أوركسترا «الأوتار المتشابكة» تحيي روائع الأغاني العربية في باريس
شهد مسرح "الجيمناز" التاريخي في العاصمة الفرنسية باريس حضورا كبيرا بمناسبة حفل يعد الأول من سلسلة حفلات "رحلة سيمفونية في عالم الأغنية العربية الكلاسيكية"، وهو مشروع يهدف إلى إعادة إحياء روائع عمالقة الزمن الجميل بشكل موسيقي أوركسترالي معاصر، برفقة أوركسترا "الأوتار المتشابكة" بقيادة المايسترو المصري مصطفى فهمي.
وأحيت الفنانة السورية لينا شماميان، هذا الحفل السيمفوني لروائع نجوم زمن الفن الجميل أمثال عبد الحليم حافظ ووردة وأسمهان وفريد الأطرش، وذلك بمشاركة اوركسترا "الأوتار المتشابكة" والتي تضم أكثر من ستين عازفا غالبيتهم من الفرنسيين، في سابقة هي الأولى من نوعها، بقيادة المايسترو مصطفى فهمي الذي تولى مهمة الإشراف والإخراج الموسيقي للحفل بدعم من أسرة موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب.
وفي تصريحات لمراسلة وكالة أنباء الشرق الأوسط بباريس، قال المايسترو المصري مصطفى فهمي: "كنت متحمس للغاية أن اشارك هذه الموسيقى العربية المميزة مع الجمهور، وعندما رأيت هذا الجمهور الكبير في المسرح وتفاعله، كانت بالنسبة لي لحظة مؤثرة للغاية حلمت بها منذ فترة طويلة خاصة أن هذا الحفل يعتبر أول خطوة عملية للمشروع الذي طالما حلمت به بهدف تسليط الضوء على تراثنا العربي وأن تكون الموسيقى التي نقدمها جسرا تسمح بالتقارب بين الثقافات المختلفة".
ويمثل مشروع "رحلة سيمفونية في عالم الأغنية العربية الكلاسيكية" مزجا بين كلاسيكيات الأغنية العربية والحداثة بكتابة سيمفونية متطورة، كما يوضح تنوع وثراء الموسيقى العربية؛ مما يدل على قدرتها على بناء الجسور بين الثقافات المختلفة.
وسرد فهمي رحلة مشروعه منذ أن وصل إلى فرنسا في عام 2011 لاستكمال دراسته في الموسيقى الكلاسيكية، وعند شعوره بالحنين إلى الوطن بدأ يفكر ويحلم بهذا الشكل من الموسيقى التي تبرز روعة الموسيقى العربية وتقاربها بينها وبين الثقافات الفنية المختلفة. وقال : "تجربتي الشخصية ودراستي للموسيقى الكلاسيكية جعلتني قريب من الثقافة الغربية الفرنسية وأن اتواصل وأقوم بالتدريب في معهد الكونسرفتوار مع العازفين الفرنسيين، ومن هنا فكرت أنه يمكن لتراثنا العربي أن يكون جسرا لكي يتعارفوا علينا اكثر وتتقارب الثقافات المختلفة فيما بيننا".
وبدأ فهمي في عقد ورش عمل، بالتعاون مع السفارة المصرية بباريس ووزارة الثقافة وبدأ المشروع حتى وصل بأوركسترا تتضمن 60 موسيقيا 95% منهم فرنسيين يعزفون كلاسيكيات الموسيقى العربية.
وأشار إلى أهمية هذا المشروع أيضا من الناحية الانسانية، حيث تعتبر الموسيقى بمثابة لغة عالمية قادرة على توحيد القلوب وإثراء الروح الإنسانية، وقال : "أتاحت هذه الأوركسترا للعازفين الفرنسيين فرصة التعرف على الثقافة الثانية المختلفة عنهم".
وأوضح فهمي أن هذا المشروع الفني يُكرم التراث الاستثنائي المتميز للموسيقى العربية الكلاسيكية، حيث أعادت "لينا شماميان" إحياء مختارات من روائع نجوم الزمن الجميل بتوزيع موسيقي وكتابة أوركسترالية جديدة للمؤلف الموسيقي أحمد الموجي، حفيد الفنان محمد الموجي، ليقدم هذه الأغاني بشكل موسيقي معاصر.
وفي هذا الصدد، أكد أهمية وتميز التعاون مع الفنان أحمد الموجي، قائلا "خرج الحفل بهذا الشكل الرائع بفضل براعة احمد الموجي في التدوين والتوزيع الموسيقي بهذا الشكل وبفضل جهد وأداء الموسقيين المميز". وأضاف أن هذا كان التعاون الثاني له مع أحمد الموجي، حيث قدما عملا فنيا كبيرا في اوبرا القاهرة وأحيته المغنية فرح الديباني، ولكن هذه المرة، "تعمقنا في الموسيقى العربية واستعرضنا أنواعها المختلفة .. فأشكال التأليف الموسيقي عند المؤلفين الكبار متنوعة وهنا نسعد أن نهديهم هذا الحفل الكبير تكريما لهم ولأعمالهم وأن ننشر الألحان العظيمة التي قدموها ، بدعم من أسرة الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب ونشكرهم على دعمهم لنا بشكل مباشر في هذه التجربة".
أما التعاون مع المغنية لينا شماميان، فقد أكد المايسترو مصطفى فهمي أن "لينا" تتمتع بصوت أصيل ومشهور في العالم العربي ومشهورة بتقديم التراث بشكل متجدد بالاضافة إلى أعمالها الخاصة. وقال "كانت تجربة جديدة على لينا أن تقدم كلاسيكيات الموسيقى العربية واستطاعت في وقت قصير للغاية التدريب على هذه الأشكال المختلفة من الموسيقى العربية .. والاوركسترا حريصة على إحياء هذا التراث العربي الأصيل خلال الرحلات القادمة".
وتأسست أوركسترا "الأوتار المتشابكة" في عام 2019 بقيادة المايسترو مصطفى فهمي، بهدف إثراء الساحة الفنية بأعمال متميزة تمزج بشكل متناغم بين الموسيقى العربية والموسيقى الكلاسيكية العالمية في عزف سيمفوني معاصر.
وتسلط هذه الأوركسترا دور وقوة الموسيقى كجسر بين الثقافات المختلفة، وتقدم حفلات موسيقية بحيث يمثل كل حفل فرصة جديدة لتعزيز التفاهم والتنوع الموسيقي. لذلك أكد فهمي: "نؤمن أن الموسيقى هي لغة للتواصل وأداة نحاول أن نستخدمها للتقارب بين الشعوب والثقافات".