قطاع السيارات الكهربائية الأمريكي يتخوف من زحف صيني مرتقب
لا يمكن للأمريكيين الراغبين بشراء سيارات أن يشتروا مركبات كهربائية من علامات تجارية صينية، ولا أحد يعلم حقاً متى ستصل هذه السيارات إلى الأراضي الأمريكية، لكن إمكانية وجود مركبات كهربائية صينية رخيصة تؤرق البعض في ديترويت.
يتمثل التهديد الرئيسي من سيارات مثل "سيجل هاتشباك" (Seagull hatchback) من إنتاج شركة "بي واي دي"، التي تتميز بزوايا هيكلها الحادة، وتصميم بشكل جناحي نورس لواجهتها، كما أن فيها ست وسائد هوائية وشاشة دوارة لنظام المعلومات والترفيه تعمل باللمس بقياس عشر بوصات، كما كُتب تحت زجاجها الخلفي عبارة: "حقق حلمك"، وهي شعار الشركة.
لكن أكثر ما يميزها هو أن ثمنها 9698 دولاراً، وهو يقل عن متوسط سعر سيارة كهربائية أمريكية بأكثر من 50 ألف دولار، وهو لا يزيد إلا قليلاً على سعر دراجة سكوتر فاخرة من إنتاج "فيسبا" (Vespa).
تشير جرأة التسعير من "بي واي دي"، التي تخطت "تسلا" في أواخر 2023 لتصبح أكبر شركة منتجة للمركبات الكهربائية في العالم، إلى الطريقة التي يُرجح أن تدفع بها شركات السيارات الصينية نظيراتها الأمريكية للاتجاه بعيداً عن التركيز على إنتاج سيارات باهظة الثمن ليستخدمها الأثرياء كسيارة ثانية، لتتجه نحو تصنيع سيارات كهربائية بأسعار في متناول الأشخاص العاديين.
تحدٍ آسيوي
بعد أن ولى احتمال ظهور مركبة كهربائية ثورية من عملاقة التقنية الأمريكية "أبل"، وهو ما كان يثير المخاوف منذ فترة طويلة، يواجه صنّاع السيارات الأمريكيون الآن ما قد يكون تحدياً أكبر يأتيهم من آسيا.
الصين، التي تُعد منذ فترة طويلة مركزاً لتصنيع منتجات الشركات الغربية، عازمة على توسيع انتشار شركاتها حول العالم، وتُعتبر حالياً أكبر سوق للمركبات الكهربائية، وهي تستغل ذلك مع خبرتها في التصنيع، لتزيد مبيعات الطرازات الصينية ذات الأسعار التنافسية، في عالم يزداد وعياً بشأن قضايا المناخ.
حالياً، تعمل الرسوم الجمركية المرتفعة، والتوجه نحو إقامة حواجز تجارية أشد، على التصدي لخصم الولايات المتحدة الجيوسياسي، وإبقاء الزحف الصيني بعيداً عن أمريكا.
لكن السوق الصينية تمثل نحو 70% من إجمالي مبيعات المركبات الكهربائية عالمياً، لذا فإن مسعى الصين لخفض الأسعار يسبب تداعيات لا يمكن تجاهلها على المدى الطويل، حتى لو نجحت المناورات السياسية من جانب المشرّعين الأمريكيين في إبطاء زحف العملاقة الآسيوية في مجال السيارات نحو الولايات المتحدة، وهي أكبر أسواق السيارات ربحية في العالم.
قال جيف شوستر، نائب الرئيس العالمي لأبحاث السيارات في شركة الاستشارات "جلوبال داتا" (GlobalData)، إن هذا التهديد "يدفع الجميع للتأهب، وهو يحتّم الابتكار بشكل ربما لم يكن ليحدث بالسرعة ذاتها".
تهديد وجودي
يقرع مسؤولون في صناعة السيارات وساسة في واشنطن ناقوس الخطر بشأن احتمال بروز تهديد وجودي لشركات السيارات الأمريكية، وملايين العاملين في هذا القطاع، ويطالب تحالف التصنيع الأمريكي، وهي مجموعة يدعمها مصنّعون رئيسيون ونقابات عمالية في القطاع، بتدابير حمائية جديدة ضد الصين، لمنع وقوع ما يؤدي إلى "إبادة" صناعة السيارات الأمريكية.
قال مايكل دَن، وهو مستشار في قطاع السيارات عمل سابقاً لدى "جنرال موتورز" في آسيا إن "تنافسية الشركات الصينية عالية جداً اليوم، والسؤال الذي يُطرح حالياً في كل مجالس الإدارة هو: كيف يمكننا أن ننافسها؟".
تسارع "فورد موتور" و"تسلا" وغيرهما من شركات السيارات إلى التخلي عما درجت عليه في سياق تصنيع السيارات الكهربائية، للتنافس مع تلك المركبات الجديدة الرخيصة التي تُباع خارج الولايات المتحدة.
وصف جيم فارلي، رئيس "فورد" التنفيذي، سيارة "سيغَل" بأنها "جيدة جداً"، وحذر من أن أي صانعة سيارات غير قادرة على منافسة الشركات الصينية على مستوى العالم في المستقبل القريب، تخاطر بأن تخسر ما يصل إلى 30% من إيراداتها، فيما وصف أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في قطاع السيارات الكهربائية لدى "فورد" المركبات الكهربائية الصينية بأنها "تهديد استراتيجي هائل".
خصائص مميزة
قد يكون حضور طراز "أتو 3" (Atto 3) من "بي واي دي" طاغياً بدرجة أكبر، وهي سيارة رياضية متعددة الاستخدامات ذات خطوط انسيابية تتسع لخمسة ركاب من تصميم فريق يقوده فولفغانغ إيغر، كبير المصممين سابقاً لدى كل من "أودي" و"لامبورغيني".
تأتي السيارة بلوحة عدادات تشبه ما لدى سيارات "تسلا"، وبها شاشة كبيرة في الوسط تعمل باللمس وتدور لتصبح عمودية أو أفقية، كما لها خصائص مميزة مثل الأوتار التي تشبه أوتار غيتار، وهي موجودة فوق جيوب الأبواب ويمكن للركاب أن يعزفوا عليها، وبها ناقل حركة في منصة التحكم في الوسط يشبه مقبض الدفع في قمرة قيادة الطائرة.
كما تأتي السيارة بمجموعة كاملة من خصائص السلامة، ومن ذلك حساسات أمامية وخلفية تحذر من الاصطدام، وخاصية مراقبة النقطة العمياء، وتنبيهات حركة المرور الخلفية، وفرامل الطوارئ التلقائية، وكل ذلك يبدأ من سعر يبلغ 31 ألف دولار، أي نحو نصف متوسط سعر مركبة كهربائية أمريكية الصنع.
يُعبّر صنّاع السيارات الأمريكيون عن مخاوفهم من أن الصين تضع معياراً عالمياً جديداً لا يمكنهم تجاهله، وبدأت العلامات التجارية الصينية فعلاً بترسيخ وضعها في أسواق إقليمية رئيسية منها أوروبا والمكسيك والشرق الأوسط، كما تحرص على أن تواصل نموها.
أكبر المصدرين
يعتبر التصدير مهماً لربحية صانعي السيارات الصينيين لأنهم يعانون أعباء زيادة مفرطة في الطاقة الإنتاجية. خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، ونمت الصين بسرعة لكي تصبح أكبر دولة مصدّرة للسيارات في العالم، إذ شحنت 5.2 مليون مركبة خلال العام الماضي، مقابل مليون مركبة في 2020، وقال دَن إن "أغلب صانعي السيارات الصينيين لا يحققون أرباحاً على المستوى المحلي، لذا يعملون بأقصى سرعة للتصدير".