«بي واي دي» تزيح «جيلي» لتتربع على عرش المركبات الكهربائية
لم تسمع سوى قلة قليلة خارج الصين عن أي من صنّاع السيارات المحليين في البلاد حتى برزت نجاحات "جيلي" في العقد الثاني من القرن الحالي. محلياً، كانت السيارات التي تنتجها "جيجانج جيلي هولدينجز" (Zhejiang Geely Holdings) من بين الأكثر مبيعاً في البلاد.
أما على مستوى العالم، فقد تمددت إمبراطورية "جيلي" ومؤسسها الملياردير لي شوفو لتضم حصصاً في "فولفو" السويدية و"مرسيدس-بنز" الألمانية و"بروتون" (Proton) الماليزية، إلى جانب شراكة مع "رينو" الفرنسية.
أكثر ما تشتهر به "جيلي" هو استحواذها على شركة "فولفو كارز" (Volvo Cars) في 2010 وتحسينها للأوضاع بشكل مذهل. أظهر ذلك النجاح للمرة الأولى، أن بإمكان شركة صينية أن تتولى إدارة علامة تجارية دولية بنفس كفاءة نظيراتها الأوروبية أو الأميركية.
لكن "بي واي دي" الناشئة تمكنت بحلول 2023، من تخطي "جيلي" بسرعة لتصبح أكبر الشركات مبيعاً للسيارات الكهربائية في العالم، وأكبر علامة تجارية للسيارات في الصين.
كشفت بيانات من جمعية سيارات الركاب الصينية أن "بي واي دي" لم تكن من بين أكبر عشرة مصنّعين من حيث الشحنات في البلاد حتى عام 2021، حين كانت المشاريع المشتركة لشركات تملكها الدولة مع "فولكس واجن" و"جنرال موتورز" على رأس القائمة، وتليها "جيلي". ثم جاء مسعى البلاد لتبنّي المركبات الكهربائية ليغيّر كل شيء.
محاولة اللحاق بالركب
تسارع "جيلي" الآن لتلحق بركب "بي واي دي" في مجال المركبات الكهربائية، ولتحافظ على صدارتها في صادرات السيارات، دون أن يكون هناك ما يضمن أن تنجح في ذلك. لكن قصتها قد تكون درساً لقدامى صنّاع السيارات الآخرين الذين يسعون للتأقلم في عالم يتجه نحو السيارات عديمة الانبعاثات.
قال غوي شينغيو، الرئيس التنفيذي لـ"جيلي أوتوموبيل هولدينغز ليمتد"، لوسائل الإعلام في مارس: "إن أداء (بي واي دي) جيد جداً. علينا أن نتعلم منها، لكن أعتقد أن أداءنا ليس سيئاً. نحن واثقون من قدرتنا على أن نصبح العلامة التجارية الرائدة في الصين مجدداً، لكن ذلك سيتطلب بعض الوقت بطبيعة الحال".
تطرح "جيلي" مزيداً من المركبات الكهربائية، كما تستثمر بكثافة في تقنيات السيارات المتصلة بالإنترنت، وأشباه الموصلات الخاصة بالسيارات، والأقمار الاصطناعية. قال لي دونغوي، الرئيس التنفيذي للمجموعة القابضة، خلال الفعالية ذاتها إن الشركة أنفقت أكثر من 200 مليار يوان صيني (27.7 مليار دولار) على البحث والتطوير خلال العقد الماضي.
قصة صعود "بي واي دي"
إن صعود "بي واي دي"، التي بدأت كصانعة بطاريات، جاء بعد سنوات من الأبحاث في تقنيات المركبات الكهربائية والسيارات الهجينة القابلة للشحن. خلال أغلب السنوات العشر الماضية، تخطى الإنفاق على البحث والتطوير أرباح الشركة. قال وانغ شوان فو، مؤسس الشركة، في فعالية خلال 2023 إن الشركة سجلت في 2019 دخلاً صافياً بلغ 1.6 مليار يوان، لكنها استثمرت أكثر من ثمانية مليارات يوان في البحث والتطوير. وقد لعب الدعم الحكومي دوراً في استمرارية "بي واي دي" خلال سنواتها الأولى، لكن الصين ألغت دعم المركبات الكهربائية على مستوى البلاد تدريجياً في 2022.
تعمل "بي واي دي" على تطوير منصتها الرئيسية "دي إم-آي" (DM-i) للسيارات الهجينة منذ نحو عقدين. حقق الجيل الرابع من التقنية نجاحاً هائلاً بعد طرحه في 2021. تتيح التقنية الآن للسيارة أن تعمل بالبطاريات إلى أن تنفد شحنتها، فيباشر محرك الاحتراق الداخلي عمله، ويساعد هذا على تجاوز مخاوف المدى التقديري للسيارة.
قال ييل تشانغ، العضو المنتدب لشركة الاستشارات "أوتوموتيف فورسايت" (Automotive Foresight) في شنغهاي، إن "جيلي" وغيرها من الشركات في القطاع ركزوا قبل بضعة أعوام على تصميم يُسمى "بي 2" (P2)، أو "بوزيشن 2" (Position 2)، الذي يضيف محركاً كهربائياً لتحويل نظام الدفع التقليدي القائم على محرك الاحتراق الداخلي، إلى سيارة هجينة قابلة للشحن من دون تغيير المحرك أو ناقل الحركة.
كانت هذه الإضافة وسيلة سهلة لصنّاع السيارات القدامى لتعديل تشكيلاتهم القائمة، لكن المدى التقديري للسيارة بالبطارية محدود، إذ يبلغ عادةً نحو 51 كيلومتراً، كما لا يوجد تغيير في كفاءة استهلاك الوقود. لدى منصة "دي إم-آي" من "بي واي دي" نظام دفع أكثر تعقيداً، إذ يضم محركين كهربائيين ويوفر في استهلاك الوقود.
نمو المبيعات
قال تشانغ: "حين طرحت (بي واي دي) السيارة الهجينة القابلة للشحن بتقنية (دي إم-آي) قبل سنوات قليلة، اكتسحت منافسيها باستخدام منصة (بي 2)". تُقدّم أحدث السيارات الهجينة القابلة للشحن من "بي واي دي" و"جيلي"، التي توقفت عن تصنيع مركبات باستخدام تصميم "بي 2"، طرازات بإمكانها قطع مسافة 100 كيلومتر قبل أن يبدأ محرك البنزين بالعمل، كما تُحسّن كفاءة استهلاك الوقود حين يبدأ محرك البنزين بالعمل.
وضعت "جيلي أوتو" في 2015 هدفاً بأن تمثل المركبات الكهربائية 90% من مبيعاتها بحلول 2020، لكنها فشلت في تحقيق ذلك. مثّلت المركبات الكهربائية والسيارات الهجينة القابلة للشحن 5.2% من مبيعات الشركة في 2020. يشمل الهدف السيارات الهجينة القابلة للشحن والمركبات الكهربائية، وهي السيارات التي تحوي بطاريات والتي يُشار إليها في الصين باسم مركبات الطاقة الجديدة.
ارتفعت حصة "جيلي" من إجمالي مبيعات المركبات الكهربائية والهجينة القابلة للشحن لأكثر من 20% للمرة الأولى في 2022، وبلغت نحو 30% العام الماضي، حين سلمت الشركة 487 ألف مركبة تعمل بالبطاريات. كان ذلك العدد 980 ألف مركبة في 2023 للمجموعة الأكبر، التي تضم علامات تجارية دولية مثل "فولفو".
باعت "بي واي دي" ثلاثة ملايين مركبة كهربائية وسيارة هجينة في 2023، وذلك بعد أن توقفت عن تصنيع السيارات التقليدية التي تعمل بالبنزين في العام السابق.
منصة جديدة
لدى "جيلي" منصة جديدة للسيارات الهجينة القابلة للشحن اسمها "لايشن باور" (Leishen Power)، التي احتاج تطويرها لأكثر من خمس سنوات وعشرات مليارات اليوانات. طُرحت أحدث نسخة في الأسواق في 2023 وهي موجودة في سلسلة طرازات "غالاكسي" (Galaxy) الجديدة من "جيلي" للمركبات الكهربائية والسيارات الهجينة القابلة للشحن ذات الأسعار المعقولة، وفي العلامة التجارية "لينك آند كو" (Lynk & Co).
تضم منصة "لايشن" عدداً من نواقل الحركة التي أضيفت لتحسين تجربة القيادة مقارنة بمنصة "دي إم-آي" من "بي واي دي"، التي تستخدم ناقلاً واحداً فقط. قال تشانغ إن توجيه منصة "دي إم-آي" ليس جيداً في السرعات التي تتجاوز مئة كيلومتر في الساعة. كما أضاف أن "لايشن" تُحسّن من سهولة القيادة، لكنها ترفع سعر المركبة.
طرحت "جيلي" أيضاً "زيكر" (Zeekr)، وهي علامة تجارية للمركبات الكهربائية بالكامل تبدأ أسعار سياراتها من 200 ألف يوان. نمت العلامة التجارية 65% لتبيع أكثر من 118 ألف سيارة في 2023، ويهدف طراز "زيكر 001" (Zeekr 001) للتنافس مع طراز "تسلا" الشهير "موديل واي"، إذ يتمتع بتوجيه جيد للمركبة، وخصائص مثل مقاعد للتدليك والمساعدة بالأوامر الصوتية. قدّمت الوحدة طلباً للطرح العام الأولي في الولايات المتحدة في نهاية 2023.
أضحت المركبات الكهربائية أيضاً محل تركيز أكبر في محفظة استثمارات "جيلي" الدولية، إذ تبيع علامتها التجارية سويدية الأصل "بولستار" الآن المركبات الكهربائية، كما طرحت "لوتس كارز" (Lotus Cars) في إنجلترا سيارات كهربائية فاخرة مثل سيارة "إليكتر" (Electre) الرياضية متعددة الاستخدامات، وسيارة "إيميا" (Emeya) الرياضية فائقة الأداء.
دخلت العلامة التجارية "سمارت" (Smart) التي تبيع السيارات الكهربائية صغيرة الحجم من "مرسيدس-بنز" في مشروع مشترك مع "جيلي" في 2019، وتوسعت لتطرح سيارة رياضية متعددة الاستخدامات تعمل بالبطارية في الأسواق الصينية والأوروبية وأسواق دول جنوب شرق آسيا.
مساعي "جيلي"
يُعزى جانب كبير من نمو "جيلي" إلى مزيج من الاستحواذات على علامات تجارية أجنبية، وطرح طرازات أحدث في السوق الصينية. قال لو تي، العضو المنتدب في شركة "سينو أوتو إنسايتس" (Sino Auto Insights) الاستشارية، إن الشركة كوّنت بذلك محفظة علامات تجارية تتمتع بقدر معقول من التداخل، وهو ما تبدو إدارته أعقد.
قال لي: "إضافة لذلك، بدا أن (جيلي) قد فاتها هوس الاستثمار الذي عصف بقطاع المركبات الكهربائية قبل نحو خمس أو ست سنوات، وهو ما يترك الشركة بمحفظة علامات تجارية جديدة نسبياً تحتاج إلى استثمارات ضخمة، ولكن لديها رأس مال محدود لتغذيتها".
أضاف: "لتلحق بالركب، ينبغي على (جيلي) أن تتخلص من السيارات التي تعمل بمحرك الاحتراق الداخلي في الصين في أقرب فرصة ممكنة، وأن توفّق بين أوضاع العلامات التجارية في محفظتها الاستثمارية، وأن تواصل الاستثمار في البحث والتطوير، وأن تطلق منتجات جديدة لتجاري اللاعبين الآخرين وتتفوق عليهم".
إن إدارة "جيلي" لا تعتبر محفظتها العريضة مشكلة. قال لي دونغوي في يناير إن "جيلي" تهدف لأن تكون نظيرة "فولكس واجن" في عصر المركبات الكهربائية، في إشارة إلى مجموعة صناعة السيارات الألمانية التي تشمل علاماتها التجارية "فولكس واجن" و"سيات" وصولاً إلى "بورشه" و"بنتلي".
قال لي إنه فيما تستهدف كل من "جيلي" و"بي واي دي" التوسع في الأسواق العالمية بقوة، قد تحظى "جيلي" بميزة بفضل العلامات التجارية الأجنبية التي تملكها. تُصنع سيارات بعض هذه العلامات التجارية في الصين، لكن ليس جميعها. على سبيل المثال، لدى "فولفو" منشآت في السويد والصين والولايات المتحدة.
صدّرت "جيلي" العام الماضي 408 آلاف مركبة من الصين، وفقاً للرابطة الصينية لمصنّعي السيارات، مقارنة مع 243 ألف سيارة باعتها "بي واي دي". قالت "بي واي دي" إنها تريد زيادة صادراتها إلى الضعف لتصل إلى 500 ألف مركبة في 2024.
إمبراطورية متعثرة
في تلك الأثناء، بدأت بعض جوانب إمبراطورية "جيلي" تتعثر. تستغني "بولستار" عن نحو عشر عمالتها، أي نحو 450 عاملاً، لخفض التكاليف فيما يتباطأ نمو التسليمات. سلّمت العلامة التجارية 54600 مركبة كهربائية في 2023، أي أقل قليلاً من مستهدف الشركة البالغ 60 ألف مركبة. كما شهدت "لوتس تكنولوجي" (Lotus Technology)، التي أصبحت شركة مدرجة في الولايات المتحدة في مؤشر "ناسداك"، وذلك من خلال شركة للاستحواذ ذات أغراض خاصة، تراجع سعر سهمها 50% منذ إدراجه في فبراير.
قال تشانغ من "أوتوموتيف فورسايت" إنه في ضوء أن المركبات الكهربائية تُعد محركاً للنمو، خصوصاً في الصادرات، فإن "جيلي" بحاجة إلى أن تحقق نجاحاً في سوق السيارات الكهربائية في الصين أولاً. أضاف: "ينبغي أن تُحسّن (جيلي) مبيعات مركباتها الكهربائية في الصين. يمكنها بعد ذلك أن تتجه لطرح هذه الطرازات الشعبية التي اختبرتها في الصين في السوق الدولية".
تفوقت "جيلي" على "بي واي دي" لفترة وجيزة في المبيعات الشهرية في يناير 2024، وذلك جزئياً بفضل شعبية طرازاتها من السيارات الهجينة القابلة للشحن، التي ارتفعت مبيعاتها إلى نحو 30 ألف مركبة في يناير، مقارنة مع 588 مركبة فقط خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
لكن فيما تواصل "بي واي دي" تأجيج حرب أسعار المركبات الكهربائية في الصين عن طريق تقديم تخفيضات على عديد من طرازاتها، تمكنت الشركة من التفوق على "جيلي" مجدداً في فبراير، كما شحنت 302459 مركبة في مارس، مقارنة مع 150835 مركبة شحنتها "جيلي".
قال تشانغ: "مع طرح مزيد من السيارات التي تستخدم منصة (لايشن) في 2024، فإن (جيلي) مستعدة لتتصارع مع (بي واي دي). رغم أن العودة إلى مركز الصدارة مجدداً صعب نظراً لأن (بي واي دي) ما تزال تحقق نجاحاً هائلاً، بإمكان الشركة أن تحتفظ بالمركز الثاني بفارق بسيط".