمانينيات القرن الماضي".
وبالنسبة للحرب الحالية، فإن ذلك يعني "استخدام تكتيكات كر وفر، والعمل في مجموعات صغيرة من المقاتلين"، وفقاً لما ذكره محللون أمنيون وشهود في غزة.
ولفتت الصحيفة إلى أن "حماس" لم تبدِ أي علامة على التردد بشأن القتال، فبعد أن حذّرت إسرائيل خلال الجولة الأخيرة من محادثات وقف إطلاق النار من أنه في حال عدم إحراز تقدم، ستدخل قواتها رفح، حيث يلجأ أكثر من مليون نازح فلسطيني، للضغط على الحركة لتخفيف مطالبها، قال مسؤولو "حماس" للمفاوضين إنهم أبدوا قدراً كافياً من المرونة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، وإن تهديدات نتنياهو بغزو رفح لن تحرك فيهم ساكناً.
في هذا السياق أيضاً، قال القيادي في حماس موسى أبو مرزوق، في مقابلة تلفزيونية في وقت سابق من الشهر الجاري، إن "إسرائيل تهدد بمهاجمة رفح وتقول إن عليهم إنهاء عمليتهم هناك"، وتساءل مستنكرًا: "من يمنعكم؟ تفضلوا، نفذوا هجومكم، وأكملوا مهمتكم".
وعندما غزت إسرائيل شمال غزة في أكتوبر الماضي، قال مسؤولون عسكريون إسرائيليون، إنهم "تلقوا تعليمات بتطهير مناطق القطاع من عناصر حماس، من دون خطة تحدد من سيتولى السيطرة على هذه المناطق بمجرد انسحاب القوات الإسرائيلية منها".
وذكرت الصحيفة أن إسرائيل سحبت جزءاً كبيراً من قواتها من شمال غزة في وقت سابق من العام الجاري، حيث تحولت إلى عمليات في وسط وجنوب القطاع، ما ترك "منفذاً لحماس لإعادة توطيد نفوذها".
"لا خطط" لما بعد الحرب
وألقى بعض المسؤولين والمحللين الأمنيين الإسرائيليين باللائمة على حكومة نتنياهو لعدم وضع خطة إنشاء سلطة تحل محل "حماس"، فيما شكك آخرون فيما إذا كان ممكناً فرض حكومة فلسطينية بديلة في خضم الحرب، إذ هددت "حماس" بمهاجمة كل من يتعاون مع الجيش الإسرائيلي.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاجاري، الثلاثاء، إنه "فيما يتعلق بمن سيحل محل حماس، فلا شك في أن فكرة وجود بديل لحماس يشكل ضغطاً على الحركة، ولكن هذه مسألة تتعلق بالجانب السياسي".
وكانت جباليا إحدى المناطق، التي أرسلت إليها إسرائيل قواتها في الأيام الأخيرة. وقال الجيش الإسرائيلي مسبقاً إنه كسر الهياكل القيادية للجماعة في جميع أنحاء شمال غزة.
مع ذلك، أعرب مسؤولون أمريكيون عن قلقهم بشأن حاجة الجيش الإسرائيلي إلى العودة إلى الشمال، مشيرين إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن طلبت منذ فترة طويلة وضع خطة حكم لفترة ما بعد الحرب.
بدوره، قال مسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، إن "تجدد القتال يُظهر أن الجيش الإسرائيلي، لم يفعل ما يكفي للفلسطينيين الذين يعيشون هناك، ما أعطى مجالاً لحماس ومسلحين آخرين للعودة".
ورفض نتنياهو التعاون مع السلطة الفلسطينية ومقرها الضفة الغربية، في غزة، متهماً السلطة بـ"دعم الجماعات الفلسطينية المسلحة".
ولفتت الصحيفة، إلى أن "حماس لم تتخل عن دورها كسلطة حاكمة، بحكم الواقع، في أجزاء من غزة، حيث أرسلت عناصرها من دون زي موحد"، فيما يرى مسؤولون إسرائيليون أن "حماس تعيد توطيد نفوذها من خلال أجهزة الشرطة والدفاع المدني، التي تتبع وزارة الداخلية التي تقودها، كما تستمر الجماعة كحركة اجتماعية".
في هذا السياق، قال اللواء تامير هايمان، الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، إنه حتى مع القضاء على نشاط الحركة "تتبقى الهياكل الاجتماعية، والإحساس بالأخوة، والعناصر الأيديولوجية والدينية"، لافتاً إلى أن "هذه الأمور لا يمكن اقتلاع جذورها".